<
02 July 2025
العطش يهدد السوريين: أزمة مياه غير مسبوقة والحلول ليست في المتناول
منذ عقود طويلة لم تشهد سوريا عموما ودمشق وضواحيها خصوصاً أزمة مياه على النحو الذي تمر به البلاد اليوم.
 
وإذا كانت السماء قد أمطرت تغييرا في نظام الحكم وروت غليل ثورة عطشى إلى تسلم زمام السلطة فإنها ولحكمة تناقض السوريون في تأويلها ومقارنتها بمقاييس غضب السماء تارة ورسائل حكمتها المخفية والظاهرة تارة أخرى قد حبست عن القوم الحيا وأوصدت أبوابها دونهم دعوات الإستسقاء لتعيش العاصمة ومحيطها تقنينا غير مسبوق في توزيع المياه وترتفع الأصوات من الحناجر العطشى مشككة في عدالة توزيع الماء بين حي وآخر .
تشكيك قد يعوزه الدليل فينطوي على شيء من التجني لكن السخط قد بلغ مداه عند الناس فعمدوا إلى تبني أول خاطر سلبي مر بهم قبل أن تشدد المؤسسة العامة للمياه في دمشق على أن الوضع المائي لهذا العام أكثر من استثنائي ولم تشهده البلاد منذ عقود داعية المواطنين إلى تحمل مسؤولياتهم ومساعدة الدولة على عدم الاسراف.
 
الأزمة وتشعباتها الاجتماعية 
ضاق مفيد ( اسم مستعار) بجاره أسعد فلم يجد بدا من إشهار السكين في وجهه متوعدا إياه بالويل والثبور إن لم يتوقف عن تشغيل مضخته التي تعرف ب " السراق" والتي تضخ كل المياه إلى شقته فتمنع تدفقها إلى شقة مفيد في الطابق الخامس من البناية الواقعة في أحد ضواحي دمشق.
ارتدع أسعد في نهاية المطاف لكن مشكلة المياه في الحي استمرت في التفاقم مع قيام المؤسسة العامة لمياه الشرب بزيادة مدة التقنين ليصبح يوماً بيوم في منطقة المزة التي اعتادت ألا تنقطع عنها المياه في أغلب أوقات العام.
 
وفي جو مشحون بأخبار السياسة يصبح الركون إلى التفاهم بين الجيران على آلية انسياب المياه الشحيحة أصلا ضرباً من المستحيل وخصوصاً في البنايات التي يعاني سكان الطوابق العليا فيها من صعوبة وصول المياه إليهم سيما وأن التوفيق بين ضخ المياه ووصول التيار الكهربائي يبدو في أضعف أحواله وينظر إليه السوريون من زاويتين متناقضتين فالبعض يشكو من أن انقطاع التيار بالتزامن مع ضخ المياه يحول دون وصول المياه إلى بيته وآخرون يرون في الأمر تجريدأ لأصحاب المضخات القوية " السراقات" من سلاح احتكار ضخ المياه.
 
 
غياب العدالة في توزيع المياه
معظم شكاوى الأهالي تتمحور حول ما يقولون أنه غياب العدالة في توزيع المياه بين أحياء العاصمة دمشق حيث تنال بعض الأحياء وخصوصاً الراقية منها حصة كبيرة مقارنة بالأحياء الشعبية كما يقولون .
 
أبو صالح رجل ستيني من منطقة الباردة جنوبي العاصمة دمشق يتربص بالأيام مع أولاده حتى لا تأتيهم المياه في ساعة غفلة لا ينتبهون فيها إلى ساعات الضخ القليلة التي تزورهم مرة واحدة في الأسبوع فتيضيع عليهم حصتهم التي بالكاد تكفيهم ليومين . فيستعينون على الشقاء بشراء صهاريج المياه التي تبلغ كلفة كل واحد منها 100 ألف ليرة يتم اقتطاعها من حصة العائلة في الطعام والملبس فيما يؤكد أبو صالح في حديثه لموقعنا بأن مصدرها غير مأمون وان استعمالاتها تقتصر على الغسيل فيضطر مع عائلته لشراء مياه الشرب المصمونة من السوبر ماركت بأسعار باهظة.
يغمز أبو صالح من قناة التوزيع الحكومي للمياه ويتهم المؤسسة بسوء التوزيع بين مناطق فقيرة و آخرى راقية.
 
غسان مهندس يقطن على اوتوستراد المزة حيث تعتبر المنطقة من أحياء دمشق الراقية يرد في حديثه لموقعنا على هذه الإتهامات بشكوى يؤكد فيها أنه يدفع كل يومين بالتشارك مع كل عائلة من عائلات البناية التي يسكنونها مبلغ 30 ألف ليرة سورية أي ما يعادل الثلاثين دولارا وهو مبلغ كبير بالنسبة لراتب المواطن السوري قيمة مياه الصهاريج التي ترد إليهم في اليوم الذي لا تضخ المياه فيه إلى المنطقة.
 
بدا غسان كمن يرد على أبو صالح دون أن يعرفه ولسان حاله يقول : " كلنا في العطش سواء " .
 
خلف مواطن من دير الزور يعيش في منطقة المعضمية قرب دمشق اشتدت عليه أزمة المياه فبادر على طريقته إلى اجتراح الحلول التي رآها مناسبة.
عمد الرجل إلى حفر بئر في الأرض الترابية التي تقوم عليها البناية التي يقطنها مع جيرانه لم تكن النتائج مشجعة كما كان يرجو فالحفر اليدوي جعل المياه تنبع على بعد 7 أمتار لكنها سرعان ما كانت تقل الأمر الذي كان يضطره للانتظار لمدة أيام حتى تتجمع المياه في قعر البئر كما أنه كان يتكلف سعر المازوت لكي يخرجها بالمضخة والأسوأ كما يقول لموقعنا هو أنه قد اشتبك مع جيرانه الذين توعدوه بالشكوى عليه للسلطات على اعتبار أن حفر البئر يسحب المياه من أراضيهم لحسابه الخاص الأمر الذي اضطره لمراضاتهم والوقوف عند خاطرهم حين عمد إلى توزيع حصة مياه البئر الشحيحة أصلا فيما بين الجميع بالتساوي على مدى أيام طويلة.
 
هذه حدود قدراتنا
أزمة نقص المياه في دمشق بدأت قبل حوالي الشهرين حين حذرت المؤسسة العامة لمياه الشرب من تدهور الأوضاع المائية بشكل كبير
ومنذ منتصف الشهر الماضي عانى سكان دمشق من مشكلة الحصول على الماء عبر شبكة الأنابيب الحكومية .
 
مصدر في مؤسسة مياه الشرب في دمشق أكد في حديثه لـ "RT" أن شح المياه لهذا العام يعود إلى ندرة الأمطار خلال الشتاء المنصرم واقتصارها على أيام معدودة وبغزارة بسيطة الأمر الذي أدى إلى انخفاض غير مسبوق في حوض نبع الفيجة الذي يشكل المصدر الرئيسي لمياه الشرب في دمشق.
 
وأشار المصدر إلى أن ندرة المياه لهذا العام لا ترتبط فقط بشح السماء بل تتصل كذلك بمخرجات الحرب الطويلة التي عاشتها البلاد والتي أتت على عدد كبير من عنفات الضخ وتسببت بخروج العديد من الآبار ومصادر المياه عن الخدمة لافتاً إلى أن ضخ المياه عبر الشبكة الحكومية يتراجع بشكل مستمر بسبب الانحدار الشديد في مستوى الموارد المائية وقدم هذه الشبكة وحاجتها إلى أعمال صيانة طويلة بعدما تأذت كثيراً بسبب الحرب.
ولفت المصدر إلى أن تلبية احتياجات العاصمة دمشق وضواحيها بات اليوم غير ممكن على الشكل الأمثل سيما وأن العاصمة شهدت موجة نزوح من المناطق الأخرى زادت من كثافة سكانها واحتياجاتهم إلى الماء في هذا الصيف الحار الذي تمر به البلاد مشيراً إلى أن المؤسسة العامة لمياه الشرب تحاول التعامل بحكمة مع الشكاوى الكثيرة التي تردها من المواطنين بخصوص انقطاع المياه بيد أن لغة الأرقام لها رأي آخر حيث تقدر حاجة دمشق وريفها ب 562 ألف متر مكعب فيما يقل الضخ الحالي للمياه عن 400 ألف متر مكعب .
 
ونوه المصدر إلى أنه بات في حكم المؤكد انخفاض الضخ إلى 200 ألف متر مكعب في شهر آب القادم حيث يبلغ الصيف ذروته لافتاً إلى أن هذا الإنخفاض يبدو نتيجة طبيعية لتراجع مستوى كميات المياه المتوفرة حيث يمكن الوصول إلى مرحلة يصبح فيها ضخ المياه لمرة واحدة كل 5 أيام الأمر الذي سيفاقم المشاكل ويزيد من معاناة السكان ما لم يتعاملوا بوعي مع المشكلة على النحو الذي ترجوه المؤسسة العامة لمياه الشرب.
 
وختم المصدر في المؤسسة العامة لمياه الشرب حديثه لموقعنا بالتشديد على أن المؤسسة قد وضعت خطة طوارئ تقوم على إعادة تأهيل الآبار
وكل المصادر المائية وجعل المواطنين على قدم المساواة في توزيع أدوار المياه عليهم مشيراً إلى أن التحديات صعبة للغاية لكن العمل جار على تمرير هذا الصيف بأقل الخسائر والأضرار المادية والاجتماعية بانتظار هطولات مطرية في الشتاء القادم تكون غزيرة ومتوزعة بشكل مفيد على سائر أنحاء الجغرافيا السورية.
روسيا اليوم