<
02 November 2020
أميركا والعالم إلى أين بعد الانتخابات الرئاسيّة؟ (بقلم جورج عبيد)

بقلم جورج عبيد -

 ماذا يمكن أن تكون النتيجة النهائيّة للانتخابات الأميركيّة المرتقبة؟ إنه السؤال الأبلغ والأبرز بين معظم الأسئلة المطروحة في هذا الخضم؟ ليس المجال متاحًا للتكهّن إلاّ للذين يتوغلون في الغيب. وحدها المعطيات تتكلّم والعقل من شأنه أن يستنتج ويستقرئ.


المستشرقون (المستغربون دراسةً وإنتاجًا) من أمثال طارق أبو غزالة وزياد حافظ يقودوننا إلى مزيد من النتائج المستندة إلى الاحتمالات الممدودة من أرض الواقع، ومن اقتراب الانتخابات إلى الحسم خلال ال24 ساعة القادمة.


ما يرى إلى الان، بأن الاحصاءات الأوليّة لما يمكن أن تؤول إليه النتنائج، كشفت التقارب بين دونالد ترامب وجوزيف بادين (الأنف على الأنف) كما يقال عندنا. في النظم الدينقراطيّة الراقية، هذا يحدث. غير أنّه لم يسبق أن وقفت أميركا أمام مرشحين للرئاسة، واحد لا يزال رئيسًا والآخر ذاق طعم الحكم، يتناظران بلغة سوقيّة إن دلّت على شيء فعل انحطاط خلقيّ للغاية.


المناظرتان بينهما أظهرت بلا لبس وامام الملايين من العالم، بأنّ أميركا لم تعد بخير. فهي منذ حادثة جورج فلويد وانشطارها بهذا الشكل المريع ترتجّ أمام إمكانية انفجارها في مجموعة حوادث واضطرابات تنتهي إلى صراعات تتشّح بلبوسات طائفيّة وعرقية وقوميّة... وما زاد الأمر سوءًا تصميم دونالد ترامب على البقاء في سدّة الرئاسة حتى ولو انتهت النتيجة إلى صالح جوزيف بايدن.


لم يدلّ كلامه على شطط بل على استخدام الشطط باتجاه تصميم واضح على إدخال أميركا في احتراب خطير. ذلك أنّ الشرعيّة الدستوريّة يكون قد فقدها بحال رفض النتيجة وادّعى بأنّها مزوّرة. معظم المعلومات الواردة دلّت على أنّ الرجل اقتنى لنفسه مجموعة ميليشيويّة قام بتسليحها، وهو يتحصّن بها، كما يعمل على تهيئتها حتى إذا ما أتت النتيجة لغير صالحه ينطلق نحو الانقلاب عليها أي على الشرعيّة الدستوريّة الجديدة.


لننسى قليلاً ترامب، ولنركّز قليلاً أيضًا في ردّة فعل جو بايدن بحال لم تكن النتيجة لصالحه، واتهم خصمه ترامب باستعمال سلطته وفرضها باتجاه تزوير النتيجة ألا يمكن حينئذ أن يثير العرق الأسود باتجاه خصمه والموالين له؟ ولذلك فإنّ المعركة الانتخابية في أميركا والتي نحن في صددها الآن، ليست كلاسيكيّة كسابقاتها، بل معقّدة للغاية بل أيضًا وأيضًا بالغة الخطورة باصطفاف الطرفين في محيطين متناقضين في النهج، ومتواجهين في الرؤى حتى حدود الاصطدام والانفلاش. التوصيف الدقيق بأنّ الاحتدام ليس طبيعيًّا بل ناريّ ومتوحّش.


الدكتور زياد الحافظ، الخبير في الشؤون الأميركيّة، رجّح ومنذ أشهر، أن تكون الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة مصيريّة ليس على ترامب أو بايدن، بل على اميركا ودورها ومحوريتها في العالم. وقد لاحظ حافظ بأنّ أميركا إن تلاشت وتدحرجت وبلغت حدود العدم أي حدود الانفصال، فإنّ العالم كلّه صائر إلى ضفّة أخرى أو إلى تكوين جديد للتوازنات. بمعنى أنّ الانتخابات الأميركيّة لا تنحصر نتائجها في الداخل الأميركيّ بل ستقرّر مصير العالم بأسره.
لاحظ كثيرون من الخبراء، كيف أن حادثة جورج فلويد، وقد كان ممكنًا تفاديها جدًّا باعتقاله وليس باغتياله، أدخلت أميركا في محور لم تألفه لا من قبل ولا من بعد. معظم الحوادث التي حصلت في السابق، لم تأخذ هذا البعد الإعلاميّ الكبير، ولم تشحن أو تحشد الناس حتى حدود الانفجار، في معظم الولايات الأميركيّة المتحدة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تشير المعلومات بأن ولاية نيويورك أكثر ولاية شهدتت وتشهد بصورة يوميّة حوادث سلب وقتل، وجزء من تلك الحوادث تجلببت بالجلباب العرقيّ. وما أن اغتيل فلويد، حتى بلغت الاحتجاجات وعمليات الشغب ذروتها مقارنة مع سواها من الولايات، واتخذت مثالاً في تكثيف التسلّح.


ولنكن واقعيين في التحليل، ليست حادثة فلويد عابرة، بل هي عنوان انفجرت دماؤه بهدف التأثير على الانتخابات. من راقب المسار، لاحظ بأن جوزيف بايدن كان أوّل المستنكرين والشاجبين والرافضين، وقد غدت الحادثة مادّة من مواد التراشق السياسيّ-الانتخابيّ بينه وبين ترامب. فضلاً عن عناوين فضائحيّة وأخلاقيّة أضحت مجموعة ألغام متفجرة.


كثيرون يستبقون النتائج ليستكشفوا من سيفوز. بتلك الأدبيات خرجت أميركا عن تراثها الديمقراطيّ السلس، منذ ودرو ولسون صاحب شعار دعوا الشعوب تقرّر مصيرها، وقد أطلق شعاره بوجه تقسيم منطقة الشرق إلى مراكز نفوذ فرنسيّ-إنكليزيّ، من دون نسيان فراكلين روزفلت، وزوجته إليونور كانت من واضعي الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، ودوايت إيزنهاور، وجون كينيدي، مرورًا بليندون جونسون وريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، وجيمي كارتر ورونالد ريغان وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما. معظم هؤلاء الرؤساء في أدبياتهم وبخاصّة في لحظات التنافس الانتخابيّ برزوا على كثير من التهذيب ووضعوا نصب أعينهم مصلحة أميركا ضمن شعارهم الواضح God bless USA.


آخر مناظرة بين هيلاري كلينتون وباراك أوباما، كانت حادّة للغاية، ولكنها لم تخرج عن حدود اللياقات بينهما، ولو بالحدود الدنيا. في المناظرة الأخيرة بتنا أمام تفلّت يستهلك الذات الرئاسيّة والطموح الرئاسيّ على حساب وجود أميركا. مع العلم بأنّ دونالد ترامب، وعلى الرغم من جنونه، قام بمجموعة إصلاحات أفادت الشعب منها ما هو صحيّ خاص بالمواطن الأميركيّ، مما جعل الأميركيين بحدود واضحة متعلقين به.


العالم مشدودة أبصاره إلى النتيجة الحاسمة بسبب مجموعة استحقاقات مرتبطة بالنتائج. والانشداد مشفوع بدوره بانقسام في الرهانات. فالروس وعدد من الأوروبيين يراهنون على عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، ويقرأون بأنّه سيبدو أسلس مما كان عليه، وسيقبل على مجموعة تسويات تنهي الصراعات وتمنع التطرّف والتوجّه نحو الحروب. والصين لا يميّزون بين مرشّح وآخر، ما يعنيهم أنّهم في الظرف الحاليّ يعيشون في حرب اقتصادية وأميركيّة وجرثوميّة مع أميركا. وبرأيهم بأنّ المقياس يكمن في تغيير الاستراتيجيا من العنف إلى اللطف. ليس عندهم تشدّد على الأشخاص ولا يدعمون بالمطلق أحدًا. إنهم انسيابيون. وقد حققوا بالمنهجيّة الانسيابيّة الهادئة المتّبعة عندهم امتدادهم الاقتصادي في العالم كلّه. ما يريدونه من أميركا اعترافًا بشراكة جديدة تنهي الآحادية القطبيّة، وتبني عالمًا جديدًا، تشاركها روسيا بتلك الرؤية، على الرغم من رهانها وكما بينّا على عودة ترامب، فهي تراه، إذا ما فاز، أطرى وأهدأ من بادين بحال وصل إلى سدّة الرئاسة.


إيران وعدد من دول أخرى تراهم على جوزيف بادين. ليس الرهان حصرًا مكنون فيه ومنطلق عليه، بل على باراك أوباما الذي يحتضنه بقوّة، وعلى إمكانية عودة جون كيري إلى وزارة الخارجيّة، وفي عهد أوباما شكّل مع محمد جواد ظريف ثنائيًا كبيرًا استطاع توقيع الاتفاق النوويّ، والذي رفضه دونالد ترامب وأعاد الولايات المتحدة الأميركيّة إلى مربّع الخلاف مع إيران، وقد خالفته فرنسا وألمانيا على توجّهه. تراهن إيران على استعادة ذلك الوهج. إسرائيل تخشى من وصول بايدن إذ هي ضنينة بترامب مع صهره جاريد كوشنير في توسيع صفقة القرن باتجاه الحضّ على مزيد من التطبيع بين العرب وإسرائيل. إسرائيل والخليج العربيّ يعيشان في خشية من عودة باراك أوباما إلى التجسّد من جديد. سوريا والتي غازلها جوزيف بايدن لم تنس يومًا بأن دونالد ترامب كان قد حضّر لاغتيال رئيسها بشار الأسد، وهو من اعترف بذلك. واستكمالاً لذلك، وصف الرئيس الأسد ساخرًا مع شيء من الرضى، وفي حديث إلى قناة الRT الروسيّة سنة 2019، بأنّ دونالد ترامب أكثر الرؤساء شفافية، كلّ الرؤساء الأميركيين يرتكبون الموبقات السياسيّة والجرائم، ويأخذون جائزة نوبل ويظهرون بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان وعن القيم الأميركيّة الفريدة والراقية، ولكنهم عبارة عن نوع من المجرمين الذين يعبّرون عن مصالح اللوبيات الأميركيّة المرتبطة بالنفط والسلاح. ترامب يتحدث بكلّ شفافية ويعلن نحن نريد النفط، وهذه هي حقيقة السياسية الأميركية منذ الحرب العالميّة الثانية، نحن نريد أن نتخلّص من فلان، نحن نريد أن نقدّم خدمات مقابل المال. هذه هي حقيقة السياسة الأميركيّة، ماذا نريد أفضل من خصم شفّاف. الفرق بين المرشحين والرؤساء شكليّ ولكن الحقيقة واحدة".


وحده الرئيس بشار الأسد كشف الرؤية، بمعناها الحقيقيّ، وهي أنّ الرؤساء يتغيرون والاستراتيجيّة الأميركية تبقى ثابتة في توجهاتها. هل الثبات على المستوى الخارجيّ سيبقى أمتن من التداعيات المنتظرة بعد النتائج؟


أمامنا 48 ساعة لنعرف، وللاميركيين أن يقولوا كلمتهم، وعلى ضوئها ستولد مرحلة جديدة.