لينا فخر الدين-
تحوّلت الانتخابات البلدية في مدينة طرابلس إلى حفلة تعطّش للسلطة، يبدو الجميع مشاركاً فيها، مع بلوغ عدد المرشحين لملء 24 مقعداً بلدياً، 218 مرشحاً، في سابقة غير معهودة في عاصمة الشمال. وفيما يخوض بعضهم الانتخابات منفردين، أسفرت الترشيحات عن ست لوائح (بعضها غير مكتمل).
ورغم هذا الازدحام، لاحظ مراقبون إضافةً إلى عدم الوضوح في الملف الإنمائي، غياب العناوين السياسية عن المعركة الانتخابية، الأمر الذي يؤشر إلى عدم انسحاب تحالفات الانتخابات البلدية، على الانتخابات النيابية المقبلة. ويُشار، في هذا الإطار، إلى أن أسباب الخلافات السياسية التقليدية بين القوى والشخصيات السياسية في المدينة، قد انتفت بعد تطورات الأشهر الماضية في لبنان والمنطقة.
وقد بات الجميع في «الحضن السعودي»، ليختصر تحالف النواب: أشرف ريفي وفيصل كرامي وطه ناجي (جمعية المشاريع الخيريّة الإسلاميّة) وكريم كبارة، التغيّرات السياسية في الشارع الطرابلسي. وفي المقابل، لا يظهر على اللوائح المضادة، وبينها لائحة يدعمها النائب إيهاب مطر، أي «بصمات سعودية»، ما يُدلّل على عدم تدخل المملكة في المعركة الطرابلسية. وما يزيد الطين بلّة؛ ضعف الانسجام بين المرشحين على اللائحة الواحدة، ولا سيما في الخيارات السياسية والرؤى الإنمائية.
«موزاييك» مجلس بلدي
كثرة اللوائح والمرشحين، عدا التركيبة الهجينة، ستؤدي حتماً إلى ضعف إقبال الناخبين (من المتوقع ألّا يقترع أكثر من 25% من الناخبين، أي نحو 60 ألف مقترع). ويبدو ذلك واضحاً من الآن، في برودة تعامل النّاخبين مع المرشحين، وغياب المكاتب والمهرجانات الانتخابية، واقتصار الحملات الانتخابية على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما ستنتج كثرة اللوائح، نقصاً في تمثيل جميع المُكوّنات الطرابلسيّة، وتحديداً المسيحيين والعلويين، في ظلّ غيابهم عن الترشيحات (تسعة مسيحيين فقط انسحب منهم خمسة).
ومن المتوقّع أن تنخفض مشاركتهم في عملية الاقتراع، إلى ما دون النسب المعتادة. كما ستكون هناك مظاهر تدل على الإرباك، مثل عمليّات التشطيب الواسعة، ولا سيما مع اختلاط الطابع السياسي بالعائلي في المدينة، ما سيُنتج «موزاييك» داخل المجلس البلدي، من دون تفاهمٍ أو انسجام في ما بينهم. وقد يُهدّد ذلك بإطاحة المجلس الذي ستفرزه صناديق الاقتراع.
في العلن، شُكّلت اللوائح في إطار سياسي أو إيديولوجي. لكن، عملياً، يتداخل الطابع السياسي بالعائلي والديني والخدماتي، حتّى بات يُحكى عن «شوربة» لوائح بأهواء وانتماءات مختلفة، فيما تغيب الماكينات الانتخابية الفاعلة القادرة على «التحشيد»، كما لا تظهر الأموال الانتخابية بشكل جدّي، إذ إن غالبية النواب والشخصيات السياسية ترغب بالمُشاركة عبر الدعم المعنوي، من دون أن تتكلّف مادياً، أو حتى تتحمّل أعباء تشغيل ماكيناتها الانتخابية، فيما وجد البعض في الانتخابات البلدية فرصة لاختبار ماكيناتهم و«تزييتها» استعداداً للانتخابات النيابية.
ويجري الحديث في المدينة عن ماكينات إعلامية تتشابه في عمليات التصوير والمونتاج ونشر الأخبار المُزيّفة، مع ماكينات بعض التنظيمات المُسلّحة السورية. ويربط البعض ذلك بماكينات للوائح تُحسب على «الإخوان المسلمين» وجماعات سلفية مقرّبة من تركيا. ويلفت متابعون إلى أن هذه الماكينات تعمد إلى «الرشق» على أعضاء من الجو الإسلامي، فيما يؤكّد آخرون عدم وجود ماكينات فعليّة، باستثناء ماكينة «المشاريع»، وماكينة مطر، الذي يُريد للمعركة البلدية مدخلاً للانتخابات النيابية.
في المقابل، يُعلن الرئيس نجيب ميقاتي أنه على الحياد؛ فلا يتدخّل في تشكيل اللوائح، ولا يُعلن دعم أيّ منها. وإن كان البعض يتحدّث عن مرشحين على مختلف اللوائح محسوبين عليه. وكما يغيب ميقاتي، كذلك يغيب الأمنيون، على اعتبار أن الانتخابات البلدية كانت تُخاض تقليدياً بدعم من بعض الشخصيات الأمنية، التي تبدو بعيدة عن المشهد حالياً. وهو ما تبدّى في حملات قمع المخالفات، التي بدأت قبل أسابيع قليلة.
لوائح السياسيين والعائلات
يُمكن القول إن غالبية اللوائح سيأكل بعضُها من صحن بعض، على أن تتركّز المنافسة بين ثلاث لوائح أساسيّة، هي:
- لائحة «رؤية طرابلس»، برئاسة عبد الحميد كريمة، ويدعمها النواب الأربعة. (كرامي، ريفي، ناجي وكبارة).
- لائحة «نسيج طرابلس»، برئاسة وائل إزمرلي، ويدعمها النائب مطر و«حركة عمران» المحسوبة على الجو الإسلامي.
- لائحة «حراس المدينة» برئاسة خالد تدمري، ويدعمها (من تحت الطاولة) الجماعة الإسلامية و«هيئة الإسعاف الشعبي» وبعض المجموعات الإسلامية القريبة من تركيا.
وتُعد هذه اللوائح الأبرز داخل الشارع الطرابلسي، وتمتلك ماكينات انتخابية، تُمكّنها من تحريك بلوكات انتخابية، مع العلم أن «نسيج طرابلس» و«حراس المدينة» تتشاركان الجمهور نفسه، ما سيُعزّز التشطيب بينهما.
ويُتوقع أن تصبّ العائلات الطرابلسية، كما بعض الحركات الإسلامية وجمعيات المجتمع المدني والمستقلين في صالح اللوائح الأخرى، وهي:
- لائحة «الفيحاء»، برئاسة سامر دبليز، وهي غير مكتملة (15 عضواً من أصل 24)، وتدعمها جمعيات المجتمع المدني.
- لائحة «طرابلس عاصمة» برئاسة أحمد ذوق، وما يفرقها عن بقية اللوائح، هو الحركة اللافتة التي تقوم بها، حماة رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، جمانة تدمر الشهال، علماً أن لا صلة بين الحزب واللائحة.
- لائحة «سوا لإنقاذ طرابلس»، برئاسة محمد مجذوب.
الميناء: معركة طاحنة على الزعامة المسيحيّة
تنسحب التحالفات الانتخابية في مدينة طرابلس على «جارتها»، بلدة الميناء، حيث يدعم النائب إيهاب مطر لائحة «الميناء أولاً» برئاسة فادي السيد، في مواجهة النواب فيصل كرامي وأشرف ريفي وكريم كبارة وطه ناجي، الذين يدعمون لائحة «الميناء أحلى» برئاسة عبدالله كبّارة. وتتنافس معهما لائحة «روح الميناء» برئاسة عامر حدّاد، مع الإشارة إلى أنها غير مكتملة بعد انسحاب عدد أعضائها، وغير مدعومة من أي طرف سياسي.
ورغم أن المجلس البلدي مكوّن من غالبيّة مسلمة (نحو 15 عضواً من أصل 21)، إلّا أن معركة طاحنة تجري بين الشخصيات المسيحية، على النفوذ والزعامة المحلية، بعيداً من الأحزاب السياسية. وستُشكّل نتائجها مؤشراً إلى أحجام كل منها، ولا سيما المحسوبين على التيار الوطني الحر والمستقلّين، تمهيداً للسباق النيابي المقبل على المقعدين الماروني والأرثوذكسي.
وفيما تغيب «القوات اللبنانية» عن المواقف العلنية، يشير البعض إلى إمكانيّة أن يدعم مسؤولوها بشير دمج، المرشّح على لائحة السيّد، المدعومة من رجل الأعمال روبير أيوب، المقرّب من «القوات»، علماً أن رموز تيارَي «الوطني الحر» و«المردة»، ليسوا بعيدين عن اللائحة أيضاً.
وعلى عكس طرابلس، يبرز المال الانتخابي في أزقّة الميناء، على اعتبار أن الكباش المحموم يجري بين مجموعة من رجال الأعمال الذين يدعم كلّ واحد منهم لائحة، وأبرزهم أيوب وسمير الرّطل، والمرشح السابق للتيار الوطني الحر إلى الانتخابات النيابية، ألفرد دورة. ويقف في وجههم رجل الأعمال إيلي واكيم (صهر النائب السابق إسطفان الدويهي)، الداعم الأول للائحة كبارة.
وخلافاً لـ«الفيحاء» أيضاً، أدّى صراع الرؤوس المسيحية الحامية إلى فتح «حنفيّة» الأموال على مصراعيها. ويتناقل أهالي الميناء روايات عن دفع مبالغ خيالية مقابل التأييد. ويروي أحدهم حصول أحد أصحاب الدكاكين على مبلغ مالي مقابل عدم رفع صور انتخابيّة، فيما قام أحد العرّابين بتركيب ألواح الطاقة الشمسية لتوزيع الكهرباء مجاناً على الأحياء المسيحية. ووصل الأمر إلى حدّ دفع أموال مقابل انسحاب أعضاء من لائحة، وانضمامهم إلى أُخرى!
المعارك النيابية تُظلّل انتخابات بلديات الضنية
تطغى المعارك العائلية على الانتخابات البلدية في قضاء الضنية. ففي الأصل، تخشى الأحزاب السياسية خوض المعارك جهاراً في ريف الشمال، حيث الخلافات ضمن العائلة الواحدة أو الصراع التقليدي بين عائلتين، تتقدّم على السياسة.
ومع ذلك، فإن لبعض القرى والبلدات رمزيتها السياسية، وأبرزها بخعون، مسقط رأس نائبَي القضاء: جهاد وعبد العزيز الصّمد، اللذين يدعم كلّ واحد منهما لائحة. وتبدو معركة الأحد بالنسبة إلى النائب جهاد عبد الصمد مختلفة، عن المعارك السياسية التي لم يخسرها منذ عام 1998، عندما واجه تحالفاً بين النائب عبد العزيز الصمد والنائب السابق قاسم عبد العزيز وفق ما يقول عدد من أهالي البلدة. وستُحدد نتائج الانتخابات حجم النفوذ السياسي لكلّ منهم، تمهيداً لمعركتهم النيابية.
كذلك، يخوض النائب السابق أحمد فتفت في سير الضنية، معركةً لاسترداد البلدية التي خسرها في الدورتين الماضيتين، في وجه منافسه أحمد علم الدين، في عزّ نفوذ تيار المستقبل، على أن يستتبعها أيضاً بمعركة لاسترجاع مقعده النيابي.
ويدعم فتفت، ونجله سامي، النائب السابق أيضاً، لائحة «نبض سير» برئاسة سامر دياب هوشر، فيما تدعم العائلات لائحة «سير أوّلاً» برئاسة مصطفى درباس، بينما يتردّد عن تلقّي اللائحة دعماً غير مباشر من الرئيس الحالي أحمد علم. وكانت المفاوضات بين الطرفين قد استمرّت أشهراً، من دون أن تنجح في التوافق على لائحة مُوحّدة.
كما يتنافس على رئاسة بلدية السفيرة، المرشح براء هرموش، نجل القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، أسعد هرموش، وقريبه بلال درويش، الذي سبق أن ترشّح على لائحة النائب أشرف ريفي وتحالف مع «القوات اللبنانية».
أمّا كفرحبو، التي تُعدُّ البلدة الأكبر مسيحياً في الضنية، فتخوض العائلات ومن خلفها الأحزاب المسيحية، معركة طاحنة يطغى عليها الطابع العائلي، في ظلّ تنافس تاريخي بين آل صوّان وآل بيطار. وتشبه كفرحبو المعركة العائليّة الدائرة في حقل العزيمة، التي فازت ببلديتها في عام 2016 «القوات اللبنانية».
كباش الخير - علم الدين يطغى على بلديات المنية
تكتّلت العديد من الشخصيات السياسية في قضاء المنية، على رأسها النائب عثمان علم الدين ورئيس «المركز الوطني في الشمال» كمال الخير، في وجه النائب أحمد الخير، ليطبع هذا الكباش عناوين المعارك البلدية في العديد من بلدات القضاء، ولا سيما مدينة المنية، حيث يدعم كلّ طرف لائحة، بينما يقف النائب السابق كاظم الخير على الحياد.
وتهدف هذه المعركة إلى تثبيت مرجعيّة كلّ طرف في القضاء، تمهيداً لخوض الانتخابات النيابيّة المقبلة، فيما يغيب تيار المستقبل عن المعركة الواقعة بين «أبنائه».
في المقابل، تطغى المعارك العائلية المحمومة على البداوي وبحنين ودير عمار وبرج اليهودية.