<
20 November 2020
ألقطبة المخفية (سمير مسره)

يسألني دائما" البعض من اصدقائي عن اسباب عتبي على الثورة، ولماذا اقول عنها انها لا تمثلني.
جوابي، هو ان الثورة هي اجمل ما يمكن ان يحدث لمجتمع يطمح الى التغيير لبناء مستقبل افضل. ولكن مشكلتي معها بالذات، هي في الاسلوب الذي اختارته للتعبير عن اهدافها والذي رسخ قناعتي، منذ اليوم الاول، ان هنالك قطبة مخفية تثير الشك والشبهات.

من ناحية الاهداف، اعتمدت الانتفاضة على مجموعة من الشعارات الجذابة ولكتها مبهمة، تحمل في طياتها آراء وتفسيرات مختلفة بين شرائح المجتمع اللبناني الفسيفسائي، وتجعل من النقاش بخصوصها في الشارع خلافا" عقيما" فوضويا" وسجاليا". من هذه الشعارات: المسؤولية عن الفساد، وحرية التعبير، واهمية الدولة المدنية، والغاء دور الاحزاب، والسيادة، وسحب سلاح المقاومة. والاخطر من ذلك انها تعاطت مع هذه الشعارات تارة" بالتدرج وطورا" بالخلط، وتريد حلولا" لها بكبسة زر. كانت النتيجة الاولية، نجاح الثورة في استقطاب اعداد كبيرة من الشعب، ما لبث ان عاد قسم منه الى بيته بعد ما شاهد العبثية والعنف في التنفيذ. فساورته الريبة، مثلي تماما"، بوجود اجندات داخلية و خارجية، اصبحت فيما بعد واضحة بشهادة شخصيات دولية اعلنت كيف تم تمويل ما يسمى بهذه الثورة.

من ناحية الممارسة، المصيبة اكبر، لانها كانت ولا تزال كارثية.
بموضوع الفساد مثلا"، سمحت الانتفاضة لنفسها ان تتهم الجميع بويلاته، كما لو انها هي البوليس، والمدعي العام، والقاضي، و هيئة المحلفين. لا نعرف حتى الآن من نصبها لتلعب كل هذه الادوار من دون اي دليل، ضد لبنانيين تاريخهم وطني، نظيف، ناصع البياض، مستقيم، ونضالي بامتياز، يشرف من لم يولد آنذاك منهم بعد ، ومن ولد واصبح الآن مراهقا".

بما يخص حرية التعبير، ينفجر غضبهم اذا ادان احدهم تصرفاتهم العنفية، ولكن لا مشكلة لديهم باقفال الطرقات، وحجز حرية التنقل لمن لا يشاركهم الرأي، والتوجه اليهم بمفردات نابية تدل على المستوى المتدني لتربيتهم.

بمفهوم الدولة المدنية، يزايدون عليك به، بينما الاغلبية من المنتفضين يجهلون ما معناه وكيف يجب تطبيقه في مجتمع لبناني صغير متنوع ومتعدد الثقافات والطوائف.
اما عن الاحزاب، فيريدون استغباء عقول الناس لاقناعهم ان لا دور لها بعد الآن، كما لو ان كل ديمقراطيات العالم لا تقوم عليها ،الا اذا كان هدف ما يسمى بالثورة، لا سمح الله، ارجاعنا الى الانظمة الفاشية والتوتاليتارية.

فيما يتعلق بالسيادة والمقاومة، فيطالبون بالاولى ويحاربون الثانية من دون ان يكون لديهم اي رؤيا لكيفية الحفاظ على الاوراق القوية لتحصيل الحقوق المشروعة للبنان في صراع الشرق الاوسط، وهي حقوق لا تتنتفي حتى لو كنا في موقف الحياد كما ينادي البعض.

نعم ايها الاصدقاء هذا هو عتبي. وما حصل مؤخرا"، من صمت رهيب ومشبوه للحراك تجاه معركة فرض التدقيق الجنائي على كل مؤوسسات الدولة لكشف الحقائق، وابتهاجه المخزي لعقوبات اجنبية على شركاء في الوطن لا صلة لها بالقوانين اللبنانية، يزيدني اكثر اصرارا" على عتبي. وهكذا يجب ان يكون موقف كل اللبنانيين لان الدليل قاطع، والقطبة المخفية، لما يسمى الثورة ورعاتها، انكشفت.