<
14 September 2021
عن بشير الذي نحبّ.. وهكذا نلوم (بقلم شربل الجميّل)

كتب شربل الجميّل يقول: 

أنت نعيت الصيغة ولعنتها. ركنتها في لحدِها وأثقلته بجلمود، ثمّ أوكلت عليه حرّاساً ليعيدونها إليه إن بُعِثَت من جديد. ما الذي غيّرك خلال حملتك الرئاسية؟ وحده سليم الجاهل، رحمه الله، ناشدك ألا تتحوّل رئيساً، بكلّ ما للكلمة من عمق.

لم يرحمونا يا باش. ما رحمونا قبل ٢٣ آب: استقدموا الكوفيات الجاحدة والمرتزقة الليبيين والصوماليين والباكستانيين والسوريين ليقصفونا ويدمرّوا تاريخنا ويرغموننا على الإستسلام في ريفون وشكا وبتدعي وزغرتا والجية وكور ومرجعيون والسيوفي. لم يرحمونا بعد يا باش. ما رحمونا بعد ١٤ أيلول: أفرغوا الترسانة السوڤياتية على "العرين" كما أسميته، ما أذعنّا بوقتها، لكن بعض من آويتهم أذعن لاحقاً!

ما بالك؟! من أين راودتك أمنيات "العيش المشترك" من جديد؟ من أوحى إليك بنبش رميم تلك الصيغة؟ صرفتَ الحرّاس ورفعت الجلمود واستخرجتها! ظننتَ أنك بشخصك يمكنك أن تجعل منهم لبنانيين؟ هم الذين قصفوا مع الفلسطينيين والسوريين أشرفيّتك وبكفيّاك في حرب السنتين وحرب المئة اليوم. هم الذين هاجموا مع الجيش السوري زحلة وقرى الشمال والبقاع والجنوب والشوف البعيدة عن النواة كرهاً وحقداً...وأنت الذي رفضت إطلاق رصاصة واحدة مع الإسرائيلي عند اجتياحه...أنظر إليهم اليوم: يصفونك بالعميل هم وأحزابهم وأجيال أحزابهم الطالعة الجاهلة البلهاء.

هل تعلم أنهم ما برحوا، وحتى هذه الثانية، يصفون الرصاصة الإسرائيلية بالمارقة، أما الرصاصة الفلسطينية والسورية التي لطالما استهدفتك، فهي بالنسبة لهم على روح النعناع؟ وأنت أردت مصالحتهم وجلت عليهم كرحّالة تُطمئِنُهم!

كيف لم ترَ ذلك! هل عاينت روما من فوق فاحتواك عرشها؟ روما من تحت لم تتغيّر يا باش. الحقد هو نفسه وطائفيتهم سيّها. حتى "زلمك" باعونا بُعيد رحيلك. أنت الذي لم تكن تملك ثمن ساندويش في جيبك، فكنت تقرع أقرب باب في الأشرفية وبكفيا وجبيل لتطلب منهم "يلفّولك عروس" عندما يذكّرك دماغك أنه لا بد من الطعام للاستمرار؛ باتوا سكّان قصور على أراض مصادرة، يمجّون الكوبيّ ويحتسون البلو لايبل بعدما باعونا! ألم ينبهك عقلك على هؤلاء؟ هل تعلم أن ثمن إعادة بعثك للصيغة التي ألقيت عليها ملامة المئتي ألف قتيل وال١٨ ألف مفقود في وطن مركّب ترقيعاً، ويعوم على رمال التعايش القسري، كان استمرار سياسة الترقيع والتسويات التي لطالمها مقتّها. تسوية طائف دخلتها القوات التي حلّيتها فكلّفتنا زمناً من عدم الرحمة، لا بالسلاح هذه المرّة، وإن تخللها تفجير كنيسة، بل بالحصار الماكن. زادوا عدد النواب من ١٠٨ إلى ١٢٨، فأضافوا ١٠ نواب مسيحيين في مناطق ذات غالبية مسلمة ليُضافوا إلى ال ١٠ المسلمين. مرسوم تجنيس طائفي أعادوا به عقارب حرب السنتين إلى الوراء، مصادرة أملاك المسيحيين في وسط العاصمة، قوانين انتخاب داعشية إرهابية، تماهٍ وتبادل مصالح وانبطاح للإحتلال، ثم انتفاضة عليه بعد رحيله، مع الإبقاء على قانون انتخابه لعام ٢٠٠٠ فقط لإبقاء قسمة المسيحيين موزّعة عليهم وعلى ذميي الميليشيات التي ربحت الحرب عبر الاحتلال.

كيف لم تنتبه؟ ما سر تلك اليد الممدودة دوماً للصلح، مقابل يدهم الممدودة دوماً للطعن والغدر؟ انتصرت في ٢٣ آب فتابع نصرك: أعلنها فيدرالية، إربح قضيتك، ودَع المقاطعات تجري في أعنّتها. دع الصيغة ترقد بسلام لنعيش نحن بسلام، فإذ بنا نعيش جحيم الحرب، وهي تسترق النظر علينا بضحكة سافرة من ثقوب لحدها.

كل ١٤ أيلول هكذا يترحّم عليك محبّوك. يُخفتون صوتك عن ذاكرتهم كي لا يسمعوا لازمة ال "١٠٤٥٢ كلم مربع" الرتيبة التي أنهكتنا من بعدك، ويجلسون يتأملون في وجهك، يُدمعون، ثم يجولون يفكّرون بهمومهم المُثقلة بلعن من سرقهم وراكب ديونهم وقاتلوا شركاءهم ببنادق العرب والسوڤيات.

كيف يستمرّ المرء؟ كيف يلملم بقايا حياته الغابرة، وهو يعلم يقيناً أنه لا عودة إلى الوراء. أثختنا الجراحات يا باش وأخذَت مأخذاً. التفلّت سيّد مجتمعنا، أجيالنا تنحو منحى اليسار الأعمى الخبيث، القوات من بعدك تقطع المناطق التي كنت تميسها يومياً إبان مقاومتك، باستجلاب دواعش وكوفيات.

ما تغيّر شيء من أيامك، الدولة دولة حيث نحن وحيث كنت، أما هناك فحدّث دون حرج...واللوم في بعضه عليك.

ساعة يشاؤون يمتشقون سلاحهم بإسم العيش المشترك: من كمائن عرسال وطرابلس وصهاريج عكار، إلى قبرشمون وغزوة مغدوشة. ساعة يشاؤون. هذه هي ضريبة العيش المشترك التي أصرّيت عليها وقتلتك بيدها تلك الرابعة والعشر دقائق، وكثر يحتفون.

يبقى أن نردد مع من رثى الشيخ نهاد الجميّل يوم انتقاله بعدك بسنتين:

"يا شيخ نُهاد من وَصِلتك قِلّو
للشيخ بشير ان فيك وَصِّلّو
رجعت العِلّة ورجَّعوا الطَنسا
والكلاب السود ما فلّو"