<
23 September 2022
اتفاق الطائف وحكاية إبريق الزيت- حبيب البستاني

حبيب البستاني*

في كل مفصل وغداة كل استحقاق ومنذ تسعينيات القرن الماضي لا ينفك البعض عن ترداد مقولة أن اتفاق الطائف هو الدستور المنزل الغير قابل لا للتعديل ولا للتأجيل، وأنه على كل طالب صفة أو مركز أو مسؤولية أن يعلنها صراحة وجهاراً أنه مع هذا الاتفاق، في سوريالية تشبه إلى حد بعيد إعلان أولئك الذين يريدون الانضمام إلى المسيحية بإعلان "فعل الإيمان" وإلى الإسلام بإعلان "الشهادتين". ولو أراد المشترع لا سيما أولئك الذين وضعوا اتفاق الطائف إعطاء صفة الإلزام لكانوا وضعوه في سياق القسم الذي يقسمه رئيس الجمهورية غداة انتخابه.
إن وثيقة الوفاق الوطني ألمعروفة باسم اتفاق الطائف وضعت في ايلول من العام 1989في مدينة الطائف وتم إقرارها بموجب قانون في تشرين الأول من العام نفسه وصدق عليها المجلس النيابي في أوائل تشرين الثاني. جاء هذا الاتفاق ليضع حداً للحرب اللبنانية فهو قد استطاع إسكات المدفع ولكنه لم يستطع إرساء أسس الدولة اللبنانية وإرساء الاستقرار السياسي فيها. ومنذ الأشهر الأولى لوضعه موضع التنفيذ اصطبغ لونه بالدم بعيد اغتيال الرئيس رينيه معوض، وهو لم يمض على انتخابه سوى أيام معدودة وهو كان اول رئيس منتخب بعد الطائف.
وقد أثبتت الأيام والأحداث المتلاحقة أن اتفاق الطائف لم يكن بالإمكان تطبيقه بالكامل إلا ما كان منه مناسباً لإرادة الراعي السوري لهذا الاتفاق، والذي شكل المايستر المتفق عليه والغير معلن لإدارته.
من هنا وبعيد الخروج السوري من لبنان في العام 2005 بانت عيوب اتفاق الطائف وأحكامه التي وضعت كي لا تطبق، فلم يصر إلى تطبيق اللامركزية وإلغاء الطائفية وكذلك وبدلاً من انتقال بعضاً من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، انتقلت إلى رئيس مجلس الوزراء وذلك بالقدر الذي كان يتمتع به هذا الرئيس بالقوة والمونة. وبدلاً من تطبيق بنود الاتفاق تم ابتداع فقرات وأحكام لم تكن يوماً من صلبه كبدعة التوقيع الثالث للشيعة المتمثل بضرورة وجود وزير مالية شيعي إلى ما هنالك من خزعبلات كانت تكبر أو تضمر بحسب قوة ومنعة رئيس الجمهورية. من هنا فإن رئيس الجمهورية طيلة فترة الوجود السوري في لبنان كان يستمد قوته من الراعي السوري ومن وجود القوات السورية في لبنان التي كانت تتصرف كجيش احتلال في معظم الأحيان. من هنا برزت فكرة الرئيس القوي الذي يستطيع ممارسة الحكم منفرداً أي بمعزل عن قوة خارجية تؤازره وتسهر على تنفيذ قراراته، وهكذا فإن كل الذين يرفضون فكرة الرئيس القوي إنما هم يرفضون وفي قرارة نفسهم فكرة الدولة التي يحكمها رئيس، ولا يتحكم فيها رؤساء ثلاثه كل يريد حصته من الحكم ومن التحكم بشؤون البلاد ورقاب العباد، وفي الوقت الذي يقسم فيه رئيس الجمهورية منفرداً قسم المحافطة على الدستور والوطن، فإن رئيسي المجلس والحكومة الذين لا يقسمون هذا القسم باتوا ينازعون الرئيس في صلاحياته، وذلك من دون تحمل تبعات أفعالهم.
لقد أعلن أكثر من مرجع ديني ودنيوي ضرورة تعديل الطائف كونه دستوراً عادياً يمكن تعديل أحكامه بأكثرية الثلثين وليس كتاباً منزلاً لا يمكن المس به. لقد بات من المستحيل حكم جمهورية بثلاثة رؤوس يتحكم فيها تداخل الصلاحيات وينتفي فيها فصل السلطات. إن تعديل الطائف بات من أضعف الإيمان، إذ إن لبنان بات أكثر بحاجة إلى تغيير نظامه والانتقال من حكم الطوائف إلى حكم الدولة، ومن الانتماء الطائفي إلى الانتماء الوطني. وحده الانتقال إلى الدولة المدنية من شأنه تثبيت الحكم والعدالة وجعل المواطنين كل المواطنين سواسية تحت سقف القانون.


كاتب سياسي*