<
12 July 2022
خاص - بالأرقام والمعطيات.. نزوحٌ غبّ الطّلَب

لارا الهاشم - 

سنويّاً يتنقّل حوالى الخمسمئة ألف نازحٍ سوري بين لبنان وسوريا. هؤلاء يدخلون إلى سوريا بشكلٍ طبيعي ويمكثون فيها لأيام أحياناً من دون التعرُّض لأي مضايقات على المعابر في الوقت الذي يكتسبون فيه صفة "نازحين" ويستفيدون من المساعدات المقدّمة من مفوضية اللاجئين. لكن في ظل عدم تزويد الأمن العام من قبل المفوضية بداتا المسجّلين لديها يعجز الأخير عن ضبط حركة الدخول والخروج عند المعابر بالكامل.

هذه الواقعة أكّدها وزير المهجّرين عصام شرف الدين في المذكّرة التي سلّمها إلى ممثل المفوضيّة في لبنان أياكي ايتو. في أحد البنود شدّد وزير المهجّرين على ضرورة مراقبة حركة ذهاب وإياب النّازحين بمساعدة من الأمن العام بعد ورود معلومات من إحدى المرجعيّات التي تُعنى بحقوق الإنسان عن أشخاصٍ مسجَلين لدى المفوضيّة ويحصلون على مساعدات شهريّة، يأتون إلى لبنان فقط لقبض المستحقّات ثم يعودون في اليوم التالي إلى سوريا.

إن دلّ هذا الأمر على شيء فهو على أنّ في سوريا مناطق آمنة يمكن لمواطنيها العودة إليها والعيش في قراهم التي يزورونها بشكلٍ دائمٍ ويمضون فترة الأعياد فيها. مع العلم أن لبنان قد تسلّم من الدولة السورية مذكّرات خطيّة تؤكد إصدارَ مراسيم عفو وإخلاءَ سبيل 28864 موقوفاً من محكمة قضايا الإرهاب فقط، أما المواطنون الذين أجروا تسويات فقد استفادوا من عددٍ من الميزات. فقد ألغيت البلاغات والإجراءات الأمنية التي كانت صادرة بحقّهم من قبيل التوقيف أو التكليف بالمراجعة أو منع المغادرة. السلطات السورية منحت أيضاً المتخلّفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية مهلة ستة أشهر لتسوية أوضاعهم التجنيديّة كما تولّت لجان مختصّة مهمّة تسوية أوضاع الفارّين من الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية وفقاً للأنظمة النّافذة وسمحت الميزات للذين أجروا التسوية الأمنية بالعودة إلى عملِهم الوظيفي بعد تقدّمهم بطلبٍ خطيٍّ إلى الوزارة التي يتبعون لها. أما بالنسبة للمفصولين من نقابات الأطباء والصيادلة والمهندسين فقد بات بإمكانهم تقديم طلب العودة إلى النقابة وممارسة اختصاصاتهم. هذا وتقترح لجان التسوية الأمنية إلغاء إشارات الحجز الاحتياطي على أموال وأملاك المواطنين الذين تمّت تسوية أوضاعِهم، وبعد دراستها والتأكد من عدم تورّطهم في جرائم القتل والإرهاب يتمُّ رفع الحجز عنهم.

وعليه فإنّ ذريعة عدم الأمان في سوريا تبدو ساقطة لكنَّ لبنان الذي يعدّ خطّة للعودة يدرس كلَّ خطواته ويسعى لتعداد السوريّين الموجودين على أراضيه من خلال إحصاء من دخلوا بصورةٍ غير شرعيّة إلى لبنان والولادات غير المسجّلة والتدقيق في الأشخاص الذين فقدوا أوراقَهم الثبوتية وفي أعداد الفارّين من الخدمة العسكرية والمدانين بجرائم أو جنَح أو مخالفات. إلاّ أنّ هذه العمليّة تحتاج إلى جهدٍ كبير وتعاونٍ من قبل مفوضيّة اللاجئين بهدفِ إعداد دراسة مفصّلة يتمُّ على أساسِها تقسيم النازحين إلى فئات وتنظيم عودتهم تدريجيّاً وتحديد اللاجئين السياسيين من بينهم بهدف نقلِهم إلى دولة ثالثة لأن لبنان لم يعُد يحتمل أن يمارسَ أيُّ شخصٍ نشاطاً سياسيّاً على أراضيه.

إذاً الدولة اللبنانية لا تعتزمُ إعادةَ السوريّين بصورةٍ عشوائيةٍ بل إنها تحرصُ على كرامتِهم وأمنِهِم بموازاة حرصِها على المجتمع اللبناني الذي لم يعُد يحتملُ هذا العبء وكلفتَه على الخزينة العامة. فصحيحٌ أن النزوح ليس السبب الوحيد للأزمة الاقتصادية وصحيحٌ أن الفساد ينخُر كلَّ مفاصل الدولة، لكنّ النزوح هو أحد مسبّبات الأزمة في ظلّ تهالك البنى التحتية اللبنانية والإنهيار الاقتصادي واستفادة أعدادٍ كبيرة من النّازحين من أموال الدّعم إن عبرَ الاستهلاك أو عبر تهريب المواد المدعومة وبيعها في سوريا. وبالتالي فمن واجب المجتمع الدولي أيضاً الحرصَ على كرامة اللبنانيين الذين لم يبخلوا يوماً في استضافة السوريّين عندما كانت الحربُ قائمة في بلادهم.