<
09 July 2025
إشارات تحذيرية تلوح في أفق الاقتصاد الأميركي.. ما هي؟
منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض دخل الاقتصاد الأميركي مرحلة مثيرة للجدل، جمعت بين مؤشرات انتعاش ظاهرية وتحذيرات خفية من اضطرابات قادمة، فعلى الرغم من خطوات كبرى اتخذتها الإدارة، بما في ذلك سياستها المرتبطة بخفض الضرائب وفرض تعريفات جمركية واسعة، ظل المشهد الاقتصادي محاطاً بكثير من الضبابية.
 
الأسواق المالية بدت مزدهرة، ونسب البطالة تتراجع نسبياً، ما منح البيت الأبيض فرصة للإشادة بإنجازاته، لكن خلف هذا الهدوء النسبي، بدأت تتكشف تحديات واسعة تتعلق بالإنتاجية والعجز المالي، واستقرار سوق العمل.
 
الاقتصاديون من جهتهم لا يغفلون عن بوادر القلق؛ إذ تتنامى المخاوف من أن السياسات التجارية المتشددة، والتغيرات المفاجئة في قواعد اللعبة الاقتصادية، قد تحمل في طياتها مخاطر تقوّض هذا الاستقرار الظاهري.
 
هذا التباين بين الصورة العامة والمؤشرات التفصيلية، يفتح باب التساؤل: هل يقف الاقتصاد الأميركي على أرض صلبة فعلًا، أم أن وراء هذا الازدهار المؤقت أزمات مؤجلة؟
 
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" إلى أنه بعد مرور ما يقرب من ستة أشهر على ولايته الثانية، فرض الرئيس دونالد ترامب تعرفات جمركية عالمية، ونظم حملة صارمة على الهجرة، ودفع مشروع قانون شامل لخفض الضرائب عبر الكونغرس - وهي خطوات من شأنها أن تغير الاقتصاد الأميركي بشكل كبير، لكنها لم تفعل ذلك بعد.
 
 
ظل اقتصاد البلاد مستقرا ومتفائلا نسبيا في عهد ترامب، وفقا للعديد من المقاييس، على الرغم من أن الاقتصاديين يحذرون من أنهم يرون علامات تحذير محتملة في المستقبل.
 
ارتفعت أسواق الأسهم، واستقر معدل التضخم، وظلت البطالة منخفضة، حيث انخفضت تدريجياً إلى 4.1 بالمئة في يونيو.
 
يَعِد قانون ترامب "الذي يصفه بالجميل والكبير" بتمديد التخفيضات الضريبية الهائلة، بما يعود بالنفع على الشركات والأميركيين الأثرياء، وهي تدابير من شأنها أن تُعزز قطاعات من الاقتصاد.
 
يُنسب البيت الأبيض الفضل إلى نفسه في المؤشرات الإيجابية في الاقتصاد، قائلاً إنها "تُمهّد الطريق لاستعادة عظمة أميركا على المدى الطويل.
لكن مع ذلك، يرى العديد من المحللين أن مستقبل الاقتصاد الأميركي في عهد ترامب لا يزال غامضاً، لهذه الأسباب:
 
انكمش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام، ويعود ذلك جزئياً إلى ارتفاع الواردات، ويشعر المستهلكون بالتردد ويقل إنفاقهم.
 
كما أنه من السابق لأوانه معرفة الأثر الكامل للرسوم الجمركية واسعة النطاق التي فرضها ترامب، خاصة مع اقتراب الموعد النهائي لإتمام الصفقات مع العديد من الدول قبل إعادة فرض الرسوم (والذي حدده ترامب في أغسطس المقبل).
 
كذلك فإنه مع مغادرة المهاجرين للقوى العاملة، إما طواعيةً أو بالترحيل، قد يؤدي نقص العمال إلى نقص في العمالة في بعض القطاعات الرئيسية، مما قد يؤدي إلى تضخم الأجور.
 
إشارات تحذيرية
يوضح خبير أسواق المال، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الاقتصاد الأميركي يبدو من الخارج متماسكاً ومستقراً، إلا أن نظرة متعمقة تكشف عن مؤشرات تحذيرية جدية تشير إلى أن موجة التفاؤل السائدة قد تُخفي خلفها مخاطر اقتصادية حقيقية.
 
ويضيف: "رغم استمرار وتيرة نمو تماسك الأسواق المالية نسبياً، إلا أن مجموعة من المؤشرات بدأت تومض كأضواء حمراء في الأفق الاقتصادي، ما يستوجب الانتباه والتحرك الحذر من قبل صناع القرار". ويشير إلى أن وتيرة النمو الاقتصادي الأميركي سجلت تباطؤاً ملحوظاً مقارنة بالعام الماضي (..)، منبهاً إلى أن سوق العمل تُظهر إجمالاً علامات ضعف مقارنة بمستويات سابقة، مع تراجع معدلات التوظيف في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والخدمات المالية.
 
يشار في هذا السياق إلى أن سوق العمل الأميركية تواصل إظهار مؤشرات على المرونة ، حيث أضافت 147 ألف وظيفة جديدة في يونيو. وتجاوزت الأجور بالساعة معدل التضخم، ولا تزال معدلات تسريح العمال منخفضة. إلا أن الشركات أضافت وظائف بوتيرة أبطأ هذا العام مقارنة بالعام الماضي، وتوقف التوظيف في العديد من القطاعات.
 
يأتي ذلك بينما يراقب الاقتصاديون عن كثب مؤشرات على أن سياسات التعرفات الجمركية، وتخفيضات الوظائف في الحكومة الفيدرالية، وحملة قمع الهجرة قد تؤدي إلى فقدان وظائف واسع النطاق.
 
ويحذر خبير أسواق المال من أن استمرار السياسات التجارية المتشددة وفرض تعرفات جمركية مرتفعة يُبقي الضغوط التضخمية قائمة، مشيراً إلى أن ذلك يُقيّد قدرة الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة، ويؤثر سلباً على الاستثمار وميزانيات الأسر والشركات. كما ينبه إلى أن ارتفاع مستويات الدين العام والعجز المالي، يزيد من حذر الأسواق، ويرفع من تكاليف الاقتراض ويضعف الثقة في السندات الأميركية.
 
يشار إلى أن معدل التضخم أظهر علامات استقرار خلال الولاية الثانية للرئيس، إذ ظل معتدلاً رغم تقلبات الرسوم الجمركية، حيث ارتفع بنسبة 2.4 بالمئة فقط في مايو في مؤشر أسعار المستهلك. وهذا أدنى مستوى له منذ عام 2021.
 
وينوه سعيد إلى أن التغيرات المستمرة في السياسات الاقتصادية والتجارية في ظل إدارة الرئيس ترامب تُضيف مزيداً من عدم اليقين للمشهد الاقتصادي، خاصة في ظل التهديدات باندلاع حروب تجارية أو تغييرات مفاجئة في السياسات الضريبية.
 
مخاطر
إلى ذلك، يشير تقرير لمجلة "الإيكونوميست" إلى أنه:
 
بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب عن رسومه الجمركية بمناسبة "يوم التحرير" في الثاني من أبريل كان يلوح في الأفق شبح انهيار اقتصادي، بعد أن انهارت أسواق الأسهم، وتوقع خبراء الاقتصاد حينها ركوداً خلال العام.
 
لكن بعد ثلاثة أشهر، أصبح الوضع أكثر استرخاءً.. لم ترتفع الأسعار في المتاجر بشكل ملحوظ، واستقرت معدلات البطالة، وعاد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.
 
في الوقت الحالي، تخوض الشركات والأسر والأسواق المالية لعبة انتظار وترقب معقدة.. يترقب الجميع نهاية فترة التهدئة التي أعلنها ترامب عنها بخصوص فرض الرسوم.. وسط تساؤلات حول ما إذا كانت التعرفات خياراً فعالًا لجني الأموال من الخارج.
 
الشركات والأسر والأسواق تعتمد الآن سياسة "الانتظار والترقب"، بعدما قامت المؤسسات بتخزين البضائع تحسبًا للتعرفات، مما أدى إلى تشويه أرقام النمو في الربع الأول من العام.
 
مع استنزاف هذه المخزونات، اضطرت الشركات للعودة إلى الاستيراد، فارتفعت الرسوم الجمركية إلى أكثر من ثلاثة أضعاف معدلاتها المعتادة. وحتى الآن، تفضل الشركات تحمل التكاليف بدلاً من تحميلها للمستهلكين، انتظارًا لاحتمال تراجع ترامب عن قراراته.
 
تأثير التعرفات على الأسعار لا يزال طفيفًا وغير واضح في بيانات التضخم، رغم ارتفاع معدل الرسوم الفعلي إلى 12 بالمئة، وهو الأعلى منذ نحو قرن.
ورغم أن التعرفات قد ترفع الأسعار، إلا أنها أيضاً أضعفت الثقة الاستهلاكية، ما خفّض من الطلب.
 
مستقبل الاقتصاد الأميركي مرهون بقرارات ترامب المقبلة. فتصعيد في التعرفات قد يعمّق التباطؤ.
 
اقتصادي قوي.. ولكن!
من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق المالية في FXPro، ميشال صليبي، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن  الاقتصاد الأميركي لا يزال قوياً في عهد ترامب، لكن ثمة عدة علامات تحذيرية تلوح في الأفق وتنذر بمخاطر مستقبلية قد تهدد استقراره، ومن بينها:
 
العجز المالي المتفاقم: العجز الفيدرالي يرتفع بشكل لافت، ومرشح للزيادة نتيجة تخفيض الإيرادات الضريبية (في إشارة لقانون ترامب الضريبي وتداعياته المحتملة).
 
فقاعات في الأسواق: سجلت الأسهم الأميركية مستويات قياسية، مدعومة بسيولة وفيرة،إلا أن تقييمات الشركات المرتفعة قد تؤدي إلى تصحيح عنيف للأسواق إذا تغيرت المعطيات.
 
ضعف الإنتاجية رغم التوظيف: رغم التحسن في سوق العمل، لا تزال مؤشرات الإنتاجية غير منتعشة بالشكل المرجو، مما يثير القلق حول قدرة النمو على الاستمرار من دون تعزيزات هيكلية.
 
تأثير السياسات التجارية: لا تزال التوترات التجارية والسياسية قائمة، سواء مع الصين أو شركاء آخرين، رغم بعض الاتفاقات الثنائية. هذا الوضع يثير المخاوف بشأن الاستدامة الاقتصادية.
 
مخاوف تضخمية.. ومخاوف من عودة ارتفاع معدلات البطالة لاحقاً.
 
وفي ضوء ذلك، يؤكد صليبي أن المستقبل الاقتصادي الأميركي مرهون بقدره الجهات المسؤولة على اتخاذ خطوات إصلاحية قوية تتخطى الحلول المؤقتة؛ لإرساء أساسات نمو صحي وطويل الأجل.
Skynews