<
25 May 2023
جبران باسيل: قوّته من ضعف خصومه؟ (سينتيا يمّين)

جبران باسيل، الاسم الذي شغل الرأي العام منذ تولّيه رئاسة التيار الوطني الحرّ خلفًا لمؤسّس التيار العماد ميشال عون، وهو من انقسم الرأي العام اللبناني حوله، فلم يكن وسطيًا في النظرة اليه، منهم من لا يتقبّله ويعتبره مستفزًا وكغيره من السياسيين، أو حتى يُفضّل أركان المنظومة وأبناء الطائف عليه، ومنهم من يرى فيه الوجه الشاب الجديد الطموح المثابر والمختلف، والذي لا ينام ولا يتعب، ويكفي أن يكون "مكروهًا" من جميع أركان المنظومة وأحزابها ومموّليها وسفرائها، حتى يكون الأفضل والأنسب لدى الكثيرين، وحتى تتأكّد لديهم صوابية مقولة أنه "لو لم يزعهجم لما اتفقوا جميعهم على محاربته!"

جبران باسيل أحببته أم لا، استطاع قلب المعادلات وتحطيم المؤامرات ضدّه وبأبسط الإمكانات المادية لا بل بانعدامها أحيانًا.
بعد كلّ محاولات شيطتنه ومحاربته وبعدما أصبح حديث الإعلام والصحافة بكل أشكالها والمستهدف الأوّل في شوارع "ثورة ١٧ تشرين" والمعاقب دوليًا، والمحاصر داخليًا، فعاش ١٣ تشرين من نوع آخر، قُصف بالشائعات وباغتياله السياسي والمعنوي، وحوصر داخليًا وخارجيًا، واستُبعدَ، وقيل أن الخارج والداخل يتجاهل دوره، فكانت ١٣ تشرين بشكلها الجديد في ١٧ تشرين، تسعى إلى إنهائه والتخلّص منه قبل أن يتمكّن من تثبيت نفسه أمام الجمهور "العوني" الذي تسلّم قيادته، وأمام الرأي العام اللّبناني وأمام الخارج، فكانت استراتيجية "التخلّص منه سريعًا عبر محاربته باكرًا" لعدم إعادة حالة العماد ميشال عون التي أزعجت أركان الطائف، ولإنهائها والتخلّص منها وعدم السماح لها بأن تُجدّد نفسها وتُعيد ذلك التسونامي الذي أرهق سلطة الحكم في لبنان منذ عودة العماد عون، وعكّر على أربابها صفو صفقاتهم.
"التخلّص منه سريعًا" هذا الهدف الذي تشاركت فيه جميع الأحزاب ورجال الأعمال والبيوت السياسية والجهات الدينية، والتي أزعجتها حالة العماد عون الأولى، فأرادت إنهاء الحالة الثانية قبل أن تبدأ، وتنهي معها تيارًا سياسيًا جارفًا، له مكانته وجمهوره وحضوره الذي لا يمكن تخطّيه، والذي أدخل إلى الحياة السياسية مشاريع وشعارت ومفاهيم كانت غريبة عن السياسة اللبنانية التقليدية منذ ما بعد الطائف، وحمل لواء التغيير والإصلاح ومحاربة الفاسدين.

فماذا حصل؟ هل نجحوا وتمكّنوا من إنهاء باسيل وتياره السياسي؟
اليوم يمكننا بهدوء وبتعمّق، رؤية ودراسة المشهد السياسي المحلّي والإقليمي، بعدما مرّت عاصفة
١٧ تشرين، والتي قد تلحق بها عواصف أخرى وبأشكال مختلفة، وهزّت معها التيار العوني لأنها استهدفته بشكل أساسي، خاصّة في عهد مؤسّسه العماد ميشال عون، نعم تمكّنت من هزّه لكنها لم تتمكن من إسقاطه، كالجبال التي تهتز لكنها لا تَقَع!
أما عن باسيل، فعاد اللّاعب الأقوى على الساحة السياسية، لا بل اعتبره البعض "بيضة القبّان"، والذي تحتاجه جميع القوى والأحزاب السياسية لتتمكّن من إيصال مرشّحها الرئاسي، أو قطع الطريق أمام مرشّح الفريق الآخر.
فلولا باسيل، لكان فرنجية اليوم رئيسًا متربعًا على عرش بعبدا، ولولا باسيل لما استطاعت "قوى المعارضة" مواجهة "قوى الممانعة" ومرشّحها المفروض على اللّبنانيين عمومًا والمسيحيين خصوصًا.
بالإضافة إلى نظرة الخارج إلى باسيل كلاعب أساسي وممرّ إلزامي لا يمكن تخطّيه في الاستحقاق الرئاسي وأيضًا في الاستحقاقات القادمة، وهذا ما انعكس في زيارات باسيل مؤخرًا إلى كل من الفاتيكان وإيطاليا وفرنسا.
فكيف أصبح المرفوض والمحاصَر داخليًا، حاجة ضرورية لغالبية القوى الداخلية؟ وكيف أصبح المعاقب خارجيًا، ممرًّا إلزاميًا بالنسبة للخارج؟
سؤالٌ يطرحه كثيرون ويدور في أوساط غالبية القيادات السياسية في لبنان، والتي تزعّمت على مدى عقود، إلّا أن الجواب قد لا يكون بهذه السهولة، إنما هو بهذه الواقعية:
استخدمتم نفس الأدوات التي حاربتم فيها العماد عون في
١٣ تشرين ١٩٩٠، وأعدتم استخدامها في ١٧ تشرين ٢٠١٩ بوجه الوريث السياسي لعون وللحالة العونية ولتياره السياسي.
وكما حصدتم نتيجة معاكسة في العام ٢٠٠٥ بعد حدوث التسونامي الشعبي العوني، تحصدون اليوم النتيجة المعاكسة نفسها مع جبران باسيل، لأن الأخير واجه مدافع الإعلام والمال والعقوبات والاتهامات والشائعات والاغتيال السياسي والحملات، بنفس أدوات عمّه، أي بالصمود وباللّحم الحيّ وبرصيده الوحيد وهو "شعبه"، ولأنكم ارتكبتم نفس الخطيئة والأدوات التي استخدمتموها في ١٣ تشرين، ولأنكم لم تتعظوا من الماضي، فحصدتم النتيجة الخاسرة نفسها، وحصد بصموده الانتصار عينه!