<
17 June 2025
كيف تترجم أسواق الطاقة تصاعد الاضطرابات الجيوسياسية؟
تضغط الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل على أسواق الطاقة العالمية، وسط مخاوف متصاعدة من توسع رقعة المواجهة، وفي ظل هذا التصعيد، تتعامل الأسواق مع كل تطور ميداني كعنصر فوري في تسعير النفط، وتزداد الحساسية تجاه أي تهديد قد يطال مضيق هرمز، الذي تمرّ عبره كميات ضخمة من الإمدادات العالمية يومياً.
 
تشير تحركات الأسعار الأخيرة إلى حالة من التذبذب الواضحة، إذ ترتفع العقود الآجلة بفعل التصعيد، ثم تتراجع بسرعة عند بروز إشارات تهدئة أو تدخلات سياسية ثم ما تلبث وترتفع من جديد، في نمط يعكس حجم القلق من أن تتحوّل التطورات العسكرية إلى أزمة طاقة شاملة، في وقت لا تزال فيه الأسواق العالمية تواجه ضغوطاً اقتصادية متعددة، من التضخم إلى اضطراب سلاسل الإمداد.
 
تتجه الأنظار حالياً إلى طبيعة تطور الصراع في المرحلة المقبلة، واحتمالات استهداف منشآت أو ممرات بحرية حيوية، لا سيما وأن أي انزلاق جديد نحو توسع المواجهة المباشرة سيضع استقرار سوق النفط على المحك، ويدفع الحكومات وشركات الطاقة الكبرى لإعادة تقييم استراتيجياتها، تحسباً لأسوأ السيناريوهات المحتملة.
 
تقلبات
عكست أسعار النفط اتجاهها الصاعد اللافت منذ بدء التصعيد الإسرائيلي بنهاية الأسبوع الماضي، لتُنهي تعاملات اليوم الأول في الأسبوع الجديد منخفضة، لتتراجع العقود الآجلة للخام الأميركي بنحو 1.21 دولار، أي بنسبة 1.66 بالمئة لتسجل عند تسوية الاثنين 71.77 دولار للبرميل، كما تراجع خام برنت بدولار واحد، أو بنسبة 1.35 بالمئة ليهبط إلى مستوى 73.23 دولار.  قبل أن تعاود الأسعار الارتفاع في التعاملات المبكرة بعد ذلك بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي دعا فيها إلى إخلاء العاصمة الإيرانية طهران.
 
 
 وكانت أسعار النفط قد ارتفعت بأكثر من 7 بالمئة يوم الجمعة بعد أن شنت إسرائيل موجة من الغارات الجوية وقبل بدء الردود الإيرانية المتتابعة.
 
ومع هذه التقلبات الناتجة عن تأثير الصراع، فإنه "من غير المرجح أن تتجاوز أسعار النفط 80 دولاراً للبرميل"، بحسب التقديرات التي نقلتها شبكة "سي إن بي سي" الأميركية عن شركة ريستاد إنرجي الاستشارية.
 
تستند الشركة في تقديراتها إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ترغب في أن تكون أسعار النفط قريبة من 50 دولارًا للبرميل، ولها مصلحة في احتواء الصراع لمنع ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير.
 
وقال نائب رئيس أسواق السلع الأساسية في ريستاد، جانيف شاه: "نحن نحافظ على وجهة نظرنا بأن هذا من المرجح أن يظل صراعاً قصير الأمد، حيث أن المزيد من التصعيد يهدد بالتحول إلى ما هو خارج سيطرة أصحاب المصلحة الرئيسيين".
 
بينما حذّر محللون آخرون من افتراض أن الصراع سيكون قصير الأمد. وقالت الرئيسة العالمية لاستراتيجية السلع الأساسية في آر بي سي كابيتال ماركتس، هيليما كروفت، إنه قد يستمر لأسبوعين آخرين على الأقل.
 
وأضافت:  "يبدو أن الإسرائيليين يستعدون لصراع أطول (..)إن استمرار الصراع يزيد من احتمال استهداف منشآت تصدير النفط والبنية التحتية في المنطقة".
 
أسوأ الاحتمالات
من جانبه، يقول مستشار أسواق الطاقة، الدكتور مصطفى البزركان، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
 
المواجهة العسكرية الصاروخية بين إيران وإسرائيل تؤثر بشكل مباشر على أسواق الطاقة، لا سيما إذا استمرت وتصاعدت إلى حد تنفيذ إيران تهديدها بإغلاق مضيق هرمز.
 
سينعكس ذلك سلباً على صادرات الدول المجاورة، حيث يمر عبر المضيق نحو 20 مليون برميل يومياً من النفط الخام، إلى جانب ما يقارب 25 بالمئة من استهلاك العالم من الغاز الطبيعي المسال.
 
أما في حال لم يُغلق المضيق واقتصرت الأزمة على انقطاع صادرات النفط الإيراني، فإن التأثير سيكون بالتأكيد أقل حدّة، نظراً لامتلاك منظمة "أوبك" ومجموعة "أوبك+" قدرة إنتاجية إضافية يمكن من خلالها تعويض الأسواق عن غياب النفط الإيراني.
 
إن إغلاق مضيق هرمز يعني تحول المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى صراع إقليمي أوسع، من شأنه أن يدفع القوى الكبرى إلى التدخل المباشر.
ومع تصاعد التوترات، تتزايد مخاوف الأسواق من الدخول في مرحلة عدم يقين طويلة الأمد، قد تعيد رسم خارطة تدفقات الطاقة عالمياً، ذلك أن أي تعطيل مؤقت أو دائم في ممرات الملاحة البحرية، مثل مضيق هرمز، سيكون سبباً في اهتزاز الأسواق، وارتفاع المخاطر التأمينية، واضطراب سلاسل التوريد، الأمر الذي قد يدفع الدول المستوردة لإعادة النظر في سياساتها الاستراتيجية بشأن أمن الطاقة.
 
من ناحية أخرى، فإن استمرار التلويح بإغلاق المضيق أو استهداف منشآت الطاقة الحيوية في المنطقة، يُبقي أسعار النفط والغاز في حالة تذبذب مقلقة، ويزيد من احتمالات لجوء الدول الكبرى إلى استخدام احتياطياتها الاستراتيجية، أو تسريع سياسات تنويع المصادر والاعتماد على الطاقات البديلة. وفي حال توسعت رقعة الاشتباك لتشمل أطرافاً إضافية، فإن الأسواق ستواجه واحدة من أعقد أزماتها منذ عقود، حيث يمتزج فيها البعد العسكري بالاقتصادي في قلب معادلة الطاقة العالمية.
 
وصرّح القائد العسكري البارز وعضو البرلمان الإيراني، إسماعيل كوثري، يوم السبت، بأن إيران تدرس إغلاق مضيق هرمز، والذي يُنقل من خلاله حوالي خُمس نفط العالم في طريقه إلى الأسواق العالمية. وقد يؤدي إغلاق المضيق إلى ارتفاع أسعار النفط إلى ما يزيد عن 100 دولار للبرميل، وفقاً لغولدمان ساكس.
 
لكن تقريراً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، يشير إلى أنه رغم تزايد المخاطر، يبدو أن التجار متشككون في إمكانية حدوث اضطرابات. ويفترضون أنه في حال نجاح الوساطة الدولية في وقف القتال، فقد تنخفض الأسعار بشكل حاد.
 
ونقل التقرير عن كبير محللي أسواق الطاقة في شركة أبحاث السلع الأساسية أرجوس ميديا، بشار الحلبي، قوله: "ما دامت الإمدادات لم تنقطع، فلا أعتقد بأننا سنشهد قفزات ضخمة في أسعار النفط، لأن علاوة المخاطر الجيوسياسية محسوبة بالفعل".
 
ICIS: أسواق الطاقة تتأثر أكثر بتعطل الإمدادات
بينما كتبت رئيسة استراتيجية السلع العالمية في بنك الاستثمار آر بي سي كابيتال ماركتس، هيليما كروفت، في مذكرة للعملاء: "نرى أن خطر انقطاع خطير في الإمدادات يتزايد بشكل كبير في سيناريو الحرب الممتدة".
 
ويعتقد محللو دويتشه بنك بأنه إذا أغلقت إيران المضيق لمدة شهرين، فقد ترتفع الأسعار إلى 124 دولاراً للبرميل. لكن من المرجح أن يُقابل أي جهد لوقف الشحن برد فعل من الولايات المتحدة، التي لديها سفن من الأسطول الخامس متمركزة في البحرين على الخليج العربي، ودول أخرى. ومن شأن إغلاق المضيق أن يلحق الضرر بإيران، التي تصدر معظم نفطها من محطات في جزيرة خرج في الخليج.
 
وتشير تقديرات دويتشه بنك إلى أنه بناءً على الأسعار الحالية، يفترض السوق الآن فقدان بعض صادرات إيران، التي بلغت مؤخراً حوالي 1.5 مليون برميل يوميًا. يذهب معظم هذا النفط إلى الصين، لكن المصافي الصغيرة هناك، وهي العملاء الرئيسيون للنفط الإيراني، ستحتاج إلى إيجاد مصادر أخرى للنفط إذا توقفت هذه التدفقات.
 
أمن الطاقة
خبيرة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، تقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
 
يعود أمن الطاقة مرة أخرى إلى الواجهة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين إسرائيل وإيران، إذ تحوّل الصراع من ملف في الظل إلى نار مواجهة عبر استهداف البنية التحتية، وتحوّل إلى سباق مع الزمن يهدد الإمدادات.
هناك مخاوف في الأسواق العالمية من انزلاق الوضع إلى نقطة تعجز فيها الأسواق عن امتصاص الأزمة، مما يؤدي إلى خلل في عملية التوازن الطاقي، لأن استهداف البنية التحتية من الطرفين يبعث برسائل سلبية بشأن تمركز أسعار النفط حول اللحظة القادمة.
يكمن الخطر الحقيقي في غياب الاستقرار واليقين الاقتصادي حيال الإمدادات، واستعداد الأسواق لردة الفعل المقبلة.
وتضيف: الطلب على الطاقة يتأثر بحجم النشاط الاقتصادي في العالم، وعندما يصبح ملف الطاقة مهدداً، يتوقف النشاط. وهنا تسير أسواق الطاقة بسبب التصعيد على حد السيف، بين حالة ترقب وانفجار محتمل في الأسعار والبنية التحتية.
 
كما توضح خبيرة الاقتصاد والطاقة أن إيران تمثل رقماً فاعلاً في معادلة الطاقة الدولية، والخروج من هذا النص يسبب ألماً لأسواق النفط، خصوصاً في الصين. وعلى كل حال، نحن أمام سيناريو جديد يستهدف مناطق القوة والنفوذ في قطاع الطاقة، كنوع جديد من الصدام الاقتصادي، وتحوّل من الردع العسكري إلى ملف كسر القواعد الكلية، وهو استهداف البنية التحتية للطاقة.
 
ولم تعد الأسواق تتعامل مع التوترات الجيوسياسية كأحداث عابرة، بل باتت تضعها في صميم حسابات العرض والطلب، وخصوصاً حين تكون البنية التحتية للطاقة هي الهدف المباشر. فكل هجوم أو تهديد يُترجم فوراً إلى قفزات في الأسعار، أو إلى تغيّرات في سلوك المستوردين والمستثمرين، ما يجعل السياسة والاقتصاد في حالة اشتباك دائم، لا تُدار فيها الأسواق بالأرقام فقط، بل أيضاً بتوقعات الخطر وأمزجة القادة.
 
وحذّر رئيس المصرف الفيدرالي الألماني يواخيم ناغل الاثنين من مخاطر صدمة نفطية في سياق المواجهة القائمة بين إيران وإسرائيل، داعيا إلى عدم تليين السياسة النقدية في منطقة اليورو، بالرغم من عودة التضخّم إلى مستوى 2 بالمئة.
 
وقال ناغل في خطاب ألقاه في فرانكفورت إن تداعيات الهجمات المتبادلة بين البلدين والتي تصاعدت حدّتها في نهاية الأسبوع "ما زالت غير أكيدة"، في حين قد يتسبّب نزاع مطوّل في "ارتفاع شديد في (أسعار) النفط" و"ينسف توقّعاتنا" في مجال التضخّم والنموّ.
 
تقديرات متفاوتة
ووفق تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية، فإن المخاوف من احتمال إغلاق مضيق هرمز بسبب التوترات الإقليمية مُدرَكة جيداً في قطاع الطاقة العالمي. وقد هدّدت إيران بإغلاق المضيق ردًا على ذلك في الماضي، لذا، ورغم أن هذا السيناريو يبقى مستبعدًا، إلا أنه يُشكّل محور تركيز رئيسيًا لدى مُتداولي سوق النفط.
 
وحتى الآن، يبدو أن نقل النفط لم يتأثر بالنزاع. فقد ارتفع عدد السفن المارة عبر مضيق هرمز بنسبة 5 بالمئة خلال الأسبوع المنتهي يوم الأحد، حيث بلغ عدد السفن المارة 954 سفينة، وفقًا للبيانات الصادرة عن مركز المعلومات البحرية المشترك (JMIC) يوم الاثنين.
 
وذكرت لجنة الاتصالات البحرية المشتركة (JMIC)، التي تُنسق المعلومات من القوات البحرية الدولية، بأن المضيق لا يزال مفتوحاً، لكن التهديد لحركة الملاحة البحرية لا يزال كبيراً. كما أفادت باستمرار تشويش إشارات الاتصالات في "الخليج العربي الأوسع ومضيق هرمز".
 
كما أفادت شركة لويدز ليست إنتليجنس، التي تراقب حركة الملاحة البحرية، بأن عمليات تحميل السفن في الخليج استمرت خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكن الناقلات التي تنتظر التحميل في إيران بقيت على مسافة أكبر من الميناء. وأعلنت هيئة عمليات التجارة البحرية في المملكة المتحدة (UKMTO) يوم الاثنين أنها تلقت تقارير متعددة عن تزايد التداخل الإلكتروني في مياه الخليج ومضيق هرمز.
Skynews