<
10 December 2020
كتاب مفتوح إلى دولة رئيس مجلس الوزراء المستقيل الدكتور حسان دياب (بقلم جورج عبيد)

بقلم جورج عبيد -

"لساني قلم كاتب سريع الكتابة”
(داود النبيّ)
دولة الرئيس
تجمعني بك محبة الكلمة. "صادقة هي الكلمة". وصدقها وبهاؤها متجلّ من كونها لا تعرف الزنى والدجل والالتواء، لأنها ببساطة صادقة، والصدق وليد الحقّ والكلمة تقيم في الحقّ أو الحقّ يبيح ولادتها كثيفة الضياء لمن شاء أن يحيا في النور ويتجلّى به في كلّ ما ابنلج وينبلج من رؤى خيّرة ونافعة.
أمام هذه البلوريّة، ليس لي سوى أن أخاطبك في لحظات متوحّشة تفتك ببلدنا بل بالمنطقة المشرقيّة بأسرها. ونظامنا السياسيّ بالإضافة إلى واقعنا الاجتماعيّ والاقتصادي الفوضويّ، قد أمسى شبه جثّة. فهو في تشخيص مخبريّ دقيق دخل في غيبوبة عبثيّة تجعله مشرفًا على النهاية العدميّة فيما الخيارات أمامنا معدومة بالمطلق,
يا سيدي،
لا شكّ أنّك إن أجريت تشخيصًا دقيقًا ومتجرّدًا، لكنت قاربت هذا المشهد بثورة إصلاحيّة مع حكومتك لا تتسربل سوى الحقّ، وتضرب بيد من حديد مكامن الفساد، وتسلخه عن جذوره، وترنو بها إلى كشف الفاسدين مهما علا كعبهم. من المؤسف يا دولة الرئيس، أنّ بعضهم يرفع أمامك عصا الفتنة، بحجّة أننا إذا مسسنا بأحدخم من طواغيت المال وحيتانه وغيلان المصالح، ومصاصي الدماء الطائرين في فضاء نظامنا وفلك حياتنا، ستسفك الدماء وتسيل حتى الركب. إنهم يدفعوننا نحو تهويل نفسيّ، بل قل نحو حرب نفسيّة يحوّلونها لغطاء عازل، ويحتاطون في داخلها مما هو أسوأ لهم، وينطلقون بهجوم استباقيّ وربّما لم ينتبهوا أنهم، وبهذا الهجوم عينًا، يدينون أنفسهم، أو يسمحون للناس بالإشارة إليهم بالإصبع أكثر من ذي قبل كأرباب للفساد.
معركتك يا دولة الرئيس، أنت وحكومتك، ليست مع الناس البسطاء الطيبين المشرفين على جوع عميم، والمكتوين من غلاء فاحش، لكي تأتيَ وببساطة وتقوم "بعملية جراحيّة" ملتبسة عنوانها وببساطة ترشيد الدعم أو ترشيقه. من أقنعك ودفعك نحو هذا الخيار إنما حفر للبلد قبرًا وسفك دم العهد ومزّق شرايينه، ويحاول أحراق هامتك العزيزة في محطّات يشتهيها الخصوم لك وللعهد ولا نشتهيها بل نرفضها ونأباها بقوّة وبشدّة.
معركتك بالدرجة الأولى مع تلك الطبقة السياسيّة الفاسدة، ودعني أقول ومن دون وجل أو خجل مع حريريّة سياسيّة سلبت وسط بيروت من أهلها الأصليين والأصيلين الطيبين وحولتها إلى شركة عقارية ولم تدفع إلى الآن ما يتوجب عليها من ضرائب للدولة، وقد حوت في قصورها الوهمية جميع البركنزيين (نسبة لجون بركنز الضابط الأبرز في وكالة المخابرات الأميركيّة) أي جميع القتلة الاقتصاديين، الذين ومنذ سنة 1992 أطاحوا باقتصادنا المنتج لمصلحة الاقتصاد الريعيّ، وحوّلوا بلدنا إلى شبه بلد متسوّل ومتوسّل يتسكّع على أعتاب المؤتمرات لينال هبة أو قرضًا، ويرزح تحت تراكم القروض.
معركتك بالدرجة ذاتها مع طبقة سياسيّة بفسادها وإفسادها سلبت مالية الدولة وتقاسمتها من باب تلاقي المصالح النتنة فيما بينها على حساب طبقة وسطى كانت رحمًا ومشتلاً لكلّ إبداع وإنتاج، فانساب السياسيون في وسطها وسيّسوها فأفقروها حتى الحضيض.
معركتك يا دولة الرئيس أنت وحكومتك مع أصحاب المصارف وخلفهم حاكم مصرف لبنان، الذين تحوّلوا إلى أذرع في حرب أميركيّة تشنّ بصورة مباشرة على لبنان واللبنانيين، مستخدمة ودائع اللبنانيين وقيمتها 180 مليار دولار أميركيّ سلاحًا من باب تهريبها إلى الخارج. إنها عملية سلب لم يحدث مثلها في التاريخ اللبنانيّ القديم والمعاصر والحديث. أتعاب اللبنانيين وجنى أعمالهم وجهاداتهم تسرق (على عينك يا تاجر) ليبدو من يملك المئة مليون دولار كما يملك المليون، ومن يملك المليون كمن يملك المئة ألف، ومن يملك المئة ألف كمن يملك العشرة آلاف، ومن يملك العشرة آلاف كمن يملك الألف، ومن يملك الألف كمن يملك لا شيء... لقد مهّدوا لتلك اللحظة القاتلة بمجموعة إجراءات سأدلّك على بعضها وهي التالية:
1-سندات الخزينة: لقد كان استهلاك هذا العنوان مريبًا. فقد تبيّن بأن تلك السندات كانت الفخّ الخطير الماليّ الذي نصب للبنان، وكان بدوره المنطلق الأساسيّ للسلب. في تعاميم مصرف لبنان يا دولة الرئيس يتيبيّن لمن قرأها كيف تمّت عملية النهب الكبرى من خلال رفع نسب الفوائد على السندات. فهل يعقل يا دولة الرئيس لمن وظّف 1000 دولار أميركيّ في سندات الخزينة بأن يقبضها بعد سنتين أو ثلاث سنوات بحدود 60000 دولار أميركيّ بفائدة قدرها ستون بالمئة؟؟؟!!! لا أعرف يا دولة الرئيس تضخّمًا خطيرًا بهذا الحجم في جوهر التوظيف والاكتتاب. وفي أحد التعاميم الصادرة عن المصرف رقمها 5655/94 تضمّن:
• تخفيض نسبة الاكتتاب بسندات الخزينة الماديّة بحيث تصبح 40% بدلاً من 60%.
• يعدّل سقف التسليفات بالعملات الأجنبيّة مسبة إلى الودائع بالعملات الأجنبيّة بحيث تصبح 60% بدلاً من 50%. (هذا التعميم صدر بتاريخ 27/08/1994، ثمّ ألغي بموجب التعميم رقم 79/1506).
من أين أتى حاكم مصرف لبنان السيد رياض سلامة بهذا التعميم لو لم يكن منسّقًا بينه وبين الرئيس رفيق الحريري آنذاك وسائر الشركاء الذين استفادوا من اندراج سندات الخزينة في حياتنا السياسيّة والماليّة ويدفعوننا لدفع ثمن هذا الاندراج من عرقنا وتعبنا فيما "الأرباب" جلسوا على أرائك مخمليّة مركّزة على فقر الناس ومبنيّة عليها. تفاعلت الطبقة السياسيّة مع هذه المسألة وحين أتى يوم الحساب ليدفع لبنان دفع به إلى العقاب جورًا لخطايا مالية لم يرتكبها، بل لخطايا ارتبطت بموبقات تلك الطبقة شريكة حاكم مصرف لبنان وقطاع المصارف والصرّافين في لبنان.
2-الكذب الذي يمارسه حاكم مصرف لبنان حول موجودات مصرف لبنان الماليّة من احتياط أو أموال ثابتة. أنا أجيء يا دولة الرئيس من مدرسة الإمام الغزاليّ في بعض من نواحيها القائل بأنّ الشكّ طريق إلى اليقين، واليقين هو نور الحقّ. من حقّي أن أخلع عني في معرض هذا الكتاب، الأسئلة الكلاسيكيّة المعتمدة عن الكثيرين، وألفظ أنماط المواربة الهشّة المنتمية إلى هذا الملفّ، لأطرح عليكم السؤال التالي: هل أنتم على علم دقيق بموجودات المصرف حتى اتجهتم إلى ترشيد الإنفاق، وبحال أقمتم واستقريّتم في اليقين فما هي منهجيّة استقراركم وإقامتكم؟ هل مصرف لبنان عن طريق حاكمه قدّم لكم كشف حساب شفّاف أو أنه لا يزال يعتمد الالتواء والاحتجاب خلف ضباب الوهم؟
إسمح لي هنا وبكلّ رحابة بأن أقول لدولتك بأنّ سياستكم مشوبة بمغالطات فادحة يبدو أنكم لم تقوموا بتصحيحها. سأفترض يا دكتور حسّان بأنّ رياض سلامة أوهمكم أو أقنعكم (عندي سيّان) بأنّ مصرف لبنان لم يعد لديه الأموال الكافية ولا حتّى الاحتياط فما هو الإثبات على صحّة زعمه؟ إلى الآن لم يصدر المصرف المركزيّ بيانًا يكشف فيه حجم السيولة السارية في صندوق المصرف المركزيّ وما هي قدرة المصرف على التحكّم بها؟ ما نسمعه دومًا بأن المصرف المركزيّ لم يعد لديه الاحتياطيّ، حتى تشرعوا وتسرعوا في رفع الدعم أو ترشيده، فأين هو الإثبات؟ دلني يا دولة الرئيس على الإثبات بربّك؟
يا دولة الرئيس ليس عندك سوى طريقة واحدة ووحيدة للشروع نحو المعرفة الكاملة حول الأموال الموجودة في حوزة المصرف هو التشريح الجنائيّForensic oddity حيث إئتلفت الطبقة السياسيّة للضغط عليها داخليًّا تحت ستار السريّة المصرفيّة حتى لا يتمّ الكشف والاكتشاف... ثمّ جاء الضغط الأميركيّ للقضاء على مسعاها في الكشف والاكتشاف. لن يكون بمقدوركم يا دولة الرئيس معرفة الأرقام الحقيقيّة والأموال الموجودة في مصرف لبنان من دون التأكيد على مبدأ التدقيق الجنائيّ، ففي حال ثبت (وهذا مشكوك فيه) الشحّ في المصرف عندها تنفتح السبل الممكنة لحلّ مسألة الدعم من دون المساس بلقمة الناس. لم يعد حاكم مصرف لبنان وأنت شخصيًّا قد واجهته مصدر ثقة يا دولة الرئيس. ولذلك فإنّ قرار رفع الدعم أو ترشيده بكلّ ما للكلمة من معنى خاطئ بالكليّة.
3-أخذ لبنان إلى وصاية اقتصاديّة وماليّة ضمن ما يسمّى صندوق النقد الدوليّ: يا دولة الرئيس هل دققتم قليلاً بهويّة صندوق النقد الدوليّ IMF، الذي يدفعنا إلى رفع الدعم عن المواد الاستهلاكيّة اليوميّة والمازوت والبنزين. قبل الغوص في هوية الصندوق لا بدّ من الإضاءة بعض الشيء على هوية رياض سلامة المهنية. هذا الرجل كان يعمل في مؤسسة الميريلانش وهي شركة ماليّة تابعة لما يسمى Bank of America أو هي جزء منه. والصندوق النقد الدوليّ IMF صنيعة شركة روتشيلد وهي مجلس إدارة لما يسمى World central bank governors في العالم ورياض سلامة عضو فيه. هذه الأضلع بالإضافة إلى منظمة الصحة العالميّة التي تجعلونها مرجعًا سليمًا هي المكوّنة للنظام العالميّ الجديد New world order، ومهمتها كلّها إخضاع الدول عبر ممارسة القتل الاقتصاديّ لأنظمتها وتكوينها، واستهلاك هذا الوباء بفتكه يفصل بين نظام عالميّ قديم وآخر جديد.
إنّ اتجاهكم يا دولة الرئيس نحو رفع الدعم سيجعل الوضع وببساطة ثقيلاً ومريرًا وسيدفع إلى:
• تمييز طبقيّ بين غنيّ وفقير. وهذا أقصى وأقسى ما يمكن أن يدمّر إنسانيّة الإنسان مع تدمير كرامته وقيمه.
• تعزيز سيادة الأثرياء على الفقراء بلا رحمة، ذلك أنّ رفع الدعم لن يؤلمهم بقدر ما سيؤلم الفقراء، وسينهي الطبقة الوسطى بشكل نهائيّ وهي مصدر الأمان للبلد.
• قتل الفقراء ورميهم في أقبية الليل، والقتل يبدأ بالإذلال عن طريق البطاقة التموينيّة.
• دفع الناس إلى فوض اجتماعيّة عارمة وعامرة، ستؤول بكلّ أسف إلى ثورة جياع، قد تندلع بكلّ ثقلها لتدمّر كلّ شيء فيستسلم لبنان بالنهابة إلى وصاية الصندوق، وقد تستثمر تلك الفوضى باتجاه فتنة موضّبة للبنان تشوبها موجات من العنف المجانيّ للقبول في النهاية بالتطبيع مع إسرائيل والدخول في النظام العالميّ الجديد.
هل ستقبل يا دولة الرئيس بأن يقال بأن الدكتور حسان دياب الرجل الشفاف والجريء خضع لشروط قاتلة للبنان ومبطلة لجوهره ومخضعة لجوهر عيشه الكريم؟ أنا أربأ يا دولة الرئيس وأنا من عرف ميّزاتك من خلال أصدقاء مشتركين أحبّاء أن تكون قد اندرجت في الخطوط المرسومة للبنان ومنها مسألة الكوفيد-19.
إسمح لي وفي نهاية هذا الكتاب المفتوح بأن أشير وألفت نظرك الكريم، بأن إغلاق المؤسسات والتعبئة العامّة لم تنتج سوى الخراب، وهو عنوان من عناوين نظريّة المؤامرة Conspiracy theory التي كان المغفور له غسان تويني يسخر من القائلين بها، وقد ثبتت موجوديّتها في الحرب الأخيرة على سوريا وقبلها على لبنان. لا يمكن أن تغفل بأن هنري كيسنجر اعترف سنة 1975 خلال الحرب اللبنانية بموجوديتها والأميركيون يستعملونها ويستطيبونها لتعزيز مصالحهم وترسيخها في العالم. الخراب الذي حلّ علينا قتل تاريخنا، محاه وفتح الطريق نحو تاريخ مجهول.
أمران أخلص نحوهما، وأناشدك لاعتمداهما:
1-لا تلجأ على الإطلاق إلى رفع الدعم أو ترشيده في ظرف بات نظامك الاقتصاديّ ممزّقًا ولا تسمح لحاكم مصرف لبنان بجلبنا نحو أوهام كاذبة. إعتمد وبقوة التدقيق الجنائيّ وعلى قراره يبنى المقتضى.
2-أوقف منع التجوّل بربّك. هذا شهر للأمل للرجاء، تريد الناس أن تتنفّس الصعداء. لقد وعدتموهم بعودة الحياة إلى طبيعتها في آخر تشرين الثاني، وإذ بوزير الداخليّة مصمّم إلى جانب وزير الصحّة على استمراره ومنع التجوّل عند الساعة الحادية عشرة. هل تريدون يا دولة الرئيس إنقاذ الناس، أوقفوا منع التجوّل واتركوها تعيش، الحياة مصدر القوة والمناعة والمواجهة. ولا يمكن بعد الآن الرزوح في الحجور أو الجحور، وكأنّ المنازل تحوّلت إلى جحور للموت للأسف.
صادقة هي الكلمة، وما قلته نابع من من الصدق تجاه نفسي وتجاه الناس والتاريخ والمحبة لوطني لبنان الذي يبقى في حياتي عطية الله المباركة وفوق كلّ اعتبار.
والسلام.