<
18 October 2020
سئمنا... حقنا أن نعرف (د. جورج حرب)

د. جورج حرب - 

من حقنا أن نعرف، ومن واجبنا أن نعلن ما نعرفه كي لا تبقى الضبابية مسيطرة على مرحلة الفراغ القاتل الذي يمرّ به لبنان، ممّا يضعنا أمام أسئلة لا تزال تراود اللبنانيين في كل يوم.
ماذا يحصل في دوائر القرار الخارجية، من ناحية الضغط الهائل الملاحظ على لبنان ؟
هل المستهدف هو حزب الله من تفجير المرفأ الأقرب إلى المناطق المسيحية وتضرر 350 ألف مسيحي ؟ هل المستهدف هو حزب الله من انهيار القطاع المصرفي المحسوب على المسيحيين في لبنان والذي صارت قيامته مستحيلة قبل ما لا يقل عن 10 سنوات؟ هل المستهدف هو حزب الله في الإنهيار الحاصل على الصعيد التربوي المدرسي كما الجامعي، في قطاع 80 % من العاملين فيه هم من المسيحيين ؟
هل المستهدف هو حزب الله من انهيار متوقع لا بل قد بدأ، في القطاع الصحي في لبنان، حين يكون الجسم الطبي والتمريضي والإستشفائي، إضافة إلى أن ملكيّة وإدارة المستشفيات الخاصة في لبنان بقسمها الأوسع تعود إلى المسيحيين ؟
هل المستهدف هو حزب الله اليوم، حينما ينخفض الإستيراد الخارجي إلى 20 %، في حين أن 80 % من الوكالات الخارجية في يد المسيحيين ؟
هل المستهدف هو حزب الله في تدني المستوى المعيشي في لبنان، في حين كلنا يعرف ان المسيحيين في لبنان يفضلون الهجرة على التأقلم مع المستوى المستجد ؟
هل المستهدف هو حزب الله، حين يصرّ مصطفى أديب ومن بعده سعد الحريري اليوم على غياب التمثيل المسيحي الوازن فقط من الحكومة بحكم أنهم مسيّسين، وينسق ويعطي ويوزع حقائب التربية والصحة والشؤون الإجتماعية والمالية وغيرها على أفرقاء آخرين ؟
لا بد من التنبّه، إلى أنه بعد ثورة 1958، تمّت التسوية على حساب إخراج المسيحيين من الحكومة الإنقاذية أنذاك، عبر استبعاد الكتائب والكتلة الوطنية منها، ولولا تلميحهما بالحرب الأهلية، لما كان لهما الدخول، فتراجع حينها الرئيس فؤاد شهاب الذي عاد وأشركهما بها، وبعد الحرب الأهلية التي انتهت سنة 1990 باتفاق الطائف، تمّت التسوية من جديد على حساب المسيحيين وإخراجهم من دائرة القرار في التركيبة اللبنانية، وفي العام 2005 والخروج السوري من لبنان، تم الإتفاق الرباعي الشهير وتُرك المسيحيون لمصيرهم مع ميشال عون فاختلف الأفرقاء وكان ما كان. واليوم، بعد الإنهيار الحاصل، يريدون تشكيل حكومة إنقاذ عبر استبعاد المسيحيين كمقدمة لاستبعادهم من الأوراق التي ستطرح على طاولة التسوية الكبرى المختصة بالصيغة اللبنانية في ما بعد.
إن كل ما يحصل، هو جزء من سيناريو الرحلة الأخيرة التي يريدنا العالم كله أن نسلكها مرغمين... لقد سئمنا.
كالساقية في رمل الصحراء، يختفي المسيحيون في الشرق. تعبوا من حمل الصليب، سئموا من إدارة الخد الأيمن والأيسر، لا فرق، أُحبِطوا من سياسات تفضل نقطة النفط على قطرة الدم،
وعلى جسر الآلام الذي لا ينتهي يَعبُرون منذ مئات الأعوام، إجتاحهم العرب، واضطهدهم الفاطميون وكانت لهم فترة سماح قصيرة في بلاط بعض الخلفاء المتنوّرين، ما لبثت شروط عُمَر أن أجهزت عليها، وفرضت على المسيحيين شروط الذل والمهانة، من الفاطميين إلى العثمانيين، مرورًا بالمماليك وقبلهم الأيوبيين.
أيام، اعتقدنا أنها ولّت إلى غير رجعة، وقد تجاوزناها ومحتها الأيام من لوح ذاكرتنا، لكنهم عادوا يذكروننا بها اليوم، بكل تفاصيلها وكأن التاريخ يأبى التطوّر ويرفض نهاية فصل مهين، غير عارفين أن اضطهاد الأقليات في المجتمعات الشمولية، مؤشر أكيد على نهايتها والبرهان نعيشه، إذ يعبر ذلك عن ضمور يضربها وسوف لا يستكين إلا بنهايتها.