<
02 August 2020
تحديات العهد غير البريئة (جيرار ديب)

ذكر رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، في حفل تخريج ضباط دورة اليوبيل الماسي للجيش: لبنان يخوض اليوم حربًا من نوعٍ آخر، ولعلّها أشرس من الحروب العسكرية، لأنها تطال كل لبناني بلقمة عيشه، بجنى عمره، وبمستقبل أبنائه، حيث الوضع الإقتصادي والمالي يضغط على الجميع ولن ينجوَ منه أحد..
لقد وصف الرئيس برسالته، خطورة الوضع الذي يمرّ به لبنان اليوم، وذكر مدى التحديات التي تطوّق اللبناني. فلبنان الكيان، يحارب على جبهتين، ويصارع لأجل وجوده، ويسعى للحفاظ على استقراره من العواصف التي تضرب به، وتحاول أن تقتلعه.


الجبهة الأولى، داخلية، تتمثّل في الفساد الذي ينخر في كافة المؤسسات، حيث المواطن يرزح تحت عبء تفاقم الأوضاع الإقتصادية. داخليًا، هناك الحركات الإحتجاجية، التي بدأت بعد ١٧تشرين الأول، وعرقلت مسار العهد، وساعدت بتدهور الأوضاع. فبدل أن تعترض في المكان الصحيح، وأمام زمرة الناهبين، عملت العكس، فساوت الجميع ببعضهم، ورفعت عبارتها الشهيرة، المضلّلة "كلن يعني كلن". كما وعملت على خلط الأوراق، ودخل الذي مارس الحكم لعشرات السنين صفوف المعارضة، وأخذوا سويًّا يحمّلون العهد ثلاثين عامًا من فساد سياساتهم المبرمج.

داخليًا أيضًا، هناك حاميي الفساد، يشكلون خطرًا جديّا، والحرب عليهم ستكون شرسة، هذا ما ألمح إليه الرئيس في كلمته الموجهة إلى الضباط المتخرجين. فإنّ الذي استبدّ بالحكم منذ عام ١٩٩٢، والذي تمكّن من السيطرة على مفاصل السلطة، زارعًا فيها مفسديه، وعاملًا على نشر ثقافة الفساد وزرعها في عقول الناس، يحارب العهد بشراسة، وسيعمل المستحيل لعرقلة مشاريع مكافحة الفساد، واستعادة الأموال المنهوبة.


أما التحدي الخارجي، فيتجسّد في الصراع الدائر في المنطقة، بين محاور دولية وإقليمية، تتصارع تارةً، وتلتقي طورًا. صراعات في المنطقة للهيمنة عليها، وعلى مقدراتها، وثرواتها النفطية. إضافة إلى الصراع الجيوسياسي، حيث الموقع الجغرافي للدول العربية، الذي يشكّل مفتاح التحرّك بين الشرق والغرب.
تشهد المنطقة تفتيتًا مبرمجًا بين أقطارها. التقسيم واقع لا محال، والخوف من أن يأتي دور لبنان كما رسمه وزير الخارجية الأميركي السابق، هنري كسينجر، في مطلع السبعينات. فالإنقسام العامودي الحاصل بين مكونات لبنان وأطرافه، إضافة، إلى الإختلاف الحاد في الطروحات حول الرؤية العامة للبلد، وآخرها ما تمّ طرحه من موضوع الحياد، على لسان غبطة البطريرك، بشارة الراعي؛ هذا الطرح، يمثّل الصورة الواضحة لواقع الحال الإختلافي في لبنان اليوم.


التحديات كبيرة، نعم، وإنّما الخوف فعلى بقاء لبنان في ذكرى مئويته الأولى. وما أتى على لسان وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، أكثر من واضح، عن خطورة زوال لبنان، إن لم يقدم المعنيون على فعل شيء، كالبدء بالإصلاح المنشود.

لكن مهلًا، هل موضوع الإصلاح هو فعلاً بيد اللبناني، كما ذكر لودريان؟ أين دور العقوبات الأميركية على لبنان، وانعكاسات قانون "قيصر" على الإقتصاد اللبناني؟ فلماذا لم يتوجه لودريان مباشرةً إلى الولايات المتحدة للطلب بتخفيف العقوبات على لبنان كي يستطيع النهوض من أزماته؟

إذًا، لا يخفى على أحد مدى حجم التحديات التي يتعرّض لها لبنان، لكسر شوكة ما يعرف بالرئيس القوي. هذا الرئيس الذي أتى من تمثيل لقاعدة شعبية وبرلمانية واسعة. هذا الرئيس الذي وقف صلبًا مع مقاومة لبنان من أي اعتداء. فهو الذي كان له رسالة واضحة لمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، بعدم السماح بالمسّ بثروات لبنان النفطية، وبرفضه فصل عملية ترسيم الحدود البرّية عن البحرية.

لن نقول أنّ من نزل للمطالبة بلقمة العيش هو متآمر، ولكنّ تحركاته تقاطعت مع مصالح الغرب، فهذا خطأ. كما واستغلّت تحركاتهم البريئة والشعبية، مجموعة الزمرة التي حكمت بالبلاد، فانخرطت في صفوف المعارضة بغية التفلّت من المحاسبة.


مشاكل لبنان، في هذا العهد تحديدًا ليست بريئة، ولا أتت عن طريق الصدفة. بل هي مخطط لها، ومبرمجة الأهداف. لهذا، ذكرت مصادر مقرّبة من العهد، بأنّ دخول البلاد في دوامة الصراعات والأزمات تهدف إلى ليّ ذراع العهد للتخلي عن مواقفه لا سيما الحلف مع الحزب المعرقل الرئيسي لمشاريع الآخرين التقسيمية.
أخيرًا، لن يشهد البلد استقرارًا في المنظور القريب، بل مزيدًا من التأزم والعرقلات. كيف لا، والغرب يشتدّ حصاره على العهد والحكومة، دون الأخذ بعين الإعتبار حاجات الناس ومطالبهم. على ما يبدو، فالرئيس يدرك جيدًا خطورة الوضع، ولن يسلّم عهده إلّا بفكفكة العقد المطروحة أمامه، مهما كانت صعبة، من الداخل قبل الخارج.