في خطوة يُنظر إليها على أنها قد تمثل نقطة تحول في مسار الاقتصاد السوري بعد سنوات من العقوبات، تتجه الأنظار نحو عودة البلاد المرتقبة إلى نظام التحويلات المالية العالمي "سويفت".
فبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة وصفها بأنها تهدف إلى "منح سوريا فرصة للازدهار "، يبرز التساؤل فيما إذا ستؤدي عودة سوريا إلى نظام "سويفت" لفتح الباب بالفعل أمام طفرة استثمارية طال انتظارها؟ وهل ستكون هذه العودة بمثابة المفتاح لجذب رؤوس الأموال وتنشيط المشاريع في مختلف القطاعات؟
والأهم من ذلك، ما هي المكاسب الاقتصادية الملموسة التي يمكن لسوريا أن تجنيها من الانضمام مجدداً إلى هذا النظام المالي العالمي؟ هل سيقتصر الأمر على تسهيل التحويلات المالية، أم سيمتد ليشمل جوانب أخرى مثل تعزيز التجارة الخارجية واستعادة الثقة في النظام المصرفي؟
وتأتي أهمية عودة سوريا إلى نظام "سويفت" في كون هذا النظام بمثابة الشريان الحيوي للتحويلات المالية الدولية، حيث يربط آلاف البنوك والمؤسسات المالية حول العالم. وبدون الوصول إلى هذه الشبكة، تصبح العمليات التجارية والمالية مع العالم الخارجي أكثر تعقيداً وتكلفة، مما يعيق حركة الاستيراد والتصدير ويقلل من جاذبية السوق السورية للمستثمرين الأجانب، بحسب خبراء أكدوا في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن استعادة هذا الربط من شأنه أن يسهل بشكل كبير تدفق الأموال وإتمام الصفقات التجارية، وهو ما يعتبر عاملاً حاسماً في تهيئة بيئة استثمارية مواتية.
علاوة على ذلك، يوضح الخبراء أن الانضمام مجدداً إلى "سويفت" يحمل دلالات رمزية تتجاوز الجانب التقني للتحويلات المالية. فهو يمثل خطوة نحو إعادة دمج سوريا في المجتمع المالي الدولي، وإزالة بعض المخاوف التي كانت لدى المستثمرين والبنوك العالمية من التعامل مع الكيانات السورية بسبب العقوبات. هذه الإشارة الإيجابية قد تشجع الشركات والمؤسسات الدولية على إعادة تقييم فرص الاستثمار في سوريا، خاصة في ظل الحاجة الملحة لإعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية.
ويؤكد الخبراء أن تسهيل التحويلات المالية عبر "سويفت" سيؤثر بشكل مباشر على قدرة الشركات السورية على استيراد المواد الخام والآلات اللازمة للإنتاج، وكذلك على تصدير المنتجات السورية إلى الأسواق العالمية. هذا النشاط التجاري المتزايد من شأنه أن يخلق فرص عمل جديدة ويساهم في تحريك عجلة الاقتصاد.
فما هو نظام سويفت؟
نظام "سويفت" هو نظام مالي عالمي يسمح بانتقال سلس وسريع للمال عبر الحدود. وكلمة سويفت - SWIFT - هي اختصار لـ "جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك"، وقد أنشئ هذا النظام عام 1973 ومركز هذه الجمعية بلجيكا، ويربط نظام سويفت 11 ألف بنك ومؤسسة في أكثر من 200 دولة.
فهو نظام مراسلة فوري يخبر المستخدمين بموعد إرسال المدفوعات وتسلمها. ويرسل هذا النظام أكثر من 40 مليون رسالة يومية، إذ يتم تداول تريليونات الدولارات بين الشركات والحكومات. وقد أنشئ هذا النظام من قبل بنوك أميركية وأوروبية، والشبكة الآن مملوكة بشكل مشترك لأكثر من 2000 بنك ومؤسسة مالية. ويشرف عليها البنك الوطني البلجيكي، بالشراكة مع البنوك المركزية الكبرى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا.
وبإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، ستنتهي سنوات من العقوبات والحصار الذي فرض على الاقتصاد السوري، حيث كانت الولايات المتحدة فرضت العديد من العقوبات على سوريا منذ عام 1979 عندما تم تصنيفها كدولة راعية للإرهاب، كما فرضت عقوبات إضافية على البلاد في عام 2004 ومرة أخرى في عام 2011، بعد أن شن نظام الرئيس بشار الأسد الذي سقط في الثامن من ديسمبر الماضي، حملة قمع وحشية ضد الانتفاضات المناهضة للحكومة"، بحسب شبكة "سي إن بي سي" الأميركية. وقد شملت العقوبات قطاعات النفط والبنوك وقيوداً على مسؤولين سابقين إضافة إلى "قانون قيصر".
وأصدرت الولايات المتحدة في يناير الماضي إعفاء لمدة ستة أشهر من بعض العقوبات لتشجيع المساعدات لكن تأثير هذا الإجراء كان محدوداً، بحسب رويترز، التي كانت قد ذكرت أخيراً بأن واشنطن ستمدد هذا التعليق لمدة عامين إذا جرت تلبية جميع المطالب الأميركية وربما تصدر إعفاء آخر.
خطوة تاريخية لإعادة اندماج الاقتصاد السوري بالنظام المالي العالمي
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" اعتبر الخبير الاقتصادي السوري، الدكتور عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي، عودة انضمام سوريا إلى نظام "سويفت" المالي الدولي خطوة تاريخية للبدء بمرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي وإعادة اندماج الاقتصاد السوري بالنظام المالي العالمي. فقد عانت المؤسسات المالية والتجارية السورية خلال سنوات الانقطاع من صعوبات بالغة في إتمام التحويلات المصرفية الدولية، ما أدى إلى تعقيد عمليات الاستيراد والتصدير وتقليص حجم التجارة الخارجية بشكل حاد".
ومع العودة إلى "سويفت"، ستتمكن المصارف السورية من إجراء التحويلات المالية بشكل مباشر وشفاف وبتكلفة أقل بكثير من الآليات البديلة التي اضطرت سوريا للاعتماد عليها سابقاً، ما يعزز من كفاءة العمليات المالية ويقلل من المخاطر المرتبطة بالوساطة غير الرسمية، بحسب تعبيره.
سوريا تتحرر من 2879 قيداً... ترامب يُعلن رفع العقوبات
وأكد الدكتور المصبح أن مصرف سوريا المركزي سيستعيد دوره كمنظم رئيسي للسيولة النقدية وإدارة احتياطيات النقد الأجنبي بكفاءة أكبر، وهو ما سينعكس إيجاباً على استقرار أسعار الصرف في السوق الموازية مع زيادة إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية العالمية. كما ستتراجع تكاليف الوساطة المالية التي أثقلت كاهل الاقتصاد السوري، الأمر الذي سيساعد في تحسين بيئة الأعمال وتسهيل حركة رؤوس الأموال.
تحديات هيكلية عميقة
وعلى الرغم من أن عودة سوريا إلى نظام "سويفت" تمثل مؤشراً إيجابياً، فإن الانتعاش الاستثماري الكامل يتطلب أكثر من مجرد استئناف التحويلات المصرفية. فإعادة الإدماج المالي تُعد خطوة أولى حاسمة نحو استقطاب الاستثمارات، لكنها ليست كافية بمفردها، وفقاً للدكتور المصبح، الذي أوضح أنه يمكن توقع تدفقات استثمارية أولية في قطاعات حيوية مثل إعادة الإعمار والبنية التحتية والطاقة، خاصة من الدول الحليفة لسوريا والشركات التي كانت متحفظة بسبب مخاوف العقوبات.
وأضاف الخبير الاقتصادي الدكتور المصبح: "كما ستفتح هذه الخطوة المجال أمام تحويلات المغتربين السوريين التي تشكل رافداً مهماً للاقتصاد، حيث يُتوقع أن ترتفع قيمتها بشكل كبير مع تيسير قنوات التحويل الرسمية عبر النظام المصرفي".
ومع ذلك، تواجه سوريا تحديات هيكلية عميقة تتجاوز مسألة العقوبات، مثل البنية التحتية المدمرة، والفساد المستشري، وضعف البيئة القانونية، وانهيار القطاع الإنتاجي. هذه العوائق تمثل تحديات جوهرية أمام الانتعاش الاقتصادي الشامل، وسيظل جذب استثمارات أجنبية كبيرة مرهوناً بإجراء إصلاحات مؤسسية عميقة وإعادة بناء الثقة في النظام المالي والمصرفي السوري، بما يؤسس لاقتصاد أكثر انفتاحاً وشفافية وتنافسية، طبقاً لما قاله الخبير الاقتصادي، الدكتور المصبح.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي والصناعي السوري محمد الشاعر في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" "إن مجرد رفع العقوبات المفروضة على سوريا يشكّل خطوة محورية يمكن أن تُحدث تحولاً كبيراً في المشهد الاستثماري، إذ إنها ترسل إشارات إيجابية متعددة إلى المستثمرين، في مقدمتها عودة الاستقرار الأمني، وتَبدّي بوادر استقرار أو انفتاح سياسي. هذه المؤشرات مجتمعة تُعدّ من العوامل الأساسية التي يضعها المستثمرون في الحسبان عند اتخاذ قراراتهم، وبالتالي فإن مناخاً أكثر أماناً وتوقعاً من الناحية السياسية سيشكّل أرضية خصبة لجذب استثمارات كبيرة ومتنوعة."
وأوضح الشاعر أن نظام "سويفت" هو شبكة مراسلات مالية دولية تُستخدم من قبل البنوك والمؤسسات المالية حول العالم لتبادل التعليمات المتعلقة بالتحويلات والاعتمادات وغيرها من العمليات المالية بطريقة آمنة وسريعة. وأشار إلى أن المشكلة لا تكمن في التقنية ذاتها، بل في القيود المفروضة على الأطراف المتعاملة ضمن هذا النظام.
وأضاف الشاعر: "التحويلات عبر سويفت تتم عادة بين بنك مُرسل وبنك مُستقبل، وبينهما، وفي الحالة السورية، فإن البنوك الوسيطة في الخارج قاطعت التعامل مع البنوك السورية بسبب العقوبات المفروضة، ما أدى إلى توقف شبه تام في حركة التحويلات المالية الدولية."
وتابع: "عند رفع العقوبات، تزول المخاوف القانونية والمالية التي تمنع البنوك المراسلة من تقديم خدماتها للمصارف السورية، ما يمكّن هذه البنوك من استعادة قدرتها على إجراء التحويلات وفتح الاعتمادات المصرفية، وبالتالي تنشيط التبادل التجاري وجذب التمويل الخارجي، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي."
المكاسب الاقتصادية لانضمام سوريا إلى "سويفت"
بدوره، قال الخبير المصرفي السوري، عامر شهدا، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن ربط مصرف سوريا المركزي بنظام "سويفت" لا يتعلق بالاستثمار بشكل مباشر، بل يُسهم بشكل أساسي في تسهيل تدفقات الأموال المحوّلة إلى سوريا، سواء كانت ناجمة عن عمليات تصدير أو تحويلات مالية من الخارج. فوظيفة نظام سويفت هي تمكين عمليات المقاصة المالية بين المصارف، لسداد قيمة المستوردات وتسلّم عائدات الصادرات، إلى جانب استقبال مختلف أنواع الحوالات القادمة من الخارج."
8100 ليرة سورية للدولار في السوق الموازية
وأوضح شهدا أن انضمام سوريا مجدداً إلى شبكة "سويفت" يُعد خطوة مهمة نحو إعادة دمج المصارف السورية في النظام المصرفي العالمي، إذ يمكّنها من إبرام اتفاقيات مدفوعات ثنائية مع البنوك الدولية، ويُعيد تنشيط العلاقات المصرفية التي انقطعت بفعل العقوبات. وأضاف: "من خلال سويفت، يمكن للمصارف السورية إجراء تحويلات مالية مباشرة، ما يسهّل بشكل كبير تنفيذ العقود الخارجية، سواء تلك الخاصة باستيراد المواد الأولية والآلات، أو الخدمات التي تحتاجها الدولة. وهذا بدوره يشجّع المستثمرين على العودة للاستثمار في سوريا".
وأشار شهدا إلى أن أحد أهم المكاسب الاقتصادية لانضمام سوريا إلى سويفت هو تعزيز قدرة مصرف سوريا المركزي على مراقبة الكتلة النقدية من القطع الأجنبي الواردة إلى البلاد. فمع تفعيل التحويلات عبر المصارف، تنتقل مهمة استقبال الأموال من شركات التحويل الخاصة إلى المصارف الرسمية، ما يسمح بإيداع هذه الأموال إما في حسابات العملاء أو في حسابات المركزي مباشرة، ويُعيد للدولة دورها الطبيعي في تنظيم سوق القطع الأجنبي.
ورغم أهمية هذه الخطوة، حذّر شهدا من عقبات هيكلية تواجه القطاع المصرفي السوري، قائلاً: "خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، لم يتعامل الكادر المصرفي السوري مع ملفات الاعتمادات المستندية، ولا مع العلاقات المصرفية الخارجية. وهذا يخلق فجوة كبيرة في الخبرات المطلوبة لإعادة تفعيل التعاملات الدولية."
وختم الخبير المصرفي شهدا بالتأكيد على الحاجة لإصلاحات داخلية موازية، موضحاً: "يتطلب الواقع الحالي إعادة تأهيل الكوادر المصرفية وتأسيس مجلس نقد وتسليف يضم كفاءات مصرفية عالية، قادرة على توجيه المصارف بشكل صحيح، بما يضمن تنفيذ السياسة النقدية بكفاءة، والاستفادة القصوى من العودة إلى نظام سويفت".