<
01 April 2020
الكحالة بين الماضي والحاضر: تكاتف ومقاومة! (كريستوف أبي خليل)

الكحالة، البلدة التي تضمّ الطريق الذي يحمي مدينة بيروت عاصمة لبنان، وفي الوقت عينه هي شريان البقاع العزيز. إنها البلدة الجاهزة والحاضرة دائماً للتصدّي لكل عدو أو غريب يحاول الإعتداء أو التطاول على طريق الكحالة أو طريق بيروت. الجيش موجود دائماً فيها وأبناؤها يحملون الجيش في قلوبهم في الأفراح والأتراح؛ تجدونهم قربه في الإنتصارات كما المعارك، وأينما سقط شهداء أو جرحى يحضر أبناء الكحالة دائماً. هم أصحاب تاريخ في البطولة والشجاعة، وساعين دائماً لنقل روحيتهم لأبنائهم حتى تتجذر فيهم، فيتحلون بروح البطولة التي امتاز بها آباؤهم وأجدادهم.

 

مرّ على هذه البلدة العريقة عصور وحضارات، فوجدت الكحالة منذ القرن السادس. منذ ذلك الحين، واجه سكانها الموارنة تعتيم الصلبيين، وهجّروا من قبل جحافل المماليك بعد حريق كسروان القديم. وبعد زوال عهد المماليك في معركة مرج دابق، عام ١٥١٦، إبتدأت عودة الموارنة إلى الكحالة، على دفعات إستمرت حتى أوئل عهد الأمراء الشهابيين. عرفوا بصمودهم منذ سنة ١٧٩٣ وإنهزموا الأعداء في خان الكحالة. عايش الكحاليون، بفنطة وكبر، أحداث لبنان من الحرب العالمية الأولى، إلى الإحتلال الإنكليزي ثم الفرنسي، إلى حكومة الجمهورية الأولى، وإلى حكومة الإستقلال.

 

من أهّم الأحداث التي حصلت في الكحالة كانت في ٢٥ آذار ١٩٧٠، حيث وقع أوّل صدام عسكري بين الفلسطينيين وحزب الكتائب الذي كان مؤيّداً للقضية الفلسطينية ولكنه معارض شرس للوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان. الشرارة إنطلقت من الكحاله إثر إشكال بين أبناء البلدة وفلسطينيين كانوا في موكب تشييع أحد رفاقهم ويشهرون السلاح بشكل إستفزازي. توتّرت الأجواء في محيط "تل الزعتر". خرج الفلسطينيون من المخيم بسلاحهم. فهبّ الرجال لحماية عائلاتهم وأهلهم. رجال، غير حزبيين، حاملين السلاح ورابضين على سطح المنزل طيلة الليل لحماية عائلتهم.


وبعد إندلاع الحرب في لبنان، ومنعاً لحصول عمليات تهجير قسرية من البلدة، تنادى أهالي الكحالة للدفاع عن بلدتهم ضمن خراجها بالوسائل المتوفرة لديهم وذلك بسبب غياب أي تواجد عسكري شرعي على محور وزارة الدفاع-عاليه، عقب دخول قوات الردع العربي لبنان.


واكبت الكحالة بشير الجميل الذي قال ذات يوم في أيار ١٩٧٧: "مبدأ الحمايات الأجنبية إنتهى، ما في أسطول رح يجي يدافع عنا، ولا في أسطول ممكن يطلع يمترس على كوع الكحالة تيدافع عنا، ما بيدافع عن الكحالة إلا أهالي الكحالة.."
بعد إستشهاد بشير الجميل، واكبت الكحالة العماد ميشال عون الذي صرّح سنة ١٩٨٨: "من أول ليلة مقاومة أرضها وطريقها وأهلها بيرمزوا لأرض لبنان ولأهل لبنان ولطرقات لبنان يلي هنّي متل النزلة سهلين على المار سلمياً لكن عاصيين عاللي بدو يمر بالقوة وهيك وقفت الكحالة من سنة ال٧٠ لليوم"..


قاتلت الكحالة بشراسة العدو، وبالرغم من الإحتلال بعد سنة ١٩٩٠، ظلّ أبناؤها يتظاهرون ويقاتلون من أجل الإستقلال الذي حصل سنة ٢٠٠٥ بعد خروج الجيش السوري أراضينا.

 

تكاتف أهالي الكحالة في جميع الحقبات، جعل من المستحيل أمراً واقعاً، وهذا ما نراه اليوم خلال هذه الأزمة الصحية، الإقتصادية والإجتماعية: من ناحية خلية لمكافحة الكورونا تضم الجمعيات والأحزاب الذين باشروا بتعقيم البلدة، والسهر على صحة أهالي المنطقة ومن ناحية أخرى توزيع حصص غذائية للمحتاجين والإطمئنان عنهم.

 

أخيراً، هذه هي الكحالة، منطقة بحجم وطن؛ هنا، في هذه المنطقة ولدت، وكبرت على أخبار أبطالها أيام الحرب، تعرفت على كبارها وحبهم للأرض، وتعلمت من تاريخها دروس كثيرة.. أفتخر أنني إبن الكحالة!