<
03 December 2019
هل دقت ساعة الحسم؟ (حبيب البستاني)

حبيب البستاني*

على وتيرة الاتصالات السياسية الداخلية المتسارعة على أكثر من صعيد والشروط والشروط المضادة، وعلى وقع العراقيل الطبيعية حيناً والمفتعلة أحياناً، يتجه لبنان وبخطى بطيئة ولكن ثابتة هذه المرة نحو تشكيل الحكومة العتيدة، كل ذلك في جو من الضغوط الاقتصادية الغير مسبوقة والتهديدات الخارجية الصريحة بالويل والثبور وعظائم الأمور، والمحاولات المستميتة لربط الحركات المطلبية في الشارع بأجندات تجاوزت حدود الوطن ووصلت إلى الإقليم وما بعد بعد الإقليم، وبات اختيار حكومة لبنان وشكلها وأسماء أشخاصها مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالمحاور الدولية وتفاهماتها لتحديد مناطق نفوذ أو عمليات هذه القوة العظمى أوتلك. فهل يستطيع لبنان ولا سيما العهد من تجاوز القطوع الكبير والعمل على تشكيل حكومة " صنع في لبنان " على قاعدة " زوان بلادك ولا قمح الصليبي " ؟

حكومة ما تيسر
أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون وقد اكتووا بالأزمات المتلاحقة، من الرغيف إلى المحروقات إلى فقدان السيولة وهبوط القيمة الشرائية لعملتهم الوطنية، بالرغم من تثبيت سعر الصرف في المصارف لليرة غير قابلة للصرف، وهم في مجملهم باتوا مؤمنين أن تشكيل الحكومة بغض النظر عن الشكل والمضمون والإسم والمسمى بات هدفاً بحد ذاته ينبغي العمل عليه وتحقيقه في أقصى سرعة، وإن التلهي بمعرفة جنس الملائكة بات لا يسمن ولا يغني عن جوع، وبات الحديث عن التكنوقراط أوالتكنوسياسية وما بينهما يشكل نوعاً من الترف السياسي وحديث صالونات لا أكثر ولا أقل، وأصبح هذا الإعلامي أو ذاك وهذا السياسي أو ذاك وبين مجة السيجار ونفس النرجيلة يعطي العنان لتعليماته والنصائح فيضع مطالب وموانع وضوابط للحراك أو الثورة لا فرق، وهؤلاء لم يشاركوا ولو بصورة رمزية لا بتحرك أو حتى بمظاهرة، بل همهم ركوب الموجة لا أكثر ولا أقل وهم وصلوا إلى حد تخوين كل من يتجرأ على التفاوض مع ذوي الحل والربط، وحتى أنهم منعوا من في الشارع من التعبير عن مطالبهم بحجة أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم، وأصبح تمثيل الشارع حكراً على فئة من الانتهازيين مثله مثل الوكالات الحصرية.

دور الرئيس
علامات الآستفهام باتت على كل شفة ولسان وأصبح الحراك حراكات والثورة ثورات وحارة " كل من إيدو إلو "، فاختلط الحابل بالنابل وبتنا فعلاً بحاجة ماسة إلى ضابط إيقاع يعيد ضبط الأمور وإعادة تصويب البوصلة، والاتعاظ من الشارع وتصويب أهدافه وتأطيرها لما فيه مصلحة الوطن العليا، من هنا مناشدة الجميع وبدون استثناء لفخامة رئيس البلاد كونه المؤتمن الأول على الوطن والدستور ليقوم بعملية الإنقاذ المطلوبة وقيادة المركب إلى بر الأمان. فهل ينجح فخامته في لملمة الوضع مع ما يتمتع به من صلاحيات محدودة بحسب اتفاق الطائف؟
يقوم فخامة الرئيس باستثمار كل صلاحياته لتذليل العقبات بغية تشكيل الحكومة العتيدة وكلنا نعرف مدى الصعوبات التي تعترض التشكيلة، وكلنا يعرف أن العراب الخارجي في عهد الوصاية هو الذي كان يشكل الحكومات ويضع الضوابط لها ويجترح لها حتى الأسماء. ويخطىء من يظن أن فخامته يعمل على تأخير الاستشارات بغية تأخير التكليف والتأليف، لقد عايشنا كلنا تشكيل الحكومة الحالية الذي استغرق شهوراً وشهور، بحيث أن الرئيس المكلف كان يضع مرسوم التكليف في جيبه في حله وترحاله وكان اللبنانيون ينتظرون عودته في كل مرة وذلك كمؤشر لقرب الفرج، لقد عشنا جميعاً هذه المرحلة العصيبة، وإن ما يقوم به اليوم فخامته هو لتوفير الظروف الطبيعية بحيث ياتي التكليف مقروناً بالتأليف. إن هذا التصرف هو من صلب الممارسة الديمقراطية المعمول بها في مختلف أرجاء العالم، حيث يصار إلى إجراء الاتفاقات المسبقة بين كل التشكيلات السياسية لتسمية الرئيس وفحوى التأليف، لا سيما وأن وضع لبنان يشبه إلى حد بعيد أوضاع معظم دول العالم الديمقراطية حيث لا تفرز الانتخابات أكثرية موصوفة تنتمي إلى حزب واحد أو تيار سياسي واحد، وذلك يعود إلى النظرة الحديثة في ممارسة الديمقراطية حيث ينبثق عن القانون النسبي للانتخابات تمثيلاً صحيحاً للجميع وبدون استثناء، وهكذا ولممارسة الحكم بصورة هادئة يصار إلى تشكيل الحكومات الائتلافية إن لم نقل حكومات الوحدة الوطنية.

ألحكومة وعنق الزجاجة
يعتقد أكثر من مراقب أننا فعلاً وصلنا إلى آخر المطاف وبدأ العد التنازلي الفعلي لولادة الحكومة، والبدء بالاستشارات خلال ال الساعات ال ٧٢ المقبلة كحد أقصى بحيث يصار على تأكيد المؤكد بالنسبة للتكليف الرسمي لرئيس الحكومة الذي سينبثق من الاستشارات النيابية الملزمة بحسب الدستور. وفي اعتقادنا أن الخروج من عنق الزجاجة أصبح أكثر من حتمي، فمصلحة اللبنانيين التي لا يختلف عليها اثنان أصبحت على المحك، وأنه ومن باب تأمين مصالح الناس واستمرارية البلد والبدء الجدي في عملية الإنقاذ الاقتصادي واستعادة ثقة اللبنانيين والأفرقاء الدوليين في آن معاً يتطلب وجود حكومة إنقاذ. لقد بات الجميع على يقين أن التغيير لا بد وأن يمر بالأطر الدستورية وأن اللبنانيين وبغض النظر عن مطالبهم وانتماءاتهم باتوا أكثر إيماناً بالوطن ولا سيما بالحل الداخلي القائم على أنه " لا يحك جسمك إلا ظفرك ".