<
06 December 2022
الطائف والطائفية

حبيب البستاني- منذ اتفاق الطائف في العام 1989 وحتى يومنا هذا، بند وحيد قد تم تطبيقه وبنجاح كبير وهو مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية، وفي الأساس نص الاتفاق أن تؤول الصلاحيات المصادرة للرئيس إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وهذا لم يتم احترامه إلا في ولاية الرئيس ميشال عون، أما في بقية العهود ما بعد الطائف فقد ذهبت هذه الصلاحيات إلى رئيس الحكومة. هذا الأمر لم يكن ليتم إلا بإرادة الراعي الفعلي لاتفاق الطائف آنذاك أي الجانب السوري تارة، وإما بتواطؤ المكون الشيعي الذي استفاد منه بصورة غير مباشرة، فاستحوذ الشيعة على وزارة المالية التي تشكل بالنسبة إليهم التوقيع الثالث الملزم لتنفيذ أي قرار وزاري تترتب عليه موجبات مالية.

وهكذا وبعد خلو سدة الرئاسة تبين مرة أخرى أن صلاحيات الرئيس قد ذهبت بالكامل هذه المرة إلى رئيس الحكومة، وبتواطؤ واضح من الثنائي الشيعي الذي أيد رئيس الحكومة في عملية السطو هذه. فمعارضة المكون المسيحي الأساسي في الحكومة أي التيار الوطني الحر ووزراؤه لم تحل دون انعقاد مجلس الوزراء بدعوة من رئيس حكومة تصريف الأعمال. وهذا يؤكد المؤكد من أن رئيس الحكومة المكلف لم يكن يريد تشكيل حكومة جديدة كاملة المواصفات ليتسنى له أن يضع يده ليس فقط على صلاحيات الرئيس إنما على مقدرات الدولة.
ففجأة استفاق النجيب من ثباته وراح يتباكى على مرضى السرطان والنقص في الأدوية الضرورية لهم، وراح وزراؤه يتباكون، والذين لم ينقصهم إلا اللطم، على حقوق العسكريين والهيئات التعليمية، فبالله عليكم كفى ذرف دموع التماسيح هذه، وأعلنوها صراحة أنكم كنتم مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، فأين كان النجيب ووزراؤه طيلة الأشهر الماضية وكيف لم يتنبه إلى الأزمة المالية والمعيشية والنقص الحاد في الأدوية وفي كل مستلزمات الحياة اليومية؟ أين كان النجيب ووزراؤه يوم كان البلد يئن تحت وطأة الضائقة المالية ومصادرة ودائع الناس وحرمانهم من أبسط حقوقهم؟ أين كان النجيب يوم كان بالإمكان تشكيل حكومة كاملة المواصفات تتولى صلاحيات الرئيس وتعقد جلسات لمجلس الوزراء لتلبي حاجات الناس وتحل مشاكلهم؟.
أما فإن ما حدث قد حدث فلن نقف لنبكي وكما يقول الشاعر الجاهلي"بصدق اللوى بين الدخول فحومل". لا لن نبك على فراق أحبة اختاروا هم الفراق، ويخطىء من يظن أن الأبواب مغلقة وأن الخيارات مقفلة أمام التيار الوطني من جهة وامام المسيحيين من جهة أخرى. فالمسيحيون وإن اشتدت العواصف عليهم وتكاثرت المؤامرات ضدهم وحتى لو "تكسرت السهام على السهام" فإن قوتهم تكمن في ذاتهم بالدرجة الأولى، وستبرهن الأيام المقبلة أن الذين كانوا يساندونهم فإنهم قد فعلوا ذلك ليس لمصلحة المسيحيين وإنما لمصالحهم الخاصة ولغايات تكشفت يوم الكشف.
التبعات على الرئاسة وانتخاب الرئيس
هذه البروفا التي حدثت ما هي إلا تجربة فاشلة "test " لما ستكون عليه الانتخابات الرئاسية، وهم واهمون إذا فكروا أن بإمكانهم الإتيان برئيس للجمهورية لا يمثل بيئته ولا تكون له حيثية نيابية وشعبية داخل طائفته ومن ثم وفي مستوى ثانٍ حيثية وطنية. هم مخطئون إذا كانوا يخططون للإتيان برئيس كما كان يفعل الباب العالي زمن المتصرفية حيث كانوا يأتون بمتصرف مسيحي من خارج جبل لبنان أي من الإمبراطورية العثمانية. هم مخطئون إذا فكروا أن باستطاعتهم الإتيان برئيس مسيحي بالهوية ولا يتمتع بالحيثية الضرورية.
لقد ولى زمن المتصرفية ولقد ولى زمن الباب العالي وزمن فرض الإرادة بالقوة أو بالحيلة لا فرق على المسيحيين، فلقد خط العماد عون خطاً جديداً طيلة توليه مقاليد الرئاسة، حدد بموجبه الشروط التي يجب أن يتحلى بها أي رئيس جمهورية في المستقبل والتي لا يمكن لأي كان تخطيها.
فحذار حذار من مصادرة حقوق المسيحيين كما صادروا صلاحيات الرئاسة ‘عندها سيتحول الطائف إلى طائفية بدلاً من أن يكون وثيقة تفاهم عابرة للطوائف.