<
12 January 2021
الأشرفية اليوم ودعّت مسعود الأشقر‎ بكل أسى..

ودّعت الأشرفيّة بكل أبنائها وأحزابها القائد المؤسس لوحدات الدفاع في القوات اللبنانيّة والأمين العام للإتحاد من أجل لبنان ونائب رئيس جامعة قدامى الحكمة مسعود الأشقر "بوسي" الذي انتقل إلى رحمته تعالى بعد صراع مع الكورونا. وقد انطلق موكب التشييع من مستشفى رزق الجامعي في الأشرفيّة، على وقع أجراس الكنائس، إلى ساحة ساسين التي رُفعت فيها صوره ولافتات تتذّكر بطولاته ونضاله من أجل لبنان وأٌطلقت الأسهم النارية. ثم توجّه الموكب إلى كنيسة السيدة وكرم الزيتون ومار متر، فمدرسة الحكمة التي عاش فيها طفولته وشبابه ولم ينقطع عن نشاطاتها يومًا، فكان في استقبال الجثمان في باحة المدرسة الخارجيّة وليّها رئيس أساقفة بيروت المطران بولس عبد الساتر يحيط به رئيس المدرسة الخوري شربل مسعد ولفيف من كهنة الأبرشيّة. وبعد الصلاة لراحة نفس الفقيد انطلق الموكب إلى ديك المحدي إلى كنيسة مار الياس حيث أُقيمت صلاة الجناز في باحة المدافن بحضور كريمات الفقيد رايسا وماريا وكريستينا والنائبين نيكولا صحناوي وإدي معلوف ونقيب المحامين ملحم خلف والقائد السابق للقوات اللبنانيّة الدكتور فؤاد أبو ناضر ورفاق الفقيد مارون بشعلاني وحنّا العتيق وإبراهيم حداد وإيلي أسود والقنصل وليد أبو سليمان وعدد من قدامى وحدات الدفاع ونائبة رئيس التيار الوطني الحرّ السيدة مي خريش ونائب رئيس حزب الوعد طوني نعمه. وأعضاء الإتحاد من أجل لبنان. ووُضعت أمام النعش أكليل بإسم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل ورئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل ومدرسة الحكمة ورابطة القدامى فيها. وترأس الأب أنطوان الأشقر يحيط به كهنة الرعيّة تقدّمهم الأب إميل هاني الذي ألقى عظة تحدّث فيها عن مسعود الأشقر ونضاله من أجل لبنان، وقال:(...) إنه الرجل الإنساني الذي لا يتكرر. هو ابن الإيمان بدرجة أولى ولم يعش انقسامًا بين إيمانه بربه وعلاقته به وبين حياته السياسية والإجتماعية والوطنية. وهذا الإيمان تربى عليه على يد والده الدكتور جوزف الذي تشهد المستشفى اللبناني- الجعيتاوي على أفضاله، وعلى يد والدة كانت العضو المؤسس للصليب الأحمر اللبناني وكان بخدمة هذه المؤسسة لنصف قرن. إيمانه عاشه في حياته اليومية وفي التزامه الوطني والسياسي وفي كل موقف أو حدث عاشه. ونقل هذا الإيمان والإندفاع والمحبة لزوجته وقد أثمر زواجهما أربع بنات ربياهن على النهج الإيماني والوطني.
هو الذي رافق الرئيس الشهيد بشير الجميل وأسّس معه القوات اللبنانية وأنشأ أول وحدة قتالية عالية الإحتراف وتبّنى شعار"الأشرفية البداية"، ودافع بكل ما اتاه الله من قوة وحكمة عن لبنان ال 10452 كلم مربع. وعشق الأشرفية وشوارعها وأهلها، لا سيما الضعفاء والمهمشين والمظلومين. وابى أن تسقط الأشرفية في حرب المئة يوم بأيدي الغريب، وظلت هذه المنطقة تسري كالدم في عروقه. وحين شعر بانقسام الصف الحزبي والسياسي، لم يسمح لنفسه أن يوّجه سلاحه بوجه أخاه، فقرر الإستمرار بالمسيرة، لكن بنهج الحوار والإنفتاح والشراكة مع الآخر من أجل لبنان(...).
وقال الأب هاني: قاتل كل غريب حاول وضع يده على لبنان ولم يكن قاتلًا لشريكه في الوطن أو لاغيًا لأي رأي مختلف عن رأيه، فظل بذلك وفيًا، ثابتًا على مواقفه ملتزمًا بالقضية، فارضًا احترامه حيث ما حلّ.
عاش حياته كلها من أجل خدمة الإنسان. هو الذي لم يغلق بابًا أمام أي سائل أو محتاج. لم يقبل أن يرى إنسانًا جائعًا أو عطشانًا، ولا غريبًا أو مشرّدًا ولا عريانًا ولا مريضًا ولا سجينًا، إلا ما رفع قضيته عاليًا للدفاع عنه. يعرف كل شخص باسمه ولم يُذكر أن أحدًا قصده ورُد خائبًا. هل ننسى زياراته لأهالي المخطوفين في السجون السورية مع المرحوم غازي عاد وسعيه لبلسمة قلوب أهلهم. هل ننسى زياراته لجرحى والمعوقين بسبب الحرب؟ مسعود لم ينسَ شهادء الحرب الأبرار الذين استشدوا ليبقى لبنان. من ينسى سنكسار الشهداء الذي كان يضعه على صفحة التواصل الإجتماعي الخاصة به، مستذكرًا اسم الشهيد ومكان وزمان استشهاده؟ لا لن ننسى هذا المقاوم الذي قاوم بروح ايجابية وبنظرة إلى المستقبل والآمانة للتاريخ. هو الذي قال: لن نقبل أن يُزّور التاريخ. هو الذي آمن بلبنان وسيادته وإستقلاله ودافع عنه وهو الذي أدّى ولاءه للجيش اللبناني من دون سواه، ووضع نفسه بتصرفه في أحلك الظروف وأقساها. هو بطل بكل للكلمة من معنى، وقد سطّر تاريخ حياته ببطولات الشرف والنزاهة والصدق والإخلاص ونظافة الكف، ولم يلوث يديه بدم بريء. وهو المدافع الصلب عن الشرعية ولم يساوم على كرامة لبنان ووحدته واستقلاله ووضع مصلحة لبنان فوق أي مصلحة وفق ما جاء في كلمة نعي فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمسعود الأشقر. رصيده ليس بالمال، بل بالمحبة التي أظهرها وعاشها مع أهله وأهل الأشرفية الذين كونوا عائلته الكبرى والتي سهر عليها وعلى حاجاتها وفرح مع الفرحين وحزن مع المحزونين(...). وعملًا بقول السيد المسيح : ما من حبّ أعظم في أن يبذل الإنسان نفسه من أجل أحبائه. وهم قد بادلوه هذه المحبة بالصلوات والتضرعات والطلبات وإضاءة الشموع على نيته. وهو اليوم يتابع سهره على كل محبيه من عليائه، حيث لا وجع ولا بكاء ولا تنهد، بل أفراح وسعادة أبدية(...).
كلمة العائلة
ثم ألقت رايسا الأشقر كريمة الفقيد كلمة العائلة تحدثت فيها، عن والدها ومدى حبه للوطن والإنسان والعائلة، وقالت: كلمتها كتبتها مع شقيقاتي ليوم وداع والدنا. وله نقول صعب علينا كثيرًا أن نودّعك، لأنك لم تغب عنّا يومًا منذ طفولتنا الجميلة التي قضيناها معًا بين منزل جدينا في مار نقولا ومنزلنا، في أجواء من الفرح والمحبة. إبتسامتك لم تفارق وجهك عندما ترانا، كذلك حنانك وعاطفتك. عندما تركنا لبنان لم تبتعد عنّا يومًا. وتسألنا عن أحوالنا وعن حاجاتنا.
جئنا نوّدعك اليوم لأننا لن نراك في هذه الدنيا تقود سيارتك في طرقات الأشرفية، ولن نصحو ونسمع صوتك تغني وملأ البيت فرحًا.
نعد بابا، أن نبقى ماريا وكريستينا وناي وأنا مع والدتنا وعمنا نبيل وعائلة عمنا مارون متضامنين ومتكاتفين بكل مسيرة حياتنا التي أنت ستقودها من عليائك وأنت ستكون في قلبها، لأنك أنت المثل الحي الذي سيبقى في ضميرنا كل حياتنا.
بابا، عند الساعة السادسة من صباح أمس توّقف قلبك عليك أن تعرف أنك أنت ستبقى النبض الذي يحرّك قلوبنا على مدى الأيام والسنوات.
نحن نشهد اليوم أننا لسنا نحن من خسر الأب، بل تأكد لنا منذ دخولك المستشفى وما قيل عنك وعن نضالك في المقاومة اللبنانيّة للدفاع عن الوطن والإنسان، آلاف من الناس خسروا بفقدك الآمان وفقدوا الطمأنينة بغياب الإنسان الذي حافظ على كرامة الناس ورفع همومهم ومشاكلهم فوق كل اعتبار آخر.

والشباب يا بيي، هل ننساهم؟ طبعًا، لا هم جزء من حياتنا. منذ كنّ صغيرات عشن مع الشباب، كبرن نحن وهم ما زالوا شبابًا. هم يبكون معنا اليوم ويتساءلون: لماذا تركتنا يا بوسي؟ الشباب الذين لم يتركوك يومًا، يعرفون أنك لن تتركم.
وقال رايسا: بوسي، مسعود، الريس، المعلم. المعلم هكذا عمي نبيل يحب أن يناديك. لأنه كان يعتبر أنك معلم محبة وتقدير على الرغم من أنك شقيقه الأصغر.
بابا، أنت رحت وعليك أن ترتاح ويرتاح بالك، لأن في البيت لدينا سند آخر، صلب وقوي ونعتمد لنتابع مسيرتك، هذا السند الآخر هي رفيقة دربك منذ 45 سنة التي أمضت أجمل أيام حياتها معك. أنت كنت قلبها وكل شيئ في حياتها. كانت إلى جانبك في الأيام الصعبة وشاركتك الإيام الجميلة. إطمئن أن الوالدة ستؤّمن الإستمرارية لنبقى كما أنت تريد أن نبقى.
بابا، نحبك وبدأنا نشتاق إليك. أنت فخرنا ونحن نحمل اسمك الذي سيظل رافعًا رأسنا في كل حياتنا. وسنتابع المشوار كما علمتنا، أن نعيش بثبات وتواضع واحترام الآخر. نيالنا يا بابا بهكذا أب.