<
17 September 2020
الثلث المعطل والبيان الوزاري والمراسيم الاشتراعية: خلافات مكتومة تتجاوز توزيع الحقائب

الأخبار: في المفاوضات على تأليف الحكومة، ظلّت هناك قطب مخفيّة تتعلق بصراعات الفريق نفسه حول المقاعد والمرشحين، لكن اللغم الأبرز انفجر، عندما اكتملت الصورة الأولى، وتقرر فرض (لا عرض) التشكيلة على الآخرين. كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد ملّ انتظار رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، وكان عون ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله وآخرون على وشك فقدان صبرهم إزاء لامبالاة أديب ورؤسائه حيال التشاور. لكن غضبهم كان مركّزاً على فرنسا، باعتبارها الوصية والمسؤولة عن إدارة الملف. والكل يعرف أن الوقت لم يتأخر حتى تبلّغت فرنسا احتجاج هؤلاء جميعاً على ما حصل. وكان لا بد من إشهار الاعتراض.

 

 

خلال الأيام السبعة الأولى من عمر تكليف أديب، كان جميع من يقف إلى جانبه وإلى جانب الفرنسيين، يعتقد بأن الآخرين لا حول لهم ولا قوة، وأنهم سيقبلون، صاغرين شاكرين، بالوصفة التي تعرضها فرنسا عليهم. وفي كل مرة يسمعون فيها احتجاجاً، ولو بصوت خافت، كانوا يرفعون هم سيف فرنسا، قبل أن يلجأوا الى سيف العقوبات الذي استلّه الأميركيون في لحظة اعتبروها مناسبة لجعل المبادرة الفرنسية لا تذهب بعيداً في التفاهم مع ح ز ب الله. واعتقد أصحاب هذه الآراء أن ما حصل سيحاصر المعترضين في بيروت، وأن حكومة الأمر الواقع ستمرّ بسرعة.

 


لكن ما لم يكن في الحسبان، ليس ردة فعل الثنائي الشيعي على العقوبات الأميركية بحقّ علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، بل في كون الجميع شعر بالخدعة الفرنسية. وهنا، بدأت المواقف الفعلية تظهر، وبدأ الحديث عن تباينات جدية حتى داخل خلية الأزمة الفرنسية. في بيروت، شنّت حملة على السفير فوشيه، باعتباره «مروّجاً للتسوية والتطبيع مع ح ز ب الله»، وصار البعض يتندّر بأنه جُنِّد منذ أن خدم في السفارة الفرنسية في إيران. بينما كان إيمانويل بون في باريس يضع العلامات على هذا المرشح أو ذاك، ويعطي أذنه – كما العادة – إلى أصدقائه من «لبنانيّي 14 آذار وتوابعها»، من سياسيين ورجال مال وأعمال وإعلام أيضاً.

 

 

أما فرقة الاستخبارات الخارجية فبدا موقفها محيّراً، فهي من جهة تعرف الوقائع أكثر من غيرها، لكنها لا تحرّك ساكناً بصورة جدية، ما عدا الشعور القوي لدى رئيسها برنار إيمييه، بضروة تدخله شخصياً حتى لا تنفجر المبادرة الفرنسية كلها، وهو ما حفّزه على مطالبة الرئيس ماكرون بأن يوفده هو شخصياً إلى بيروت لتدوير الزوايا وإعادة وصل ما انقطع مع الآخرين.

 

 

قوانين ملحّة ومراسيم اشتراعية
ربما غرق الجميع في الحديث عن مشكلة وزارة المالية. صحيح أن الثنائي الشيعي كان صريحاً في مطالبته بإسناد حقيبة المالية الى مرشح يعرضه هو من ضمن لائحة تضم أكثر من اختصاصي مفترض، لكن جوهر الملاحظات يتعلق بموقف يتجاوز الثنائي الى الآخرين. ذلك أن الأسئلة الاساسية حول «حكومة المهمة» تركزت على الآتي:


حجم الحكومة وطريقة توزيع الحقائب.


من يملك حق الفيتو وبالتالي الثلث المعطل فيها؟


ما هو بيانها الوزاري وما هو إطار علاقتها مع المجلس النيابي؟

 


الواضح أن بند حقيبة المالية كُتب في رأس صفحة الاعتراضات. لكن المناقشات الفعلية ركزت على البندين الآخرين، لأن الاعتراض تجاوز عدم حصول تشاور سياسي حول تأليف الحكومة. بل لمس حد تحديد صاحب حق الفيتو. ومن المفيد هنا الاشارة الى أن الفرنسيين يسعون (في الساعات الأخيرة وسيستمرون في الساعات المقبلة) الى عرض صفقة جديدة، تقوم على تقديم ضمانات للقوى المعترضة بشأن الثلث المعطل وبشأن البيان الوزاري أيضاً. وهذا الأمر يعرف الفرنسيون جيداً أنه المعبر الإلزامي لأي حكومة قادرة على الحياة، ولو لأسابيع.

 


أما البند المتعلق بالترشيحات، فإن في فرنسا مَن أدرك أنّ في لبنان مَن يعلم تفصيلاً كيف تتم الترشيحات، ومن يطرح اسم فلان واسم آخر، وكيف تتم عملية توضيب مرشّح ما قبل تحويله الى خبير واختصاصي ومستقل، وبالتالي، فإنه يصعب على الفرنسيين أولاً، ثم على الآخرين من نقابة رؤساء الحكومات ثانياً، التعامل بخفة والقول بأن من يختاره سعد الحريري أو فؤاد السنيورة أو نجيب ميقاتي، أو حتى كميل أبو سليمان أو أنطون الصحناوي يمكن اعتباره مستقلاً أو محايداً.

 


أما بشأن المجلس النيابي، فثمة مشكلة من نوع آخر، وسببها تم شرحه في لقاء مع أبرز المسؤولين الفرنسيين عن الملف الاداري والاقتصادي والقانوني الخاص بلبنان، وهو لخص الامر بالتالي:

 


إن حكومة المهمة تحتاج الى تفويض جدي حتى تقدر على القيام بعملها. والمسألة لا تتوقف عند طريقة تأليفها أو الانسجام داخلها، بل في كون عملها سيكون مقتصراً على معالجة آثار الانفجار الكبير من جهة، وعلى إعادة الاعتبار الى دور مؤسسات الدولة من خلال وضع قانون للمحاسبة والشفافية، وأن يصار الى إقرار سلسلة من القوانين العاجلة، تضمنتها خارطة الطريق المعدّة من قبل فريق ماكرون، وهي تستند الى كون الإجراءات المطلوبة من لبنان تستند أساساً إلى ما طلبه صندوق النقد الدولي من أجل التوصل الى اتفاق عاجل يسمح بإقراض لبنان مبلغاً كبيراً من المال، وهي الخطوة الإلزامية للسير مجدداً بمؤتمر «سيدر» وتأمين المبالغ المطلوبة.

 

وهذه القوانين تركز على إقرار الـ«كابيتال كونترول» وقانون «الشراء العام» وقانون ضمان «استقلالية القضاء» والسير برزمة الحلول الخاصة بـ«الأزمات المصرفية». ويقول المسؤول الفرنسي البارز إن قانون الشراء العام جرى الإعداد له في لبنان بصورة جيدة، وإن رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان يقول إنه صار جاهزاً للإقرار، وباريس تسأل عن سبب عدم إقراره إلى الآن. وهو حال القانون الخاص باستقلالية القضاء الذي يقول الفرنسيون إنهم أُبلِغوا بأنه جاهز منذ سنة ونصف سنة، لكنه لم يُقَر بعد.

 

 

يعتقد الفرنسيون أن مصرف لبنان في حالة إفلاس، لكن التدقيق يجب أن يحسم هذه النقطة

لكن اهتمام باريس مركّز أيضاً على ما يخص الأزمات المصرفية، وهي ترى أن القوانين الخاصة بها شرط مسبق لصندوق النقد الدولي، وهي ضرورة لإنقاذ القطاع المصرفي، وأنه يجب إعداد إطار وقانون عام يسمح بالتمييز بين المصارف القادرة على الاستمرار والتي يمكن إنقاذها، وتلك التي لا حول لها ولا داعي لصرف الجهد عليها. ويقول الفرنسيون إنهم يريدون قانوناً واضحاً لا يخضع لابتزاز السياسيين ولا لتدخلات المصرفيين، وإن ذلك يتطلب قانوناً يضمن المساواة في المعاملة حتى لا تقع كل المصارف دفعة واحدة، ويطلب الفرنسيون تجنّب صيغة الحلول التي يعتمدها حاكم مصرف لبنان والقائمة على نظرية أنه يجب معالجة «كل حالة على حدة». ويصف المسؤول الفرنسي معالجات سلامة بأنها «حلول خاصة تخرج من القبعة، مثل تعاميم الحاكم الأخيرة الخاصة بمعالجة حجم الاحتياطات الإلزامية للمصارف».

 


وعند هذا الحد، يتوقف الفرنسيون أمام السؤال - الأزمة: هل هناك آلية تضمن إقرار هذه القوانين، أم هناك حاجة إلى الذهاب نحو المراسيم الاشتراعية، ما يعني المطالبة بمنح الحكومة صلاحيات استثنائية محددة في نقاط معينة تخص هذه الملفات؟

 


الفرنسيون يقرّون بصعوبة منح الحكومة صلاحيات استثنائية، ويعرفون أن ذلك يُنهي دور مجلس النواب، ويفتح لبنان على مشكلات أكبر، لكنهم يسألون عن علاج فعال، وهو لن يكون فعالاً إذا بقي تحت رحمة تحالف السياسيين مع بعض رجال المال والأعمال، بما في ذلك مع رياض سلامة.

 

 

وهنا يتحدث المسؤول الفرنسي عن ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، ويذكّر بأن من يطرح التحقيق الجنائي إنما يكون هدفه كشف التلاعب الذي كان يحصل، وأن تراجع لبنان عن خيار اعتماد شركة «كرول» كان خطأً فادحاً، لأنها تملك القدرة والخبرة، بينما الشركات الجديدة المكلفة لا تزال خبرتها محدودة جداً.

 


يعتقد الفرنسيون أن مصرف لبنان في حالة إفلاس، لكن التدقيق يجب أن يحسم هذه النقطة، ومن المهم معرفة هذه النقطة حتى يصار إلى تحديد الخطوات التالية، بعيداً عن الاعتبارات السياسية.

الأخبار