<
21 July 2021
الاستشارات في موعدها والتكليف على الطريق (حبيب البستاني)

ثمة حديث كثير ورهان كبير على ان لا استشارات في الافق وبالتالي لا تكليف في المدى المنظور وأن التأجيل سيكون سيد الموقف، كلها رهانات وتحليلات من نسج خيال وتمنيات بعض محرري نشرات الأخبار المسائية الذين يتحفوننا يومياً بمقدمات أخبار فيها من السجع والنق أكثر ما فيها من الخبر الموضوعي واليقين، وهذه المقدمات تذكرنا بأخبار جرائد بيروت زمن الستينات لا سيما في منشيتات صحف بعد الظهر التي كانت تشير إلى استقالة حكومة وتعيين أخرى، وجرائد سبق الخيل "هبت ومعليش ويا مين يطفي نارها"، وعندما تتصفح الجريدة لا تجد للخبر مكاناً إلا في العنوان. صحيح أننا نعيش ازمة إقتصادية ومالية غير مسبوقة، ولكن وبدلاً من البحث عن الأسباب والمسببات نكتفي بسرد النتائج والانعكاسات، مطلقين تنبؤات الانهيار والانفجار وكأن اللبناني مكتوب عليه ان يعيش نهاره لاهثاً وراء الدواء والغذاء والمحروقات، وأن يبدأ سهرته مسمراً أمام الشاشة الصغيرة مستمعاً إلى النعاوى والمبكيات من أفواه بعض المذيعين "لا فض فوهم"، وهو لا حول له ولا قوة.


فاين الحقيقة من كل ذلك وهل ما زال اللبناني قادرا على تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟
بعد اعتذار الحريري بعد تسعة اشهر من المراوحة والمماحكة السياسية والجولات المكوكية التي لم تعطي ثمراً ولم تطعم فقيراً أو تسقي عطشاناً، تنفس اللبنانيون الصعداء وعادت الحركة إلى المياه السياسية الراكدة، وقام فخامة رئيس الجمهورية انطلاقاً من دوره وواجباته الدستورية بتحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة الإثنين المقبل في 26 الجاري، ومنذ تلك اللحظة والتنظير ماشي والبحث عن رئيس مكلف ماشي، وهنالك حتى من استبق هذه الاستشارات ونتائجها، فالجميع بات يتقن فن التبصير والتبريج، رحم الله الزمن الذي كان يقال فيه " كذب المنجمون ولو صدقوا". وهكذا وبدلاً من الترحيب بقرار الرئاسة اصبح التشكيك والانتقاد سيد الموقف.


حسناً فعل فخامة الرئيس وذلك بغض النظر عن الاستشارات ونتائجها، فالاستشارات يجب ان تجرى في موعدها ولا مبرر للتأجيل، والكتل النيابية لديها كل الوقت لكي تكون جاهزة لإجراء المشاورات في ما بينها وتسمية مرشحيها، وعلى السادة النواب وكل المرجعيات التي تنادي وتقول علناً أن تشكيل الحكومة هو الممر الإلزامي للقيام بالإصلاحات ووضع وتنفيذ خطة للنهوض الاقتصادي أن تقرن القول بالفعل، وتقوم بالضغط والاتصال بالجميع لتمرير التكليف وتسهيل التشكيل.


مسحة تفاؤل
كل الدلائل تشير إلى أن الجميع بات أكثر من مقتنع بضرورة ولادة حكومة تلبي طموحات اللبنانيين كل اللبنانيين ويرضى عنها المجتع الدولي وتراعى فيها المساواة ووحدة المعايير بين كل المكونات وذلك بغض النظر عن عنوانها وعددها وطبيعتها، فلم يعد أحد من اللبنانيين مصراً على حكومة التكنوقراط أو السياسية أو المختلطة بقدر إصرارهم على ولادة "ألحكومة"، فوحدها "الحكومة" قادرة على مخاطبة صندوق النقد الدولي IMF والبنك الدولي World bank وكل الدول المانحة والبحث معها في خطة إقتصادية مالية تؤمن السيولة الضرورية لإنقاذ البلد وتؤمن استفادة لبنان من مؤتمر Cedre والهبات والقروض الميسرة.


أما حول موقف فخامة الرئيس فعنده من الحكمة وبعد النظر والخيارات الكثيرة التي من المبكر الحديث عنها في هذه العجالة من الاستشارات والتكليف، ففخامته الذي استطاع الإمساك بالوضع الأمني في ظل الفراغ الحكومي وفي ظل المخاطر والمخططات المحدقة بلبنان والتي تحدث عنها أكثر من مرجع داخلي وخارجي، باستطاعته الإمساك بالملفات الأقل خطورة ولو كانت هذه الملفات أكثر حساسية وأكثر تأثيراً على صحة المواطن وعيشه وحياته اليومية.


إن الأيام المقبلة ستثبت بما لا يقبل الشك أن الأمور ستسلك المسار السياسي الصحيح للمعالجة، وأن السبل الديمقراطية والدستورية هي الوحيدة الكفيلة بإنقاذ البلد، فخير ان تأتي عملية الإنقاذ متاخرة من ان لا تاتي أبداً.