<
08 November 2019
محاسبة السنيورة... "مش بس 11 مليار"

د.علي مطر

 

في ذروة الحديث عن مكافحة الفساد، التي تأتي في ظل الحراك الذي استطاع أن يستدير ويلتف على من يريد استغلاله، بدأت المواجهة العلنية مع رموز الفساد ومن استغلوا أو أهدروا أو استفادوا وسرقوا المال العام. من هنا أتت المواجهة المباشرة ما بين المتظاهرين - المطالبين بحقوقهم المشروعة في محاربة الفاسدين واسترجاع الأموال العمومية والكشف عن مكامن الهدر - والرئيس السابق فؤاد السنيورة الذي أضاع الأموال العمومية التي لا تقتصر على 11 مليار دولار وإن كانت هي أكبر الفضائح.

 

أسئلة عدة يطرحها اللبنانيون الحريصون على أموال دولتهم، والمنتفضون على ناهبيها، هل محاسبة السنيورة ستحصر في الـ11 مليار دولار فقط؟ لماذا التركيز على هذا الملف دون فتح ملفات هدره وطريقة إدارته للمالية منذ التسعينيات؟ هل أسقطت قضية محرقة برج حمود إلى الأبد؟ ألم يكن السنيورة في إدارته لمالية الدولة في ظل الحريرية السياسية المهدر الأكبر للمال العام؟ أليس السبب الرئيسي في ما وصلنا إليه من الدين العام هو نتيجة تلك الإدارة؟ كيف كان طريق العبور إلى الدولة عبر نهب المال العام وتكديسه لتمويل مشاريع سياسية؟

 

لا تقف المسألة في شبهات السنيورة المالية على الملف المشهور باسم ملف الـ"11 مليار دولار" التي أنفقتها حكومته الأولى بين عامي 2006 و2008، من دون غطاء قانوني، فالصرف المالي من دون وجه قانوني يعود إلى كل السياسة المالية منذ عام 1993، والتي ظهرت في حسابات الدولة بعدما أنجزتها الإدارة في وزارة المالية. استند ايضاً في هذا السياق إلى ما كشفته صحيفة الأخبار حول شبهات بوجود مليارات الليرات قُبِضت بأسماء وهمية، فضلاً عن تسجيل هبات بعشرات الملايين بأسماء موظفين في الوزارة من دون علمهم، إضافة إلى تدوين الحوالات نفسها أكثر من مرة، وصولاً إلى خمس مرات في بعض الأحيان! ثمة قرارات مريبة كانت تتخذ داخل الوزارة، وخاصة في تسعينيات القرن الماضي، كأن يُصدر وزير المال قراراً يمنع بموجبه مدير المحاسبة من الدخول إلى الحسابات في الوزارة! ورغم الحديث عن فوضى وإهمال تسببا بالهدر، لكن وجود مئات المستندات التي تدل على السرقة الموصوفة، يشير إلى وجود نيّة مبيتة للاختلاس.

 

الملفت ـ المؤسف أن السنيورة كان يتصرف في أموال الدولة منذ عام 1992 حتى العام 1996 وهو لم يكن وزيراً للمالية بل كان وزير دولة للشؤون المالية في ظل تسلم الرئيس رفيق الحريري وزارة المالية، حيث تم اختراع وزارة الدولة للشؤون المالية لكي يتسلم السنيورة زمام الإدارة المالية في الدولة بشكل هو في أصله لم يكن قانونياً.

 

الهدر والاختلاس انتقلا من زمن التسعينيات إلى الألفية الجديدة، حيث إن الرؤية الاختلاسية عابرة للزمن عند هذا الجهبذ في سياساته المالية التي تبني له قصراً وتدمر عبره بلداً، فقد تورط السنيورة في محرقة برج حمود مع إعادة فتح ملف الفساد في عهد الرئيس لحود أواخر التسعينيات، وبالتحديد إبان حكومة الرئيس سليم الحص، لتسقط فيما بعد محكمة "التمييز" الملاحقة عن السنيورة. لم تنته القصة هنا، هنا نسأل أين الهبات التي أتت في حرب تموز والتي لم يُعرف أين صرفت وتم توزيع الكثير منها على مناطق لم تشملها الحرب والدمار تحت حجة إيواء نازحين من الجنوب وبيروت، وصولاً إلى قضية الـ 11 مليار دولار؟

 

لقد ارتفع الدين العام من 6 مليارات دولار مع تسلم السنيورة للشؤون المالية في الدولة اللبنانية إلى ما يقارب 80 مليار دولار حتى آخر حكومة تولاها، وهذا ما يدعو جدياً إلى طرح تساؤل كبير حول سبب ارتفاع الدين العام في ظل إدرته لمالية الدولة ومن ثم سلطته التنفيذية. خلال ما يقارب 15 سنة إذاً من تولي السينورة مالية الدولة، كان هناك انعدام للمكننة المالية ما أدى لتزوير حسابات الدولة، وقبض مليارات الليرات بأسماء وهمية، وتدوين لنفس الحوالات أكثر من مرة، فضلاً عن وضع اليد على هبات الدولة وصرف مكافآت لموظفين وهميين.

 

هذه الإدارة المالية التي قامت على النفعية وتبرير الاختلاسات المالية ومحاولة تشريعها تبين كيف تمت سرقة مالية الدولة من السنيورة وغيره، حيث لم يقف الأمر عند 11 مليار دولار بل تعداها إلى أكثر من ذلك، فمن الواجب محاسبة السنيورة عليها جميعها لاسترداد الجزء الأكبر من المال العام، فإذا أراد القضاء أن يثبت نزاهته في هذه اللحظة التاريخية الراهنة في مسيرة الدولة اللبنانية وتبدلاتها، وأن يسمع صوت الشعب اللبناني ومطالبه المحقة في استرداد أمواله، عليه أن يفتح كل ملفات السنيورة وليس فقط قضية الـ11 مليار دولار، لكي لا تضيع الأموال، ويتم تمييع وتعتيم الحقيقة، ومن ثم إسقاط التهم أو إقفال الملف كما حصل سابقاً، فوضع لبنان لم يعد يحتمل هذا التسويف.

العهد