<
06 August 2022
قرصنة سفينة سورية في لبنان إذعاناً لقرار أميركي.. ودمشق فوتت الفرصة (بقلم حسان الحسن)

حسان الحسن -

 

مرة جديدة تتعرَّض العلاقات الثنائية اللبنانية - السورية (الأقل من طبيعية) للانتكاسة، بسبب انصياع بعض الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان وأتباعها في مؤسسات الدولة إلى المحور الغربي الأميركي بشكل تام.

بدا هذا الأمر جلياً إثر قضية الباخرة "لوديسيا" التي احتجزت مدة 4 أيام في مرفأ طرابلس، وعلى متنها كميات من الطحين الروسي، ثم تراجع قضاء العجلة في الشمال عن الحجز الصادر عنه السبت الفائت، إثر ادعاء السفارة الأوكرانية في بيروت بأن حمولة الباخرة "مسروقة" من الأراضي الأوكراني، بناءً على تحليل صحافي، بحسب بعض وسائل الإعلام

فعلياً، هذه العلاقات المذكورة أقل من طبيعية، لكونها لم ترتقِ إلى مستوى العلاقة الجدية بين الحكومتين اللبنانية والسورية. والدليل على انصياع غالبية الطبقة السياسية اللبنانية لإملاءات واشنطن أن أركان الطبقة الحاكمة في لبنان لم يجرؤوا على الإقدام على طرح مسألة تفعيل العلاقات اللبنانية - السورية بشكلٍ جدي وعملي.

كذلك، لم يجرؤ أحد منهم على زيارة دمشق علناً للبحث مع المسؤولين السوريين في حل القضايا العالقة بين البلدين، كقضية عودة النازحين السوريين من لبنان إلى ديارهم، أو لعرض السبل التي ترمي إلى تعزيز المصالح المشتركة، كتنشيط الحركة التجارية عبر الحدود المشتركة وعبور "الترانزيت" وسواها.

لم يزر وفد حكومي لبناني دمشق منذ اندلاع الأزمة السورية في منتصف آذار/مارس 2011 ولغاية أيلول/سبتمبر 2021، يوم زار وفد حكومي العاصمة السورية، وكان يتألف من نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر، ووزير المالية غازي وزني، ووزير الطاقة ريمون غجر، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، للبحث في استجرار الغاز المصري عبر الأراضي الأردنية، مروراً بالأراضي السورية، وصولاً إلى لبنان.

يُذكر أنَّ هذه الزيارة لم تحصل إلا بعد إعلان السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا أن واشنطن ستسمح للغاز المصري بالعبور إلى الأردن وسوريا ولبنان في آب/أغسطس 2021. وقد أتى ذلك رداً على إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله استيراد المازوت الإيراني.

ولكن حتى الساعة، لا تزال الولايات المتحدة تمارس المزيد من الضغوط الاقتصادية والمعيشية على الشعب اللبناني، ولم تسمح بمرور الغاز المصري للإسهام في إزالة العتمة المدقعة عن لبنان واللبنانيين.

وهنا، ترى مصادر دبلوماسية عربية أن استجرار الغاز المصري إلى لبنان مرتبط بحل مسألة ترسيم الحدود، وأن واشنطن لم تمنح مصر استثناءً من "قانون قيصر" لضخّ الغاز إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، كذلك لم تسمح للبنك الدولي بتمويل هذا المشروع قبل توقيع لبنان معاهدة "الترسيم".

بالعودة إلى العلاقات الثنائية اللبنانية السورية، وتحديداً إثر حجز الباخرة السورية، توضح مصادر قانونية أنَّ هذه الباخرة تعود ملكيتها إلى "المؤسسة العامة السورية للنقل البحري"، وأنها انطلقت من مرفأ كفكاز الروسي في اتجاه مرفأ طرابلس، مستوفيةً كل الشروط القانونية، وأن الإشارة بحجزها صدرت عن القضاء، بناءً على ادعاء غير مرتكزٍ على أي دليل من السفارة الأوكرانية في بيروت بأن حمولتها مسروقة من أوكرانيا.

يُذكر أنَّ الحمولة المذكورة تعود إلى شركة "رويال أغرو كومباني"، ومالكها سوري الأصل ومقيم في تركيا. إثر ذلك، تقدم الوكيل القانوني للسفارة السورية في بيروت المحامي أحمد عثمان بطلب إلى قاضي العجلة في طرابلس، ضمّه إلى طلب "الادعاء" الأوكراني، أثبت فيه بالوقائع استيفاء الباخرة الشروط القانونية، من خلال إبراز المستندات التي تدحض مزاعم السفارة الأوكرانية، وتؤكد ثبوت الحمولة على متن الباخرة، وبأنها ذات منشأ روسي.

وما يثبت ذلك، بحسب المستندات، البوليصة التي تؤكد خروج السفينة من مرفأ كفكاز الروسي إلى مرفأ طرابلس، و"المانيفست" التي تؤكد أيضاً أن المرفأ الذي تم تحميل الحمولة فيه هو مرفأ كفكاز، إضافة إلى خطة سير السفينة من مرفأ كفكاز الروسي إلى مرفأ طرابلس. كذلك، عرض عثمان على قاضي العجلة وثيقة تثبت أن هذه السفينة مرت على 10 مرافئ قبل أن تتوجه من كفكاز إلى طرابلس، ما يؤكد سيرها بشكلٍ قانونيٍ.

وتعقيباً على ذلك، اكتفت مصادر جمركية بالتعليق قائلةً: "لو لم تكن هذه الباخرة مستوفيةً للشروط القانونية، لما كان النائب العام التمييزي أصدر قراره بفك حجزها".

وعن المعلومات التي تقول "إنَّ هذه السفينة مدرجة في لائحة عقوبات قانون قيصر الأميركي"، يوضح مرجع في العلاقات الدولية أن لبنان دولة ذات سيادة، وأنه غير ملزم بتطبيق قرارات غير أممية وأحادية الجانب، بالتالي لا يحق للقضاء اللبناني حجز الباخرة المذكورة بناءً على هذا "القانون" الأحادي.

أما عن الخلفية السياسية لهذا الحجز، فيؤكد مرجع سياسي لبناني قريب إلى دمشق أنها تعبر بوضوحٍ عن انصياع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي وبعض أعضاء حكومته إلى إملاءات السفارة الأميركية في بيروت التي تقف خلف قرار "الحجز"، بهدف منع أي تقدمٍ في مسار العلاقات الثنائية اللبنانية السورية، التي تفضي حكماً إلى الإسهام في التوصل إلى الحل المرتجى لقضية عودة النازحين إلى ديارهم، كذلك بهدف عرقلة ضخ الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية، لحل أزمة الكهرباء التي يعانيها الشعب اللبناني. إضافة إلى ذلك، محاولة منع دخول أي سلعٍ وبضائع إلى سوريا، بهدف تشديد الحصار الغربي عليها، في رأي المرجع.

في المقابل، قلّلت مصادر في المعارضة السورية من أهمية هذا القرار القضائي اللبناني وتأثيره في العلاقات اللبنانية السورية، معتبرةً أن تفعيل هذه العلاقة غير مرتبط "بسفينة"، على حد تعبيرها، وأن هذا القرار القضائي يعبّر عن تعدد التفسيرات السياسية لكل قرار سياسي أو قضائي، وعن غياب وحدة القرار لدى الحكومة اللبنانية لا أكثر.

وترى المصادر عينها عدم وجود قرار سياسي لدى غالبية مكونات السلطة في لبنان بإعادة تفعيل العلاقات اللبنانية السورية في المدى المنظور، وأنها غير جاهزةٍ لذلك، في انتظار صدور إذن السماح الأميركي بذلك، تقول المصادر.

وتعقيباً على كل ما ورد آنفاً، لا تلغي مصادر سياسية سورية الخلفية السياسية للقرار القضائي المذكور من الحسبان، بفعل الضغوط الأميركية على الحكومة اللبنانية، لكنَّ ثبوت الوضع القانوني للسفينة المذكورة أقفل الباب أمام المزيد من تشديد الحصار على الشعب السوري ومنع تقدم علاقاته العربية وسواها، تختم المصادر.

الميادين