<
29 July 2020
الكورونا السياسيّة والماليّة أخطر بكثير من الكورونا الوبائيّة
بقلم جورج عبيد -
 
ليس جحيم الكورونا فيروس أخطر من جحيم الواقع الاقتصاديّ والماليّ والاجتماعيّ. البروفسور جاك مخباط وصّف الواقع قائلاً: "لقد قفز لبنان من الخطّ الأحمر وسقط في الجحيم بالمعنى الاقتصاديّ والاجتماعيّ، أمّا الكورونا فيروس، فنحن قادرون على التغلّب عليه". قول الدكتور مخباط شديد الواقعيّة والخطورة في آن. ولعلّ بعض الباحثين في هذا الشأن ذهبوا باتجاه أنّ عوارض هذا الفيروس ليست فاتكة بالمطلق إلاّ على كبار السنّ، وربّما أعطي هذا الفيروس حجمًا أكثر مما يستحقّ، بفعل غياب الإحصاءات الدقيقة عن الإصابات المعدية بالمقارنة مع كورونا فيروس وعن حجم الوفيات هنا وثمّة، ليجرى على الشيء المقتضى.
لا يختلف لبنان في التقدير الإحصائيّ عن العالم كلّه. لماذا نخاف من هذا الفيروس أكثر من سواه؟ إذا طرحت هذا السؤال على طبيب عظيم الشأن كالدكتور جاك مخباط أو سواه فيأتيك الجواب توًّا لأنه أكثر سرعة وانتشارًا وفتكًا من سواه؟ السؤال الأشدّ واقعيّة طرحه ويطرحه كثيرون، ما هو الأخطر والأفتك الخوف من الكوفيد-19 والهلع منه، أو الكوفيد كفيروس أو مرض بحدّ ذاته؟ 
صديق لي أصيب بهذا الوباء، قال لي بصراحته المعهودة: في البدء خفت منه وكدت أختنق من الخوف، ولكنني لم أشعر بوطأته كثيرًا، ولم تبلغ حرارتي أكثر من 38 درجة، جلّ ما شعرت به هو السعال الشديد احيانًا والثقل في الحركة بعض الشيء، وفقدان الذوق أحيانًا. عانى صديقي من الفيروس أسبوعًا كاملاً، ثم شفي وظهرت نتيجة الPCR  سلبيّة، وها هو يستعيد أنفاسه في منزله. 
كلّ القضيّة في الحقيقة ليست في الفيروس بل في الهلع منه. ذلك أنّ الإعلام اللبنانيّ يبالغ كثيرًا في زرع الخوف، فتبدو المبالغات مضبوطة على إيقاعات لا تمتّ إلى الواقع بصلة. في مقابل ذلك يبدو اللبنانيون بدورهم غير مبالين بطبيعة العدوى من دون التضخيم بالفيروس ولكن أيضًا من دون التقليل من خطورته. فالكريب والبرونشيت خطيران على الإنسان إذا ما أصاباه بحدّة وقسوة، وسقطا على الرئتين والقلب. لعلّ اللبنانيين يذكرون ويتذكرون أنه خلال المرحلة الفاصلة ما سنوات 2015 و2016 و2017 و2018 هيمن البرونشيت والبنومونيا والكريب على لبنانن ولم يعد بمقدور المستشفيات استيعاب المرضى من تلك الأمراض المعدية بدورها، وتوفي كثيرون من جراء ذلك، ولم نهلع كما نهلع الآن. لم يطلب من اللبانيين لبس الكمامات ولم تعطل المؤسسات ولم تتوقف الكنائس والمساجد عن الصلوات. بل بقيت الحياة سائدة واللبنانيون أكملوا حياتهم بصورة طبيعيّة. ما يرجوه كثيرون بأن تتكرّم وزراة الصحّة مع وزيرها الهمّام الدكتور حمد حسن وتقوم بإحصاء علميّ ودقيق عن الإصابات بتلك الأمراض المعدية كما تقوم بإحصاءاتها عن الكورونا، لماذا نظهر الإحصاءات هنا ونخفيها هناك؟ هذا سؤال مطروح ونرجو من معاليه والمعنيين الإجابة عليه لتطمئنّ قلوبنا، سيّما أن صديقي الحبيب جاك مخباط اللامع في حقله أعلمنا بأننا قادرون على القضاء عليه إن انتبهنا إلى أنفسنا.
الأشد فتكًا وإيلامًا في لبنان تلك الكورونا السياسيّة والاقتصادية والاجتماعيّة التي رمتنا في وهاد الجحيم. كيف يعقل أن ترزح بيروت لؤلؤة المتوسط في عزّ الصيف تحت أجنحة الليل الحالك بلا كهرباء والحرارة بلغت مبلغًا لا يطاق؟ لقد عرضت الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران إرسال بواخر من الفيول والغاز والطعام والدفع يتمّ بالليرة اللبنانيّة ضمن مهل محدّدة، لماذا تمّ رفضها؟ ليس مقنعًا أن يقال لنا بأن أميركا منعتنا وأذرعها في لبنان رفضوا، هناك حكومة شرعيّة نحترمها وهي صاحبة الولاية والقرار، فلماذا لم تقدم على القرار؟ لقد عرض الإخوة السوريون على لبنان استجرار الغاز باتجاه لبنان وعندهم ما يكفي من المخزون كما سمعنا من السفير علي عبد الكريم علي، فلماذا تمّ الرفض؟ هل لأن قانون قيصر مسلط على رؤوسنا، وهل نترك واقعنا بلا علاج خوفًا من الآخرين أو كرمى لبعضهم؟
ماذا تفعلون بلبنان أيها المسؤولون الأقربون إلى الممانعة وأنتم عارفون بأنّ الحرب الأميركيّة المسعورة تشحن اللبنانيين وتشحذ نخبهم لإسقاط العهد، أو لأخذ البلد نحو الفتنة أو لقطع حبل الصرّة بين العهد والمقاومة، فلماذا لا تبادرون وأنتم الأكثريّة إلى قطع الطريق على تلك المحاولات لإنقاذ لبنان، ومعظمكم يعيش الثراء الكبير والناس تعرف سببه.
في المعطى الحاليّ لم يعد من مجال للضبابيّة الشديدة بل للوضوح الكبير والصريح. "كن باردًا أو ساخنًا ولا تكن فاترًا لأنّ الفاتر أتقيأه من فمي" كما كتب يوحنّا العظيم في سفر الرؤيا. نحن في قلب صراع الأمم المتجه حتمًا نحو تسوية لا نعرف متى تحين. القراءات السياسيّة تشي بأنّ المنطقة باتت أمام خيار من خيارين، فإمّا أن ننطلق نحو التسوية على صفائح بلوريّة باردة مزدانة بالورود، أو سنمشي باتجاهها على صفائح بركانيّة ناريّة تتحرّك تحت الأرض لتفجّرها وتحرقها بحروب ستشي بتسوية تكوينيّة جديدة للشرق الأوسط، سيّما وأن الأوراق عادت لتختلط من جديد مع الدخول الأردوغانيّ قلب الصراع من ليبيا وطرابلس شمال لبنان ومحيطها وبقائه في إدلب بانتظار الوضوح الروسيّ، والضغط الذي يمارسه أردوغان على الأرض ومع تحويل آيا صويا لتكون الدعامة من ذئب إلى أخيه من أجل تحويل المسجد الأقصى إلى هيكل سليمان.
في ظلّ هذا المشهد ينطلق السؤال التالي هل نرزح ونستسلم ونغلق الباب على حياتنا ليكفر اللبنانيون بكلّ شيء أو نثب وننطلق باتجاه حلول جذريّة حتى ولو بدت مكلفة؟
كثيرون يلقون الملامة على فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، بحجة أنّه لم يفعل شيئًا طوال عهده، وبعضهم وبهزال يفسّر بأن الرئيس ليس عنده صلاحيات تسمح له بإجراءات صارمة. لقد تعلمنا من الفرنسيين هذه المسلّمة Le style ç’est l’Homme الأسلوب هو الرجل. من عرف ميشال عون عن كثب فهم أن هذا الرجل لا يحني رأسه ولا رأس أمته لأحد مهما علا كعبه، وهو متفهّم لألم الناس وأوضاعهم، هل يعلم هؤلاء بأنّ الرئيس لم يعد قادرًا على النوم كثيرًا في الليل وهو يفكر بالعائلات التي لا تملك قدرة شراء علبة حليب لأطفالها؟ بوح الرئيس لأحد أصدقائه بهذا الأمر يكشف شفافيته وإنسانيته ورقيّه وحنانه ومحبته ولكنّه لا يشي بالفراغ على الإطلاق، فهو مزمع بأن يخرج كالليث على الذئاب الضاربة ويكشف بقوّة الحقّ أدوار المصارف في تدمير الوضع الماليّ والاقتصاديّ، وهو منزعج ومغتاظ من دعوة سليم صفير وجمعيّة المصارف بأن تبيع الدولة مؤسساتها، وكأن الدولة مزرعة للبيع، أدوار الطبقة السياسيّة التي سرقت ودائع الناس مع المصارف، وسرقت تحت الغطاء الدوليّ خزينة الدولة. والرئيس عارف بأنّه إن لم يكشف ويفعّل مع الحكومة القضاء فالعهد سينهار ولبنان بدوره سينتهي، وهذا من تاسع المستحيلات.
في الصراع الكبير الدائر وفي ظلّ الحرب والحصار على لبنان وسوريا، وهذا هو الكورونا الأفتك، الدعوة مطروحة لكي يتمّ التكامل بين لبنان وسوريا بدءًا من استجرار الغاز منها وصولاً إلى البحث في عودة النازحين إليها. وأن نلبي دعوة إيران بأن تبيعنا الغاز والفيول والمازوت بالليرة اللبنانيّة كما هي عرضت حتى نضيء منازل لبنان بالسرعة القصوى ولا نقف مكتوفي الأيدي كالحمقى ونحن لا نعلم شيئًا.
نحن في الحرب، قدر لبنان أن يواجه برئيس رأسه بين كتفيه وهو واقف على أرض الواقع وجبار بتاريخه الذي حتمًا سيعيد إحياء المعاني الخلاصيّة في مسرى إنقاذ لبنان. الكورونا السياسيّة والاقتصادية والمالية مؤلفة من الأغبياء والعملاء والأجراء ومكانهم ليس في لبنان بل في جحيم السجون. لبنان الجمال يستحق الحياة، وهذا ما سيتمّ إحياؤه من جديد.