<
21 November 2020
ليس من حكومة مقبلة، ورفع سعر صرف الدولار داخليّ بهدف الضغط والتأليب (جورج عبيد)

لن تكون لنا حكومة في المدى القريب المنظور. بهذه الجملة حسم مصدر سياسيّ كبير الوضع الحاليّ، وكشف بأنّ سعد الحريري لا يعيش لحظات الضغط، بل يعيش نشوة واضحة باتكائه على الدور الأميركيّ المديد في المتجدّد في لبنان، وتماهي الفرنسيين من جديد بهذا الدور مهمٍلين الورقة الإصلاحيّة التي قدّموها، ومتراجعين عن المساعي التي بذلوها، ومتناسين التوهّج الإيجابيّ الشفاف بين الإليزيه وحزب الله.

وقد اعتبر المصدر المذكور بأنّ نمطيّة التحوّل الفرنسيّ، ظهرت وبوضوح تام، من خلال زيارة باتريك دوريل إلى بيروت والارتباك في التصاريح التي تباينت ما بين بعبدا وعين التينة وحارة حريك، وفي بيت الوسط حيث كشف عن حقيقة الارتباك بتأكيده على أطروحة الحريري بأن تكون الحكومة حكومة اختصاص وليس فيها سياسيين، اي خالية من الثنائيّة المسيحيّة-الشيعيّة إذا ساغ التوصيف المتكاملة ما بين التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله.
كلام المصدر السياسيّ الحاسم، يشكف وبلا التباس، كم أنّ الأميركيين وبإدارة دونالد ترامب المؤلّفة من مايك بومبيو وديفيد شينكر ودوروثي شيا، ممعنون وقبل نهاية ولاية ترامب في 20 كانون الثاني من السنة الجديدة 2021، للعب الأوراق الأخيرة من فصل ولاية تنتهي على حساب بلد يظنّون أنه سيتلاشى إلى الأبد في قبضتهم بعقوباتهم أو بمحاولة التهويل بعقوبات أخرى، في حين أنّ الفرنسيين إذا ما صدقوا في التقييم مدركون بأنّ اللعبة باتت في مراحلها الأخيرة، بالانكشاف الواضح والظاهر عند أربابها، الذين خرجوا من ورقتهم وباتوا من جديد جزءًا الدور الأميركيّ ورؤيته متفاعلين معها بتحليل واقع الحكومة من الزاوية الأميركيّة الرافضة لوجود حزب الله فيها.


تشي بعض المعلومات، بأنّ الأميركيين ومن بعد تقديم الرئيس المكلّف السابق مصطفى أديب اعتذاره، جنّدوا من جديد أذرعتهم المالية والاقتصادية والسياسيّة، وركّزوا في:
• رفع سعر صرف الدولار بصورة تدريجيّة ليبلغ أكثر من عشرة آلاف ليرة لبنانيّة.
• منع ترشيح أي شخصيّة سنيّة باستثناء سعد الحريري.
• حشر العهد وحزب الله بالترشيح الأوحد لسعد الحريري.
• إعادة الينابيع طيبة بين سعد الحريري ونبيه برّي كرافعة لإعادة تسميته من جديد رئيسًا للحكومة.
• تجنيد البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الراعي ليكون الغطاء الروحيّ في دعم سعد الحريري.
• الضغط على الفرنسيين، وبقوّة لكي يتخلّوا عن مسألة توزير من يقترحه حزب الله في الحكومة، ولم يعن لهم أن يكون للرئيس نبيه برّي وزير.
• استغلال الكورونا بإغلاق كان محتملاً للمصارف بوجه الناس ممّا يدفعهم إلى الثورة من جديد، فتنطلق المنظمات التابعة لهم من جديد إلى الشارع لتؤجّجه وتدفعه نحو الفوضى الخلاّقة كمحاولة واضحة لإحداث الفتن.
• إستهلاك العقوبة على جبران باسيل ضمن سياق فتنويّ-بنيويّ تحشر فيه الساحة المسيحيّة، وتصبّ بدورها في مفاعيل الفوضى الخلاّقة المطلوبة في لبنان قبل تأمين الانسحاب الأميركيّ من المنطقة.
• استبقاء قانون ماغنيسكي مسلّطًا على الواقع اللبنانيّ بالإضافة إلى قانون قيصر المسلّط على الواقع السوريّ. القانونان أوجدهما الأميركيون في حر واحدة وموحّدة على لبنان وسوريا معًا.
ماذا يريد الأميركيون من لبنان؟
يريد الأميركيون أمرين:
1-يريدون الحفاظ على مكاسب إسرائيل في العالم العربيّ، وقد أمّنوها بالتطبيع بين الخليج العربيّ وإسرائيل. في لبنان يريدون تأمين مصالح إسرائيل من الغاز والنفط والاستثمار بواسطة شركاتهم في التنقيب.


2-يريدون تطويق حزب الله والعهد بدفع الناس باتجاه الثورة عليهما واتهامهما بالتجويع والإفقار، وذاك من عدّة الحرب التي شنتها أميركا على لبنان منذ صيف سنة 2019 وكانت قمتها في مسألة قبرشمون و17 تشرين الأول من السنة عينها.


تلك الإرادتان يبوّب لهما بالعقوبات المسلط سيفها على شخصيات ارتضت أن يكون لها وجه ثابت وراسخ أبرزها على الإطلاق جبران باسيل. ويزدوج مسرى العقوبات بسلوكيات ضاغطة ومجرمة بتكوينها كمثل اللعب بسعر صرف الدولار وارتفاع الأسعار بصورة وحشيّة وحجب الأدوية من جديد عن المرضى وادّعاء المستشفيات خلوّها من الأسرّة وقد فهمنا بأنّ المال متى حضر حضرت الغرفة بدورها.


وقبل تفنيد السلوكيات لا بدّ من الإشارة بأنّ باتريك دوريل لم يكن على الإطلاق أمينًا على الورقة الماكرونيّة، بل التفّ عليها مع سعد الحريري التفافًا جليًّا، وتظهر بعض المعلومات بأنّ الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون استعاد تجربة سلفه جاك شيراك مع رفيق الحريري ولكن بطريقة مختلفة. فقد دخل مباشرة على خطّ مؤتمر سيدر، وقرّر دعم الرئيس الحريري في مطالبه متخليُّا عن ورقته، مقابل أن تعود نتائج المؤتمر على الرئيس الحريري بصورة مباشرة وعليه هو أيضًا. إذا صحّت تلك المعلومة وهي على ما يبدو مؤكّدة، فإنّ الرئيس ماكرون يكون قد مكر واستغلّ انفجار مرفأ بيروت ضمن مبدأ الاستفادة الذاتية بالشراكة مع سعد الحريري.


هذا الاتفاق الضمنيّ يؤكّد تصلّب سعد في عدم تقديم اعتذاره واستبقاء ورقة التكليف في حوزته. ويؤكّد في الوقت عينه بأنّه مستند على العقوبات الأميركيّة بوجه جبران باسيل ليعمل على منع وصوله إلى السلطة، ومنع تمثيل التيار الوطنيّ الحرّ والعهد.
ما هي الآليات المتبعة ومن هم الداعمون لسعد؟
أهمّ آلية متّبعة ومستندة إلى الضغط الأميركيّ رفع سعر صرف الدولار. تؤكّد مصادر مطلعة بأنّ ارتفاع سغر صرف الدولار غير خاضع لمسألة الطلب عليه، بل يعبث به فريق مؤلّف من: الرئيس نبيه برّي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الصرافين وهم يتحركون بمعظمهم بإشارة من الرئيس برّي، لا سيّما في السوق السوداء. خير مثال ودليل على ذلك، أنّه لما استعفى مصطفى أديب من التكليف ارتفع الدولار من ال7200 ل.ل إلى 9800 ل.ل. هذا الارتفاع كان بمثابة ضغط وتهديد حتى يرضخ رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون لتكليف الرئيس سعد الحريري. وكان الرئيس برّي المناضل الأكبر في عودة سعد وترشحه. حين ترشّح سعد وكشف ذلك تلفزيونيًّا، ثمّ تم تكليفه لتأليف الحكمة، انخفض سعر صرف الدولار ليبلغ 6200 ل.ل.
في تلك المرحلة تعدّدت الروايات حول الأسباب الموجبة، فاحتار الناس في الأمر، وبعضهم فرح وظنّ أن عودة الحريري ستعيد النشاط الاقتصاديّ والماليّ، إلى أن تبيّن بأن الرئيس برّي وشركاءه يمارسون سياسة الترهيب والترغيب، وسياسة تحفيز الناس للتضامن مع سعد وتأييده، وخلق موجة عارمة وعامرة بوجه رئيس الجمهوريّة فتظهره فاشلاً في إيجاد الحلّ لتلك المسألة بالذات.


دخل الأميركيون على الخطّ الفرنسيّ، وثبتوا عقوباتهم على جبران باسيل. لم ينبثّ برّي والحريري والراعي... ببنت شفة. بل شمتوا وبعضهم فرح حتى السكر. تصلّب الحريري في رفض الميثاقيّة ضمن مبدأ تلاقي الوجدانات الطائفيّة، فعاد إلى سياسة أبيه ضمن مبدأ ما رفضه إيلي الفرزلي نائب رئيس المجلس النيابيّ في نضال مرير تشاركنا به، أي استيلاد المسيحيين في كنفه استئثاره بقرار تعيينهم.. وهذا هو عنوان النزاع بينه وبين الرئيس ميشال عون.
أمام تدحرج هذا المشهد، ورسوخ الثنائيّة المتوثّبة بين التيار الوطنيّ الحر وحزب الله، حمل الرئيس برّي عصاه بيمناه وأعطى الإشارة إلى الصرافين، ومعه حاكم مصرف لبنان، بالبدء برفع سعر صرف الدولار ليصل اليوم إلى 8250 ل.ل، وهو مرشّح إلى التصاعد من جديد. بإزاء ذلك، جاهد برّي أيضًا لكي يلتفّ على شركةAlvarez & marshal بواسطة وزيره غازي وزني، حتّى أخذت القرار بالانسحاب من التحقيق الجنائيّ، وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رفض الإجابة عن أسئلتها بحجة السريّة المصرفيّة فيما هذا المبدأ الذي رسّخه المغفور له ريمون إدّة لم يهدف إلى نزعها عن مقتنيات الدولة اللبنانيّة بل عن الأفراد المودعين فقط. تجدر الإشارة إلى أن كل ذلك يتمّ تحت الرضى الأميركيّ ورعاية دوروثي شيا.
يبقى في الختام، بأنّ المواجهة ستقوى وتشتدّ. ومهما يكن من أمر، فإن حزب الله مدعوّ للانطلاق مع رئيس الجمهورية ودعمه في المعركة ضدّ الفساد، وضدّ النميمة التي يعتمدها أحدهم من الداخل في أميركا بوجه اللواء الشريف عباس إبراهيم مدير عام الأمن العام، علمًا بأنّ جزءًا من التهديد بالعقوبات مرتبط بترسيم الحدود مع إسرائيل.


لقد بدأ فخامته المعركة برسوخ أكيد. وانسحاب شركة التدقيق فضح الرئيس برّي وشركاءه. لقد بات ارتسمت الخشية على المتضرّرين، وهم يقفون خلف سعد الحريري في معركة التأليف، ونقيب الصيادلة كما مستوردي الأدوية يتصرفون بدورهم بالتنسيق مع دولته.
تختم المصادر بالتالي:
أمام العهد خطوتان:
1-الخطوة الأولى التشهير بكل من يلعب بلقمة المواطنين واللعب بسعر صرف الدولار بالإسم وقلب الطاولة على رؤوسهم مهما كلّف الأمر. أحقر ما في الحياة اللعب بها من سفلة لا همّ لهم سوى الاستواء على عروش مخمليّة حتى ولو استقرّت على جوع الناس وعوزهم وفاقتهم وفقرهم وأمراضهم، وعلى جماجم رماها الجوع في ظلام الليل. إن لم يتمّ التشهير بهم فالمأزق سقود للصدام ولات ساعة مندم.
2-الخطوة الثانية التوجّه شرقًا. لا خلاص لنا إلاّ به. بدء التوجّه يكون نحو سوريا والعراق وصولاً إلى الصين. إلاّ أن المسرى الدمشقيّ يبقى الأقوى والأفعل في تلك الظروف، وفتح الحدود مع سوريا حاجة استراتيجيّة ليعود النازحون ونبدا حركة الترانزيت مع التذكير بأنّ الشاحنات السعوديّة عبرت الأراضي السورية نحو العراق ومنه إلى السعودية حيث فتحت الحدود بينهما بعد 29 سنة من الإغلاق، وتلك إشارة هامّة يعوّل عليها كثيرًا في المراحل المقبلة في الانفتاح السعوديّ على دمشق المرجوّ والمنتظر وفيه خلاص لنا جميعًا إذا ظهر صادقًا.