<
22 July 2020
لقد وضعت اللبنة الأولى لكشف الحقيقة، و"الفاسدون" المتضررون سيكونون بالمرصاد (بقلم جورج عبيد)

بقلم جورج عبيد -

 

 القرار الصادر عن مجلس الوزراء برئاسة فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، بالانطلاق نحو التدقيق الجنائيّ أكّد ومن دون التباس بأنّ الدولة متوثّبة وبجديّة فائقة للانطلاق من التدقيق الجنائيّ إلى التحقيقّ القضائيّ ضمن القانون الجنائيّ، بمعنى أن الحكومة بدأت تعدّ العدّة الأولى لفتح حرب على الفاسدين كشبكة عنكبوتيّة زرعت بتسوية خارجيّة منذ سنة 1990 واستلمت الحكم فيما بعد منذ سنة 1993 لتضع الدولة تحت رحمة الاقتصاد الريعيّ، وقد طوى مع سندات اليوربوندز بفوائد عالية بلغت ال48% يضاف إليها فوائد الإيداع التي بلغت عند بعض المصارف حدود ال20% مرحلة الاقتصاد المنتج مع الرئيس رفيق الحريري، لتتكرّر الفلسفة ذاتها منذ سنة 2016 حيث بدورها بلغت فوائد الإيداع هذه الحدود. وبنتيجة ذلك انكبّ الصناعيون والتجّار على فلسفة الإيداع فأغلقت المصانع أو بعضها كما أن عددًا أصحاب الشركات أغلقوها وانكبوا بدورهم على فلسفة الإيداع.
تحت لواء تلك الفلسفة تمّ تقاسم الدولة اللبانيّة واحتسبت كمزرعة أو قالب حلوى أو جبنة. انكبت الطبقة السياسيّة المنضوية تحت ستار "الحريريّة السياسيّة" على استحلاب خزينة الدولة. كانت الخطّة أميركيّة بخطوطها العريضة، والحريريّة السياسيّة انكبّت منذ سنة 1993 على خيارين أباحا، وبقوّة، إخلاء الدولة وتجويفها من هويتها الماليّة ثم الاقتصادية والثقافيّة والسياسيّة. أكبر عملية سلب تمّت سنة 1996 حين تمّ تشريع مؤسّسة سوليدير تحت الإغراء الماليّ، فانطلق السؤال الواضح هل يعقل أن تمتلك شركة أو شخص وسط عاصمة لبنان؟ هل حصل أمر مشابه في تاريخ نشوء الأمم والأوطان ليبنى على الشيء المقتضى؟ وكان مجلس الإنماء والإعمار وهو المنصّة الأخرى للتفريغ ذلك الصدى لسوليدير حيث فتح لها الطرق وأمن مشاريع البنية التحتية على حساب الدولة والشركة لم تدفع شيئًا وهل إلى الآن لم تدفع الضرائب المتوجبة عليها، وبحال بدا بأنّها معفاة من الضرائب فتلك مصيبة كبرى وخطيرة.


الخطّة الأميركيّة المعدّة للبنان من هذه الزاوية أن يسير لبنان على خطى الضحايا الاقتصاديّة في العالم بواسطة قاتل اقتصادي كجون بيركنز. رفيق الحريري مارس هذا الخيار بقوّة لتصل المديونيّة العامّة بعد اغتياله بحدود ال 70 مليار دولار، والآن فقد بلغت ال130 مليار دولار أميركيّ.
عدنا إلى السرد التاريخيّ وقد سردناه غير مرّة على هذا الموقع في مناسبة إقرار مجلس الوزراء تلزيم التدقيق الجنائيّ لشركة Alvarez & Marshal، ذلك أنّ الشركة التي قرّ الرأي على اعتمادها يفترض بها أن تكون صلبة وواضحة في دقّتها، وذات مناعة راسخة محصّنة من إمكانية الاختراقات المتوقّعة، والإغراءات المنتظرة، والإغواءات الممارَسة، التي ليس مثلها سوى في المعاملتين أو على رصيف باريسيّ ليليّ.


غير أنّ ما يبعث العجب بأن شركة Croll رفضت بزعم فارغ أنّها متعاونة مع الحكومة الإسرائيليّة، والوثائق كما أوضح فخامة الرئيس غير مرّة أثبتت وبما لا يقبل الشكّ والتأويل بأنّها عملت في إيران والسعودية والكويت والعراق... وهي مساهمة في التدقيق في حسابات جمّال تراست بنك وتصفيتها، وقد طلبت مبلغًا من الحكومة اللبنانيّة مقداره خمسمئة ألف دولار أميركيّ، في حين أنّ شركة Alvarez & Marshal طلبت مبلغًا قدره مليونيّ دولار أميركيّ ومهلة ثلاثة أشهر للانتهاء من عملها، وبعض الوزراء الكرام صوّتوا بورقة بيضاء زاعمين بأنّ تلك الشركةفيها موظفون إسرائيليون. السؤال الموجّه بالتحديد للسيد الوزير غازي وزني لماذا لم تقبل بشركة Croll وقد ثبت أن لا علاقة بينها وبين إسرائيل بحسب الوثائق والمستندات، سيّما أن تلك الشركة طلبت مبلغًا ممتازًا بالنسبة إلينا وهو خمسمئة ألف دولار اميركيّ؟


في كلّ الأحوال، لبنان العهد والدولة والحكومة أمام محطة رجاء حقيقيّة وواعدة باقتحام أسوار أريحا وأورشليم ووضع النقاط على الحروف بتدقيق ماليّ جنائي يكشف كلّ الحسابات فنبدأ بمحاكمة الفاسدين، والشاهد الأكبر عليهم رياض سلامة حاكم مصرف لبنان، والحريريّة السياسيّة، في الأصل، هي التي قد أتت به إلى هذا الموقع ليكون مساهمًا في ذبح لبنان اقتصاديًّا وماليًّا. لكن، وفي الوقت عينه، وكما غرّد الوزير السابق وئام وهّاب، فإنّ المتضرّرين سيتكتّلون حتمًا بوجه هذا التدقيق، وبرأي متابعين، فهم لن ينتظروا صدور النتائج، بل سيعمدون على التشويش، واستكمال منطق التجويف واعتماد مبدأ الضغط القويّ Lobbing force بهدف التحوير والتحويل والتشويه. ويشير المتابعون، بأنّ ردّة الفعل عند هؤلاء ستكون طبيعيّة لكونهم متضرّرين حتى العظيم واستعذبوا تقاسم الحصص حتى الثمالة والبطر المفرط على حساب لبنان واللبنانيين.


مصادر رئاسيّة رأت بأنّ اللبنانيين سيرون بأمّ أعينهم مواطن والفساد وبواطنه. فمنذ تأليف الحكومة برئاسة الدكتور حسّان دياب والسهام ترمى عليها وعلى الرئاسة من كلّ حدب وصوب، فيما لبنان في قلب حرب خطيرة تشنّ عليه من الخارج بأذرع داخليّة تتوزّع على أربع طبقات:
• طبقة سياسيّة معروفة بأسمائها وتوجهاتها وانتماءاتها.
• طبقة روحيّة تستغلّ ما هو روحيّ سام لمآرب ومنافع نتنة للغاية.
• طبقة ماليّة واقتصاديّة تتحكّم بلقمة الناس وعيشها وتلتحف بوشاح الطبقتين الآنفتيّ الذكر.
• طبقة نفطيّة غذائيّة استشفائيّة تكمّل سعي وعمل الطبقات الثلاث في تشويش العقول وإيهام الناس بأنّ مصدر جوعهم وغلاء الأسعار والدولار هو العهد بأكمله.
وتشير تلك المصادر عينها بأنّ مواقف رئيسيّ الجمهوريّة والحكومة واضحة بالتأشير والتوضيح والتدوين. ذلك أن فخامة الرئيس يملك الإصرار على الذهاب بعيدًا في التدقيق والتحقيق تبيانًا للحقيقة وسعيًا في إعادة ما سلب إلى الخزينة. وتعلن تلك المصادر، بأنّ الرئيس بدأ بالضرب على الطاولة، ولن يهاب أيّ حراك يتقن بعضهم استجماعه وإطلاقه. فما هو مستور بات مكشوفًا، ولن يسمح على الإطلاق بالاتجاه نحو فتنة يراد من خلالها التضحية باللبنانيين وبلبنان وبالحقّ كلّه على مذابح النفاق والدجل والعبث. ويرجو فخامته من اللبنانيين تفعيل وعيهم وانتظار ما سيصدر، وعلى ضوء ذلك ينتظر منهم أن يعمدوا إلى التمييز بين المرتكب والبريء، بين القذر والنظيف، ويرى بالتالي بأن الغرائز الطائفيّة عبثيّة تقود نحو الرماد وتحجب الضياء عن العقول والقلوب، فالله الحقّ والخير والجمال لافظ للمجرمين والسارقين والناهبين، وكلّ طائفة تحاول تغطية فاسد أو مجرم هي حتمًا ومن دون تردّد ضدّ الله في المسيحيّة والإسلام.


لذلم ووفقًا لتلك المصادر المطلوب انتظار التحقيقات والانتباه بأنّ الخارج الذي يشنّ الحرب على لبنان لا يزال يصرّ بأن لبنان ورقة بين يديه وهو مطلّ وعبور له تجاه المنطقة. هذه الحرب سببها لأنّ فئة من اللبنانيين صمّمت على الوقوف بوجه إسرائيل فردعتها، وقررت محاربة التكفيريين في سوريا وعلى الحدود فانتصرت عليهم ومنعتهم من الانسياب إلى الداخل اللبنانيّ، فيما بعض الأفرقاء في طرابلس قد باتوا ذرلاعًا لخارج آخر يعبث بأمن المدينة وأمن عكار والضنيّة. وهذه الفئة التي ردعت وانتصرت تشنّ الحرب عليها لأنها عطّلت على وجه التحديد المشروع الأميركيّ-الإسرائيليّ المدعوم خليجيًّا في سوريا والجوار، وتشنّ الحرب على رئيس الجمهوريّة بصورة خاصّة لأنه يملك الإصرار والتصميم على إعادة النازحين السوريين إلى سوريا، ومنع توطين الفلسطينيين لكون صفقة العصر ستبيح التوطين.


وفي النهاية، إن من يشنّون تلك الحرب في الداخل كأذرع للخارج هم الفاسدون بحدّ ذاتهم والرافضون لانبعاث لبنان وطنًا حقيقيًّا كامل الوجود بمعاييره الدستوريّة والقانونيّة والمؤسساتيّة. ومألفة الحياد التي طرحت مؤخّرًا بطريقة طرحها لا تعبّر عن جوهر الفلسفة الميثاقيّة، بل تجذبها من ذاتها لتكون خادمة لمحور يريد استبقاء لبنان في قبضته. فلا يسوغ الحياد وفي لبنان لاجئون سوريون مستخدمون وموظّفون سياسيًّا داخليًّا وباتجاه سوريا، وفلسطينيون ستفرض صفقة العصر على لبنان توطينهم. مسألة الحياد حزء من الحرب على لبنان لأنها مساهمة بالحركة الفتنويّة. ومهما كان من أمر اللبنة الأولى لانكشاف الحقيقة وضعت، والطريق نحوها لن تفرش بالورود وعلى الرغم من ذلك فالنتيجة ستشي بفجر الخلاص.