<
13 February 2020
الوضع المالي اليوم يرقى إلى مرتبة الأمن القومي

 في لبنان، تواجه حكومة الرئيس حسان دياب بعد نيلها الثقة النيابية، أول استحقاق عملي يتمثل بكيفية التعامل مع سندات اليوروبوند المستحقة لعام 2020، والبالغة قرابة الأربعة مليارات دولار إذا أضيفت إليها الفوائد، وتشكل أول دفعة منها بقيمة تقارب المليار دولار اختباراً أولَّ، بعد قرابة الشهر، ويعقد لبلورة الموقف الحكومي لقاء رئاسيّ في بعبدا يترأسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويحضره رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة حسان دياب ووزيرا المال والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف، وفيما كانت الأسابيع التي أعقبت تأليف الحكومة شهدت مناقشة لمشروع الخضوع لوصفة صندوق النقد الدولي، وما تتضمّنه من إمداد لبنان بقروض مقابل رفع الضرائب خصوصاً ضريبة القيمة المضافة، وزيادة أسعار المحروقات، وبيع قطاعات الكهرباء والاتصالات. ولم تنته هذه المناقشات رغم تقدّم توجه رفض هذا الخيار على قبوله، جاء موفدو البنك الدولي لمزيد من الضغط بهذا الاتجاه، ولعرض خدماتهم تحت عنوان أن لبنان طلب المعونة، وهو ما نفته مصادر حكومية، وفي ظل ضبابية المعلومات والخيارات التي يقدمها مصرف لبنان، يهدف اجتماع بعبدا لتبيان الخيط السياسي من الخيط المالي في الاستحقاقات وما يحوم حولها من ضغوط وعروض وتلاعب، فوفقاً لمصادر مالية عندما جرى عرض خيار السواب، بما يعنيه من استبدال السندات بسندات مؤجلة مع دفع الفوائد على بعضها، كان صاحب العرض حاكم مصرف لبنان، ولما لقي تجاوباً من المعنيين، تبخر العرض من خلال ما كشف عن قيام مصارف لبنانية ببيع سنداتها المستحقة بعد شهر لجهات خارجية لم تكشف هويتها، وصارت نسبة السندات العائدة للأجانب أكثر من ثلثي الاستحقاق، بعدما كانت أقل من الثلث. والسؤال هو لماذا سيُقدم أجانب على شراء سندات لبنانية قريبة الأجل يقال إنه مشكوك بتحصيلها؟ والسؤال الثاني كيف يمكن السماح والتساهل مع قيام حاملي هذه السندات من المصارف اللبنانية التي سبق وهربت قرابة الثلاثة مليارات خلال الشهور الماضية وقرابة عشرة مليارات خلال العام الماضي، أن تهرّب مبلغاً جديداً من خلال بيع سنداتها لأجانب وإبقاء المبالغ الناتجة عن البيع في الخارج؟

 

مصادر مالية قالت إن مصرف لبنان والمصارف كانا معاً خلال سنوات طوال على ضفة الربح من عائدات دخول لبنان في النفق المجهول، وكان لبنان يغرق أكثر والفريقان يوزّعان المعلومات المفبركة عن الأحوال المطمئنة، وكلمتهما المشهورة، لا تقلقوا كل شيء تحت السيطرة، ولم يقم أي من الفريقين خلال عشرين عاماً عندما صار الدين فوق طاقة الاقتصاد، بضرب يده على الطاولة امتناعاً عن مواصلة لحس المبرد، بل تواطأ الفريقان لزيادة الفوائد وسحب ودائع الناس وتحويلات اللبنانيين من الخارج وصارت كلها ديوناً وتبخرت، وهما اليوم يضغطان لإنفاق ما تبقى من آخر المال لتسريع ساعة الإفلاس وفتح الباب للأثمان السياسية سواء في ملفات عاجلة كترسيم حدود النفط والغاز، أو في تغيير السياسة اللبنانية تجاه عودة النازحين السوريين وتأمين اندماجهم في المجتمع اللبناني، كما تقول الأمم المتحدة ويقول الأوروبيون، ويقف الأميركي في الظل وراء الفريقين، فيما يلفت الانتباه أن قادة الحراك في أغلبهم ينتمون إلى جمعيات تعتاش من ملف النازحين والمساهمات المالية الخارجية المرتبطة ببقاء النازحين، وكثير منهم يجاهر بادعاءات ومزاعم إنسانية لرفض عودة النازحين، بينما تبقى كلمة السر المالية في التوطين.

 

مصادر متابعة قالت إن الوضع المالي اليوم يرقى إلى مرتبة الأمن القومي، وإن اجتماع بعبدا معني بالضرب بيد من حديد لوقف دلع المصارف التي بنت ثروات أصحابها من مال تمّ تحصيله بلعبة خبيثة اسمها سندات الخزينة، والمطلوب بسيط وهو إفهام أصحاب المصارف بأن لا خيار أمامها سوى أن تشتري سندات الخزينة المستحقة لعام 2020 من أصحابها في الخارج، بالأموال التي هرّبتها خلال عام 2019، وإلا فالهيكل لن يسقط على رؤوس اللبنانيين الفقراء ويترك أصحاب المصارف يغادرون البلد إلى عواصم العالم لينفقوا ما جمعوه من أموال الشعب اللبناني، بينما لبنان يعلن إفلاسه وينهار على رؤوس أبنائه، وإلا فلا يستغربنّ أحد أن يصير مطلب تأميم المصارف، فوق الطاولة وفي الشارع.

البناء