<
13 May 2022
سلامة والمصارف يتقاذفان الاتّهامات واللوم

كتبت "الأخبار":

يتصاعد الصراع على ما تبقّى من أموال لدى مصرف لبنان، وسط حفلة تبادل الاتهامات والمسؤوليات. فالمصارف تدّعي أن مصرف لبنان يمتنع عن تسديد استحقاقاتها لديه بالعملات الأجنبية، وهذا ما يمنعها من تسديد استحقاقات الودائع للمودعين. هذه اللعبة بدأت قبل فترة طويلة، إنما لم تظهر للعيان إلا بعدما انخفضت قيمة الاحتياطات بالعملات الأجنبية إلى حدود 11 مليار دولار، أي لتصبح ثلث ما كانت عليه قبل نحو سنتين، وبعدما قرّرت المصارف الادعاء قضائياً على مصرف لبنان لمنعه من التصرّف بهذه الأموال بوصفها عائدة للمودعين. المصارف تحاول ابتزازه بسبب قضايا الاختلاس وتبييض الأموال التي تلاحقه بهدف إعادة توجيه الاتهامات الموجّهة إليها نحوه، بينما هو في المقابل لم تعد لديه القدرة لتأمين الحماية للمصارف كلّها ووافق مع صندوق النقد الدولي على شطب كامل رساميل المصارف وإعادة هيكلتها بعد تقليص عددها. أما في الواقع، فإنّ الطرف الوحيد الذي يدفع ثمن ألاعيب المصرف المركزي، واحتيال المصارف، هم المودعون.

تبادل الاتهامات والمسؤوليات بين مصرف لبنان والمصارف، بدأ يصبح مكتوباً اعتباراً من 4 نيسان الماضي حين وجّهت جمعية المصارف كتاباً إلى مصرف لبنان تطلب فيه توضيح بعض المسائل المتعلقة بالاحتياط الإلزامي وآلية تحديد نسبه والتسديد منه أيضاً باعتباره أموالاً عائدة للمودعين. لكن مصرف لبنان ردّ على الجمعية في 11 أيار، مشيراً إلى أن لديه ما يكفي من الصلاحيات للتحكّم في هذه الأموال وفي تسديدها أيضاً.
يقول الحاكم رياض سلامة، إنه تمّ فرض موجب التوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية على المصارف من خلال صلاحيته المتصلة بتحديد حجم تسليفات المصارف وشروطها، مشيراً إلى أن القانون لا يفرض عليه تغطية هذه الأموال بأيّ شكل من الأشكال، سواء كانت هذه الأموال احتياطات أو ودائع أو توظيفات إلزامية. كذلك، أشار إلى أنّ من صلاحيته التحكّم في استعمال هذه الأموال من خلال تطبيق المادة ٧٠ من قانون النقد والتسليف التي توجب على مصرف لبنان الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وعلى سلامة أوضاع النظام المصرفي بهدف تأمين نموّ اقتصادي واجتماعي دائم.

ويقرّ مصرف لبنان بأنّ هذه الأموال هي دين عليه للمصارف، لكن ”بغية تسديد قيمة هذه الأموال عند استحقاقها، إلى المصارف المعنية، يمكن مصرف لبنان القيام بالآتي:
تسديد المبالغ المتوجبة عليه بالشكل والخصائص ذاتها التي قامت المصارف بتوظيفها لديه وذلك استرشاداً بمبدأ توازي الصيغ والأصول وبأحكام المادتين ٧٥٤ و٧٦١ من قانون الموجبات والعقود التي توجب على من يقترض مبلغاً من النقود أن يردّ ما يضاع هذا المبلغ نوعاً وصفة.
التسديد بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي.
إذاً، ما الذي يحاول مصرف لبنان قوله للمصارف ومن خلالهم للمودعين: ”روحوا بلّطوا البحر“. فها هو سلامة، المتّهم بالاختلاس وتبييض الأموال في عدد من الدول الأوروبية وفي لبنان أيضاً، يتذرّع بالحفاظ على سلامة الاقتصاد والنقد، ليبرّر وضع يده على الودائع بالعملات الأجنبية التي بدّدها. لكن ليس صحيحاً أنه قام بذلك منفرداً، فالمصارف لديها مسؤولية ائتمانية تجاه ودائع الزبائن، لكنها ها هي تحاول إلقاء اللوم على مصرف لبنان في محاولة بائسة للنجاة.
لكنّ مصرف لبنان لم يكتف بإلقاء اللوم والتبرير بل قال ما هو أبعد، إذ أشار إلى أنه سيواصل تسديد الودائع بالليرة من دون أن يحدّد سعر الصرف. وليس مستغرباً أنّ مصرف لبنان يتعامل مع تفسيرات متناقضة لقانون النقد والتسليف لجهة تفسير عملية تشريع استعمال الاحتياط التي كانت تحتاج إلى تشريع في مجلس النواب سابقاً، لكنها اليوم محصورة بيده! عملياً، ما يخطّط له سلامة بات واضحاً ولا يزيده وضوحاً سوى هذا الكتاب الموجّه للمصارف: سيواصل تسديد الودائع بالليرة اللبنانية على سعر صرف متغيّر وسط أسعار صرف متعدّدة تشجع المضاربات، وسيواصل ضخّ الليرات من أجل القيام بذلك من دون أن يهتمّ لمعدلات التضخّم وانعكاساتها الهائلة على الأسعار وعلى القدرات الشرائية للمقيمين في لبنان. سلامة مثله مثل المصارف يبحث عن طريقة للوم طرف آخر فقط.

 

الأخبار