<
23 August 2023
خاص - قضية هانيبال القذافي في الواجهة: ليبيا تسأل عنه بعد 8 سنوات وهذه هي المعطيات الهامة التي تدفع القاضي حمادة لاستمرار توقيفه!

لارا الهاشم -

منذ توقيفه في ال2015، لم تتحرّك السلطات الليبيّة للسؤال عن مصير هانيبال معمر القذافي الموقوف في لبنان بموجب مذكرة توقيف وجاهية في قضية تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. إلى أن وصل كتابان من ليبيا بحسب القنوات الرسمية إلى القضاء اللبناني للمرة الأولى بعد ثماني سنوات، في إطار التعاون القضائي بين البلدين.

في معلومات tayyar.org أنه يوم الخميس الماضي في 17 آب، وصل إلى قلم المحقق العدلي في قضية الإمام الصدر ورفيقيه القاضي زاهر حمادة، كتابٌ من وزيرة العدل الليبية حليمة عبد الرّحمن مؤرّخ في تموز ال 2023، تؤكد فيه استعداد بلادِها طرحَ ملف القذافي على طاولة المفاوضات، وأنَّ ليبيا تتطلّع لأي نوع من أنواع التعاون قانونياً وقضائيّاً. وعلَيه يستعد القاضي حمادة للرد على طلب المساعدة القضائية، في موازاة تأكيد مصادر قضائية أخرى أن كتاباً مماثلاً وصل أيضاً إلى القضاء اللبناني قبل أيام لكن من قبل النائب العام اللّيبي المستشار صديق الصور بتاريخ 30 تموز ال 2023.

وفي المعلومات القضائية أن النائب العام الليبي وجه رسالة إلى كلٍّ من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ورئيس المجلس العدلي القاضي سهيل عبود والمحقق العدلي في قضية الصدر القاضي زاهر حمادة. في الكتاب طلب الصور "الإفراج عن هانيبال القذافي، نجل الزعيم الليبي، حالته تتطلب عناية طبية خاصة"، كما طلب تسليم القذافي إلى ليبيا وفق الاجراءات المقرّرة في التشريعات الجزائية اللبنانية أو تمكينه من المغادرة إلى بلد اللجوء". وعرَض النائب العام في رسالته "التعاون المشترك في قضية اختفاء الإمام الصدر وتتضمن الرسالة طلب "إنابة النيابة العامة الليبية في مسألة سماع أقوال هانيبال القذافي، ومناقشته في المعلومات التي أدلى بها، والوقوف على المعلومات التي كتمها ثم موافاة الجهات اللبنانية بالنتائج فور إنجاز الإجراءات، وأشار النائب العام إلى أن قواعد قانون الإجراءات الجنائية الليبي يحظّر تسليم الليبي الذي اتهم في الخارج بارتكاب جناية أو جنحة".

وفي ضوء الإستنابتين اللتين تطالبان بالتعاون في قضية القذافي مع استبعاد التعاون لكشف مصير الإمام الصدر ورفيقيه، تتركز الأنظار على رد القاضي حمادة على الكتاب الذي وصله بشكل رسميٍّ من وزيرة العدل، مع الإشارة إلى أن رسالة المستشار الصور لم ترِده بعد.
وهنا تسأل مصادر مطّلعة لماذا لم تنفّذ السلطات الليبية مذكرة التعاون المشترك التي وقعت عليها مع لبنان في ال 2013في قضية الإمام الصدر؟ مع العلم أن ذلك أتى على عكس ما فعله المعنيّون في لبنان عندما تبلّغ القضاء بعد سقوط نظام القذافي بواسطة رئيس المجلس الوطني الإنتقالي الليبي، العثور على جثة غير متحلّلة موضوعة في برّاد من الممكن أن تكون للإمام الصدر. وعلى الأثر توجّهت لجنة المتابعة اللبنانيّة إلى ليبيا ومعها الطبيب الشرعي فؤاد أيوب الذي أخذ مقاييس الجثمان لمقارنتها مع مقاييس الإمام الصدر. ولقطع الشك باليقين سُحبت عينات لإجراء فحوص الحمض النووي إذ أبدت عائلة الإمام تعاوناً كبيراً وفورياً، وقد تم إرسال العيّنات إلى مختبر محايدٍ في ساراييفو لكن سرعان ما أظهرت التحاليل نتائج سلبية. أمّا ما تبيّن للجانب الليبي لاحقاً أنّ الجثة تعود إلى وزير ليبيٍّ في عهد القذافي هو منصور الكيخيا الذي اختطفته المخابرات الليبية من مصر بعد خلافه مع معمّر القذافي، ما كاد أن يؤدّي إلى قطع العلاقات بين مصر وليبيا. يومها هدّد الرئيس المصري حسني مبارك بتحريك جيشه إثر عملية الإختطاف التي حصلت على أرض دولته، فهدّده القذافي في المقابل بطرد العمّال المصريين من ليبيا، وللمفارقة فانّ القذافي الأب كان ينكر اختطافه للكيخيا فيما تبيّن أن هانيبال كان على علم بقصّة الجثّة.

لكنّ الأهم قضائيّاً هي الدوافع التي أبقت على نجل الزعيم الليبي موقوفاً لثماني سنوات على الرغم من أنه لم يكن قد تجاوز الثلاثة أعوام من العمر عند اختطاف الإمام الصدر ورفيقيه. وهنا تشير المعلومات إلى أنّ اعترافات القذافي الإبن أظهرت أنه خزّانُ معلومات بفضل مراكز المسؤولية التي شغلها وأنَّ تعاونه في القضية قد يوصلها إلى خواتيمها. وعلَيه فإنَّ عامل السنّ لم يشكّل دليل براءة بالنسبة للمحقق العدلي طالما أن إفادات القذافي نفسه أوقعته وأبرزها حينما سُئل عن حوالى الثلاثين شخصية كانت حاضرة ما بين ال 1970 وال 1980 فلم ينكر معرفته بها.

لا بل وأكثر، فالقذافي أكَّد للقاضي حمادة في شكل قاطع أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يغادرا ليبيا حيث وضعوا في الإقامة الجبرية في منطقة جنزور، لكنّه نفى في الوقت عينه علمه بمصير رفيقيه لاحقاً. أمّا الأخطر من ذلك فهي المعلومات التي تكشّفت حول حتميّة وقوع عملية الخطف.

في الرواية القضائية اللبنانية،أنه في أواخر آب ال 1978 توجّه الإمام الصدر والشيخ يعقوب والصحافي عباس بدر الدين إلى ليبيا حيث كانوا سيلتقون بالزعيم الليبي معمر القذافي على أن يسافر الصدر ويعقوببعد ذلك إلى فرنسا بعدما كانوا قد استحصلوا على تأشيرات فرنسية في بيروت. بات الثلاثة في فندق "الشاطئ" في ليبيا، وطلب بدر الدين من القائم بأعمال السفارة اللبنانية هناك المساعدة للاستحصال على تأشيرة إلى فرنسا لمرافقتهما إلى هناك. لكنّ ما حصل فعليّاً أنّه في 31 آب وصلت سيارة إلى الفندق لإصطحاب الضيوف اللبنانيّين للقاء القذافي ومنذ تلك اللحظة لم يعودوا. أخطر ما كشفته خيوط التحقيق أنّ المخابرات الليبية أخذت تأشيرتي الصدر ويعقوب وألبست زييهما لشخصين آخرين انتحلا صفتيهما وحجزت لهما بطاقتي سفر إلى إيطاليا حيث أجري لهما ال Check In في أحد الفنادق. في اليوم التالي وصل جواز سفر بدر الدين إلى فندق "الشاطئ " فاستلمته المخابرات الليبية وسلّمته إلى أحد منتحلي الصفة الذي قطعت له بطاقة سفر إلى روما عبر مالطا. كل تلك المسرحيّة تمّت بهدف تضليل الحقيقة والإيحاء بأنّ الثلاثة فُقدوا خارج الأراضي الليبيّة، لكنّ اللافت كان اعتراف القذافي الإبن بمعرفته بمنتحلَي صفة الشيخين.

بالإضافة إلى الاعترافات، ثمة ما يظهر في مسيرة هانيبال القذافي عداوةً لقضية الإمام الصدر وفقاً لملف أمنيٍّ وصل إلى القاضي حمادة من ليبيا بواسطة شعبة المعلومات وهو ما يعزّز الشبهة حوله. فعندما دخل "الثوار" إلى مكان إقامة الزعيم الليبي وأبنائه، صادروا حاسوباً لوحيّاً عثر في داخله على ملفّين، أحدهما عائلي يتضمّن صوراً وفيديوهات حميمة، أمّا الآخر فهو ملف السجن السياسي ويتضمّن أسماء السجناء والتحقيقات مع المعادين لنظام القذّافي وفيديوهات تعذيب. وفيما بعض "الفايلات" مشفّرٌ، تبيّن للمحقّقين اللبنانيّين في الصور العائلية وجود ما يمت لقضية الصدر ورفيقيه بصلةٍ وما يظهر العداوة لها.

وأمام كل هذه المعطيات والوقائع، سيبدو مستحيلاً حصول تعاونٍ قضائيٍّ لبناني أحادي الجانب، طالما أنّ تسليم القذافي سيعني حكماً ضياعَ حق القضيّة اللبنانيّة في ضوء التجربة السّابقة مع الجانب الليبي التي اتّسمت بغياب التعاون طيلة السنوات المنصرمة.