مضت حرب االإثني عشر يوماً بين إيران وإسرائيل، ولم تنتهي هذه الحرب المدمرة لا بضربات الترجيح ولا حتى بالنقاط فالجميع يعلن الانتصار وذلك بغض النظر عن الخسائر الجسام في كلا الجانبين، وإذا كان البعض قد اعتقد ان الموضوع كله مزح بمزح وأنها وكما حلو لبعضهم أن يسميها كانت "ملعوبة"، إلا أن الحقيقة وما حصل على الأرض شيء وما يريد أن يصوره أو يريده بعض الكتبة شيء آخر. لقد شُنت الحرب وكادت أن تتحول حرباً شاملة وكنا على مسافة خطوات من اندلاع الحرب العالمية الثالثة، نعم هذا ما حصل وهذا ما تخوف منه بعض كبار المحللين السياسيين والاستراتيجيين في آن معاً، ولولا تدخل الأميركيين مباشرة بالحرب، الذين استعملوا كل شيء بما في ذلك القاذفات الاستراتيجية الأكثر حداثة والأكثر تدميراً أي طائرات الشبح ال B2، لكان العالم اليوم غير العالم الذي كنا فيه. وإذا كان الهدف من استعمال الولايات المتحدة لأسلحتها المدمرة، في إحداث ضربة عسكرية كبيرة للمواقع النووية الإيرانية وتدميرها، فإن أميركا بذلك قد أرسلت رسالة قوية إلى كل من يهمه الأمر وليس لإيران فقط وكل حلفائها المحتملين، إنما وهذا هو الأهم وبيت القصيد وهو القول للدولة العبرية أنها لا تملك حرية القرار وأن جيشها ليس سوى فيلق تابع لقيادة الجيوش الأميركية، وأن إسرائيل تستطيع اللعب إنما في الوقت الضائع لا اكثر ولا أقل.
الجميع استعمل كافة أسلحته
بغض النظر عما يدعيه المتقاتلون فإن كل من إسرائيل وإيران قد استعملا كل قدراتهما العسكرية، وأن الحديث عن غير ذلك هو من باب التهويل ورفع معنويات الإسرائيليين والإيرانيين في آن معاً. وأن اي سيناريو آخر سيكون من باب استعادة الضربات الصاروخية الباليستية من جهة والقصف الجوي من جهة أخرى، مما كان سيؤدي إلى دمار أكبر وضحايا أكثر في كلا البلدين. ومن الملاحظ أنه وبالرغم من امتلاك إسرائيل لعدد من القنابل النووية المخزنة في موقع ديمونا النووي، فإن الدولة العبرية لم يكن بمقدورها استعمال السلاح النووي ولا حتى التهديد به. فإسرائيل لا تجيد إلا أدوار البكاء والاستجداء وهي وكما وفي كل حروبها لا تتقن إلا لغة المغلوب على أمره، وتلعب بصورة رائعة دور الضحية. وبالتالي فإسرائيل وبغض النظر عن السقف العالي لتصريحات نتنياهو الذي يريد إعطاء المجتمع اليهودي ما ليس بحوزته، لا يمكنها أن تكون في موقع المنتصر وحتى ولو قامت بكل أنواع البطش والإبادة الذي يقوم به جيشها في غزة، إذ إن قوة الدولة العبرية هو في العطف والتأييد والتفاف العالم من حولها وذلك بغية حمايتها، وإذا ما حدث عكس ذلك فإن العالم كل العالم سيستفيق ويتخلى عنها.
إسرائيل سيطرة كاملة على الأجواء وعجز عن الحماية
لقد برهنت الحرب أن الدولة العبرية وسلاحها الجوي الأحدث في المنطقة تستطيع استباحة كامل الأجواء الإيرانية، وهي بالتالي تملك القدرة لقصف ما تشاء ساعة تشاء، ولكن هذه القدرة الهائلة لم تمكن الإسرائيلي من حماية نفسه ومدنه، حتى أن تل أبيب وحيفا وصولاً إلى كافة مناطق الشمال والجنوب كانت هدفاً سهلاً للصواريخ الباليستية والفرط صوتية الإيرانية، وكانت وسائط الدفاع الصاروخية أشبه بتماثيل الحيوانات التي يضعها المزارعون وسط الحقول التي تستطيع إخافة العصافير وإبعادها ولكنها لا تستطيع بالتأكيد من منع وصول الصواريخ إلى أهدافها. وهكذا بعد اثني عشر يوماً من القتال تبين أن إيران يمكن أن تضرب كل نقطة من بنك الأهداف الإسرائيلة، بالمقابل تستطيع إسرائيل ضرب كل الأهداف، طبعاً مع تسجيل الفارق في عدد السكان والمساحة الذي يعطي لإيران أرجحية الصمود. مع تعاظم الخسائر البشرية والمادية كان للولايات المتحدة كلمة الفصل، التي احتفظت لوحدها حق تقرير موعد نهاية الحرب، من خلال وضع سيناريو يعطي لكلا الطرفين دور المنتصر والذي يعتبره الإسرائيلي والإيراني ضرورياً لا بل شرطاً أساسياً لوقف الحرب. طبعاً لقد قال بعض الكتبة الكثير الكثير وذلك بالرغم من رد إيران على الهجوم الأميركي وهذا لعمري كان بمنتهى الشجاعة، إذ إنهم كانوا يريدون رؤية الدماء بصورة أكبر، وهؤلاء ليس فقط لا يتقنون فن تحليل الحروب إنما أيضاً لا يعلمون أن لكل حرب نهاية، وليس بالضرورة أن تنتهي الحرب بهزيمة هذا الطرف أو ذاك كما كان يحصل في حروب العالم القديم، أما في العالم الحديث فنهاية الحرب هو في توقيع المعاهدات، وليس في السبي والسرقة وحرق وتحطيم المقدرات الاقتصادية. وهكذا نرى أن حرب الإثني عشر يوماً اسفرت عن تعادل سلبي بين إسرائيل وإيران ومنتصر واحد هي الولايات المتحدة الأميركية.