<
23 May 2025
عباس في لبنان: ولّى زمن السلاح!

الأخبار: لا ترتبط أهمية زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبيروت به كشخص عديم الحيلة، بل بما يحمله من مشاريع تساهم في إعادة رسم المنطقة وتزيد الضغط على أي سلاح يُشهر في وجه كيان العدو، إذ إن عبّاس هو نموذج العربي المستسلِم الذي يريد الغرب تعميم تجربته في كل مواقع السلطة في بلاد المنطقة.

 

هي زيارته الثانية للبنان منذ عام 2017، والأولى لرئيس عربي بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون، وتردّد أنها ركّزت على العلاقات الثنائية وواقع المخيمات الأمني والاجتماعي ومنع تحوّلها إلى منصة لأي استغلال من قوى متطرّفة تعمل على توريطها في مواجهات مع محيطها اللبناني، إلى جانب مستقبل القضية الفلسطينية وأزمات المنطقة.

 

لكنّ «أبو مازن» لم يتغيّر، ولم تختلف مقاربته عن السنوات السابقة، على ما تقول إحدى الشخصيات التي صودف حضورها في جولته، مضيفة أن الظروف هي التي تبدّلت، فأتى للتأكيد على سياسته العوراء، مُخرجاً بيروت من رتابة الانتخابات والصدامات ذات الخلفيات الطائفية والمذهبية والاجتماعية.

 

«أيام عباس» في بيروت شهدت لقاءات رسمية وغير رسمية، سياسية وأمنية، شملت رسمياً الرؤساء عون ونبيه بري ونواف سلام، والوزير السابق غازي العريضي ممثّلاً الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الموجود خارج لبنان، كما عقد لقاءات مع قوى سياسية مختلفة، إضافة إلى اجتماعات فلسطينية – فلسطينية.

 

وفي سياق الأجندة الأميركية التي عبّرت عنها صراحة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس خلال زياراتها إلى لبنان في ما يتعلق بالسلاح وحصره في يد الدولة، ركّز رئيس السلطة الفلسطينية مع المسؤولين اللبنانيين على أن «سلاح المخيمات لن يكون خارج سلطة الدولة اللبنانية»، لكنّ تنفيذ العملية، ليسَ على النحو الذي يتصوّره البعض.

 

طلب حصر التنسيق الأمني مع منظمة التحرير التي ستقترح آلية لإدارة المخيمات أمنياً

ووفقَ المصادر أكّد عباس لرئيس الجمهورية أنه «لا يغطي أي سلاح، فقد ولّى زمن السلاح، وهو مع أي آلية تقرّرها الدولة اللبنانية لتسليمه، لكن ليسَ بالقوة»، كما تطرّق إلى موضوع «سلاح منظمة التحرير الفلسطينية التي سيكون دورها في الفترة المقبلة إدارة أمن المخيمات، وهي الوظيفة الوحيدة التي تلتزِم بها، وهو أمر لن يزعج الأميركيين ما دام لا يؤثّر على أمن كيان الاحتلال».

 

وما حاول عباس التوصل إليه هو «اعتراف لبناني رسمي بسلاح منظمة التحرير كممثّل رسمي للمخيمات والجهة الممثّلة للفلسطينيين في لبنان، وكمسؤول عن أمن المخيمات حتى لا يكون الجيش اللبناني في الواجهة، خصوصاً أن التناقضات بين الفصائل كبيرة وقد تنتج من ذلك توترات».

 

وانطلقت المباحثات من فكرة أساسية هي أن «المخيمات لا تحتوي على سلاح ثقيل»، وأن السلاح الذي يُمكن استخدامه «لزعزعة أمن المنطقة» يتواجد خارج نطاق المخيمات ويجري تسليمه حالياً للجيش اللبناني. وقال عباس إنه لن يكون هناك فلسطيني قادر على منع السلطات اللبنانية من مصادرة أي سلاح خارج المخيمات، ثقيلاً كان أو خفيفاً. لكنه تحدّث عن ضرورة إيجاد آلية لمعالجة ملف الأسلحة الخفيفة داخل المخيمات، بما يشمل أيضاً تجريد أي فصيل من أي سلاح ثقيل موجود داخلها.

 

وبحسب المقترح الذي يحمله عباس، يُفترض أن تتعاون السلطات اللبنانية مع السلطة الفلسطينية لإبلاغ جميع الفلسطينيين في لبنان بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الجهة الوحيدة التي يحق لها إدارة الأمن داخل المخيمات، ما يتطلب وقف أي تنسيق بين الأجهزة الأمنية اللبنانية وأي فصيل فلسطيني آخر.

 

على أن تعمد منظمة التحرير إلى عرض آلية لتنظيم السلاح داخل المخيمات، وفق برنامج يتيح قيام جهاز أمني يتولى أمن المخيمات، وينسّق مع السلطات اللبنانية، مع تعهّد بـ «تنظيف» المخيمات من جميع المطلوبين للسلطات اللبنانية، سواء بسبب قضايا الإرهاب أو بجرائم جنائية، مع مكافحة تجارة المخدّرات.

 

أما النقطة الثانية التي تناولها الرئيس الفلسطيني مع الرؤساء فهي «تثبيت حقوق الفلسطينيين والتخفيف من الضغوط عليهم»، وهو كلام قرأ فيه البعض مدخلاً إلى التوطين لاحقاً، خصوصاً في ظل حكومة يمينية إسرائيلية متطرّفة انتقلت من إدارة الصراع إلى حسمه، وتعمل على تصفية القضية الفلسطينية، وتصرّ على أن يُصبِح أهل غزة والضفة وأراضي الـ 48 خارج فلسطين برمّتها، فكيف سيكون الوضع المرتبط بالفلسطينيين في بلاد الشتات، ورغمَ ما يشكّله ذلك من تهديد على الداخل اللبناني، لم يظهر في زيارة عباس ما يبدّد الهواجس الحاضرة، بل اعتبر البعض أن كلامه عن الحقوق يفتح زاوية لنقاش آخر.

 

زيارة عباس جاءت بعد نحو 3 أسابيع من تحذير لبنان حركة «حماس» من «استخدام أراضيه للقيام بأي أعمال تمسّ بالأمن القومي اللبناني» وتلويحه باتخاذ «أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حدّ نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية»، وذلك على خلفية تورُّط الحركة بإطلاق صواريخ على دفعتين من الجنوب على شمال إسرائيل أواخر آذار.

 

وإذ شدّد عون وعباس على «تعزيز التنسيق بين السلطات الرسمية، اللبنانية والفلسطينية، لضمان الاستقرار داخل المخيمات الفلسطينية ومحيطها»، أكّد الجانب الفلسطيني «التزامه بعدم استخدام الأراضي اللبنانية كمنطلق لأي عمليات عسكرية، واحترام سياسة لبنان المعلَنة والمتمثّلة بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والابتعاد عن الصراعات الإقليمية».

الأخبار