<
18 September 2021
3 عوامل سهّلت التأليف لكن المتضررين في المرصاد

أنطوان الأسمر - 


الى الآن، يتّسم أداء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بسلاسة لافتة (ما عدا سقطة الكهرباء والصندوق الكويتي والتي يستوجب توضيحها، خصوصا في ضوء الاستنفار الكويتي)، على الأرجح بفعل تخلّصه من أكثر من نير داخلي وخارجي، وتخفّفه من أثقال كادت ان تكبّل حركته في الأسبوعين الأخيرين قبل التأليف.

لا يخفى أن الرجل يجيد المناورة ويتقن موجبات الحوار وملكاته. لكن اللافت أنه احتاج المناورة لتخطي العوائق التي امتدت في سبيله من رفاق الدرب الواحد، رؤساء نادي الحكومة السابقين. وتحفل المجالس السياسية بما نُصب للرجل من أفخاخ بغية تكبيل حركته، تارة بحجة تحصين موقع رئاسة الحكومة ومنع تعدي المسيحيين عليه، وطورا باسم مكتسبات الطائفة والطائف.


أمران سرّعا في تاليف الحكومة، يجدر التوقّف عندهما مليا:
1-رغبة ميقاتي في التأليف، والأهم في تعزيز موقعه في الطائفة والدولة قبيل الإنتخابات النيابية، وبعدها بالتأكيد. وهو نجح بفعل هذا الإصرار، ومن ثم في توظيف التدخل الخارجي، الفرنسي على وجه التحديد المستند الى التغطية الأميركية، بغية عزل تأثيرات كثيرة، قريبة وبعيدة، أبرزها ذلك الذي مارسه نادي رؤساء الحكومة السابقين.

2-إصرار رئيس الجمهورية على ممارسة صلاحياته كاملة، ومنع اختلاق أعراف جديدة من خارج الطائف ووثيقة الوفاق الوطني، بذريعة تفسير صلاحيات رئيس الحكومة في مسألة التأليف، وهو تفسير مبتور، لا منطقي ولا ميثاقي، سعى جاهدا الى جعل رئاسة الجمهورية صندوق بريد يضع فيه الرئيس المكلف مسودته الحكومية، فيما يقتصر دور الرئيس على إحالتها على مجلس النواب حيث القرار. وهو تماما كذلك التفسير الذي جعل الرئاسة أيضا صندوق بريد يضع فيه النواب أسماء مرشحهم لرئاسة الحكومة في المشاورات التي هي صحيح ملزمة، لكن يبقى الخلاف كامنا في تفسير هذه الإلزامية: هل هي ملزَمة بإجرائها أم بنتيجتها؟ وليس خافيا أن فريق الحفاظ على صلاحيات رئاسة الحكومة والمكتسبات مارس الإلزامَين، لا بل فرضه مانعا حتى مجرّد السؤال عن أحقيته وصحته وما قصَده نواب الطائف بالإلزام، فيما مداولاتهم والمحاضر مخفية في جوارير النسيان.

3-الضغط الخارجي للتشكيل، وقد زاد بوتيرة لافتة في الأسبوع الأخير الذي سبق التأليف. هو في الأساس ضغط فرنسي بغطاء أميركي، عزّزه الرئيس إيمانويل ماكرون بالإتصال مع نظيره الإيراني ابراهيم رئيسي. وحظي المستشار الرئاسي باتريك دوريل بالدور الأكبر في إظهار طبيعة الضغط الفرنسي وفي التأثير في مسار مشاورات التأليف. ولا شك أنه باتت لدوريل صداقات لبنانية متقدمة نتيجة سنة كاملة من عمله الحثيث على الملف الحكومي، حقّقت له دالة على أصدقائه، وظّفها بحنكة وأحيانا بحزم، وصولا الى النهاية السعيدة. ولا يُنتقص كذلك من دور مدير المخابرات الفرنسية برنار إيمييه، رغم اختلاف المقاربات بينه وبين دوريل.

مع حصول الحكومة على ثقة مريحة في الجلسة المقررة بعد غد الإثنين، تنطلق رحلة حكومية شاقة على مستوى إطلاق برنامج التعافي المالي والإقتصادي مع المؤسسات الدولية. والرحلة شاقة لأن عراقيل كثيرة تنتظرها، تماما كما حصل مع الحكومة السابقة التي فشلت في ترجمة خطتها نتيجة تربّص قوى سياسية وحزبية ومالية من مختلف المشارب والإنتماءات، اجتمعت حصرا على وأد أي فكرة إصلاحية، وعلى تحميل المواطن ثمن أخطائها، وخصوصا ثمن فشل النموذج المالي والإقتصادي الذي أتى على مدخرات اللبنانيين، وكذلك على تبرئة أركان المنظومة، ولا سيما ركيزتها وملهمها، أي القطاع المصرفي. فكان أن حصرت هذه المنظومة توزيع الخسائر باللبنانيين، فيما بقي مصرف لبنان والقطاع المصرفي في منأى عن أي محاسبة أو دفع أثمان. وليس مستغربا، والحال هذه، أن يحقق هذا القطاع على مدى السنة المنصرمة أرباحا بمليارات الدولارات فيما المودعون يضرسون واللبنانيون يجوعون، وأن يجاهر رئيس جمعية المصارف سليم صفير بالرغبة في طرح حلول (!) قائمة على إعادة هيكلة القطاع العام (وهو ما رفض تطبيقه على المصارف)، وعلى مراجعة السياسة الضريبية (وهو الإسم الحركي لزيادة الضرائب). هو بذلك يحصر كل مصائب لبنان وبلاويه بموظفي القطاع العام وبالسياسة الضريبية، دون غيرها من الممارسات المعوجة التي أكلت الدولة ودمرت مؤسساتها وحولت نظامها الاقتصادي الى ريعي قائم على:

1-ضرب القطاعات المنتجة من صناعة وزراعة، والإعتماد حصرا على قطاع الخدمات في محيط زلزالي مفرط في القساوة.
2-فتح الأسواق والاسترسال في الإستيراد وصولا الى تحقيق عجز هائل في الميزان التجاري (10 مليارات دولار في العام 2020).
3-سياسة الفوائد الخرافية (لم يطبق أي بلد، غير لبنان، سياسة أعطاء فوائد على الودائع زادت أحيانا على الـ40% وأثرى من أثرى من أمراء الحرب وزبائنهم).
4-الدعم الذي طال كل نواحي حياة اللبنانيين، من دولار الـ1500 ليرة الى الكهرباء والخبز والنفط وغيرها.
5-تعطيل خطة الكهرباء ووأد أي نزعة صوب خفض فاتورة الوقود، بغية تأبيد مافيا المحروقات كهيئة منظمة وممولة لخزائن ميليشيات الحرب أحزاب السلم.