<
27 August 2022
خاص- إعتكاف القضاة يُنذر بتفلّت أمني والعدلية مُحبَطة ومنقَسِمة

تخيلوا أن أحد المتضرّرين توجّه إلى محكمةٍ لتقديم شكوى فكان جوابُ موظَّفِ القَلَم أن القاضي لا يعطي إشارات سوى في القضايا التي نتَج عنها قتيلٌ. فكان جواب المتضرّر: "شو بروح بقتلو يعني"؟
الرّجُل لم يفعلها طبعاً لكن تخيلوا أننا وصلنا إلى هذا المستوى من التفكُّك في الدولة حيث لا قضاء ولا عدالة وحيث صار القضاء يقاصِصُ الناس في اعتكافِه ضدَّ الدولة الغائبة.
فالضحية هي المواطن العاجز عن تسيير أموره في أروقةِ قصورِ العدل ومن هؤلاء ١٥ سيّدة تعرّضن للعنف الأسَري وعجِزن عن تقديم دعاوى جزائية بسبب الإضراب فلجأن إلى منظمة كفى.

الغالبية الساحقة من قضاة لبنان معتكفون وقلّةٌ منهم غير معتكفة من دون أن يعني ذلك أنهم ممنونون من أوضاع قصور العدل أو من رواتب القضاة أو الخدمات التي باتوا محرومين منها.
بعد مرورِ أكثرَ من أسبوعٍ على الاعتكاف لم يتوحَّد القضاة على المطالب ولاسيما لناحية المعيار الذي يجب اعتمادُه لتحسين الرواتب. البعض يطالب بتقاضي القضاة رواتبهم على أساس ال ٨٠٠٠ ليرة والبعضُ الآخر يطرح دفعَ قسمٍ من الراتب بالدولار الفريش وآخرون يطرحون تقاضي الراتب على سعر صيرفة. 

القضاة يعتكفون في ظل حكومة تصريف أعمال فاقدة الصلاحيات الدستورية الواسعة في حين أن أيَّ تصحيحٍ للرواتب يتطلب إقرارَ قانون في المجلس النيابي. لكن فعليّاً لا حكومة تصريف الأعمال قادرة على إحالة اقتراح قانونٍ إلى المجلس ولا المجلس أساساً سيكون صالحاً للتشريع مع بداية المهل الدستورية لانتخاب رئيس جديدٍ للبلاد. واستمرار الاعتكاف إلى حين إعادة تكوين السلطة الإجرائية له تداعيات خطيرة على العدالة إذ سترتِبُ فلتاناً أمنياً واجتماعيّاً لاسيما في ظل غياب النيابات العامة عن السّمع.

قسمٌ من القضاة يشعر أنه لا ينتمي إلى مؤسسة حاضنة. يقول أحدُهم أن العدلية تطعنُ القاضي "الأبضاي" وتُنصفُ من يساوم أو الضعيف. العدليّة كما يقول المصدر القضائي "سقفها واطي"  وضعيفة، حتى أن الأجهزة الأمنية أقوى من القضاة في كثير من الأحيان بحيث أنها أحياناً تخالفُ الإشارات القضائية وبإمكانها أحياناً أخرى تشويهَ صورة الملف القضائي عبر تسريباتٍ من هنا أو هناك لاعتبارات أمنية. يشعر بعضُ القضاة بالقَرَف مما آلت إليه الأمور في العدلية ويقول زميلٌ له لو أن القضاة "اشتغلوا شغلن" لناحية مكافحة الفساد لما وصلت الامور إلى هذه الحد، لكنَّ معظمَهم كسولٌ ويأتي اليوم للمطالبة بتحسين الرواتب في دولةٍ منهوبة.

مقابلَ هؤلاء قضاةٌ يأسفون لوصف الأكثرية بالمتقاعسة لأن المعروفين بالمفاتيح القضائية أي مَن بيَدِهم سلطة الملاحقة هم أقليّة وإذا كانوا مقصّرين فبسبَب تبعيّتهم السياسيّة المرفوضة من مجموعة كبيرة تطالب اليوم باستقلالية السلطة القضائية.


وما بين كلّ الأصوات المرتفعة في العدليّة والتبايُن فيما بينها ثمَّةَ حقيقة ناصعة أن الجسمَ القضائي في أزمةٍ كبيرةٍ وسط تخبّط واضحٍ في كيفية انقاذه. فقبل أيامٍ التقى مجلس القضاء الأعلى رئيسَ الحكومة لنقلِ المطالب وفي الأمس كان وزير العدل يجمع رؤساء الهيئات القضائية وكأنه أخذ مبادرة حل المسالة على عاتقه، وفي المساء كان المدعي العام المالي علي ابراهيم يزور نقيب المحامين للبحثِ في حل لمسألة رواتب القضاة. وعليه يحتار المتابِع من هو صاحب الصلاحية في التفاوض ومن يمكنُه أن يضمن عودة القضاة عن اعتكافهم والمعلوم أن كلّما كثُرَ الطبّاخون احترقت الطبخة.