<
25 May 2023
خاص - التحرير اللبناني الثالث... من المافيا! (ميشال ن. أبو نجم)

ميشال ن. أبو نجم -

يشهدُ تاريخ لبنان على عمليات تحرير من الإحتلال الإسرائيلي، أو من هيمناتٍ لقوى خارجية عربية أمسكت بالنظام اللبناني وأدارته وفقاً لمصالحها. كانت هذه الإنجازات الإستقلالية والسيادية الحقيقية، نتيجةَ تضحيات كبرى وقتالٍ مرير بالدم والعرق وكسر الصمت الذي أراد تغيير وجه لبنان الحر والمتنوع ولم يُفلِح.

بطبيعة الحال أن يكون الإنجاز، على فداحة التضحيات التي بُذِلت، والأرواح التي أُزهقت على مذبح التحرير، أسهل مما يحصل حالياً. فالخارج مهما تمكَّن من الداخل يبقى قوةً خارجية، تتضافر عوامل داخلية وخارجية لتغييرها. على خلاف ما هو حاصل اليوم من معركة كبرى، قد لا يكون جميع اللبنانيين مقدّرين خطورَتها ومحوريتها.

لكن الشعب اللبناني يشهد اليوم على تحريرٍ ثالث في التاريخ اللبناني، قد لا تُخصَّص له لوحة على نهر الكلب، لكنه سيُذكَر على أنه المعركة الأشرس التي خاضتها نخبةٌ طليعية من الشعب في مواجهة مافيا مترسخة في المجتمع اللبناني، قبل السلطة. شراستُها تكمن في أنها تُخاض ضد لبنانيين يتمتعون بكل عوامل القوة المالية والسياسية والأمنية والأهم القضائية، بعدما حول النظام القضائي اللبناني نفسه إلى حامٍ للمرتكبين وليس لحقوق الشعب اللبناني. إنَّها معركة تشمل مستفيدين عابرين للطوائف والأحزاب والقوى السياسية، يشكلون منظومة مترسخة منذ قيام لبنان الكبير الذي صنعوا له أسطورةً بأنه جمهورية للتجار والمصارف فحسب، متخطين مرتكزات الإقتصاد الوطني السيادي في الصناعة والزراعة واستغلال مقدرات البلاد الذاتية. ولا تزال هذه المنظومة تدافع عنها جوقة كبيرة من المطبلين على الشاشات وكل وسائل الإعلام، لأنها تدرك جيداً أنه لا بد من السيطرة على الإعلام لبث الأكاذيب وصناعة الدجل وتكريس هيمنتها.

قد لا تكون هذه المعركة قد تطلبت دماءً كما حصل في الماضي. لكن بالتأكيد أن قلةً من طليعيي المجتمع اللبناني، قد التزمت جانب الحق والعدالة والمساواة والمواطنة بين فئات الشعب. وهذه المعركة، كلفّت مواجهات قاسية بين المنظومة المصرفية – السياسية، ومن يدافع عنها، وبين الرئيس العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر الذي سدّد لها أول ضربة قاسية بإقرار التدقيق الجنائي، ومن ثم بالمتابعات الحقوقية في الخارج والداخل، فضلاَ عن حجم الحملة الترهيبية الإعلامية على عون و"التيار" ورئيسه جبران باسيل.

وفي معاركَ مصيرية، تُذكر أسماء الأبطال في سجل التاريخ، وكذلك أسماء الخونة والمرتزقة في الجانب الأسود منه. لا حيادَ في هذه المعركة، مثلها مثل المعركة مع العدو. أذلت الشعب اللبناني على أبواب المصارف كما تم إذلاله على معابر الإحتلال وحواجزه. مرّغوا الكرامة الوطنية في التراب عندما جعلوا من النظام السياسي مُطارداً من الخارج، وعندما يدافع من يفترض أنهم يمثلون الشعب عن المنظومة في الخارج، وكذلك، عندما تحول القضاء الأوروبي مُنقذاً للبنانيين، فيما يقدم قضاة لبنانيون السيكار لأداة المنظومة والمُلاحَق في دول العالم المحترمة والحضارية...

وما إن ينجلي غبار هذه المعركة الضارية، وهو قد بدأ أساساً، سيكتشف اللبنانيون أنهم تعاملوا مع عدو أشرس من الإحتلال ومع مافيا بالغة التجذّر والسيطرة على كل نواحي الحياة العامة.
الأهم أنه مهما كان من شأنها ومن تجبُّرها ذات يوم، فإنّها ستنتهي إما في السجون أو في مزبلة التاريخ...