<
03 November 2019
إلى فخامة الرئيس (بقلم جورج عبيد)
فخامة الرئيس الحبيب الجبل الشامخ العماد ميشال عون
 
في الكتاب العزيز الذي نجيء منه جميعنا آية أعود إليها دائمًا في لحظات الشدّة والقلق تقول: "إلى أين نذهب وكلام الحياة الأبديّة عندك؟، ولنا منه آية أخرى: "قل كلمة فيبرأ ولدي". 
 
في زمن القلق الوجوديّ، يطلّ عليك أبناؤك، كموج بحر للحق هادر، لأنهم عرفوا أن فيك كلمات تحييهم، وكانت قد أحيتهم في أزمنة الأسر الطويل. هذا البحر المتدفّق باتجاهك مأخوذ إلى أبوّتك منذ الابتداء، وبينهم شباب وصبايا، ورثوا منّا سمة النضال، فتعلّقوا بك تعلّقًا وجوديًّا فيما هم باحثون ويبحثون عن مستقبل لهم في لبنان يصنعونه بحبّ وكبر وإباء.
 
ما أروع تلك الإطلالة حين يبوح بها القلب وينشدّ نحوها العقل. قلّة طواها الليل، وماساتها التراجيديّة أنّها لم تدرك أنّك الرئيس الاستثنائيّ المكلّل بمجد لبنان والمتّشح ببهاء المشرق عن استحقاق، لأنّ من ساسها رماها في ضلال كبير، وهي تحتاج لمنقذ من الضلال ولكي يقذف الله نورًا في الصدور لتفهم وتحيا.
 
مرّة زرتك، في قصر الشعب، وكان عقلي مشوّشًا، وبدت مضطربة، وما إن دخلت إليك حتى أحسست أنني استعدت ذاتي المشتتة ورايت نفسي في جدّة حقيقيّة لا ألمسها سوى عند واحد أدمنت على أبوّته الروحيّة لي وهو المطران جورج خضر صديقك الحبيب، إلى أن سالتك، ما هو سرّك سيدي في أن زائرك بأتيك مشوّشًا ثمّ يخرج من عندك جديدًا نقيًّا، أجبتني للتوّ، إنها المحبّة، شخصت إليك وسالتك وما هي المحبّة، فكان جوابك ما قاله يوحنا الرسول الحبيب: "الله محبّة"، ثمّ قلت لي: إسمع يا جورج: أنا مأمور في هذا الموقع وسواه بالمحبّة، وأنا مؤمن أنّها تملك قدرة تغيير الآخرين لأنها تظهر على شفافية الصدق وقوّة الحق. أنت تعلم أنني أستقبل من يحبّني ومن لا يحبني، ولكنّني أتعامل معهم بنَفَس واحد، وبهذا النفس أميّز بين كلّ واحد منهم. ثمّ ختمت قائلاً: المسيحيّة كلّها محبة، ومن لا يحب لا يستحقها، ولا يستحق ان يكون في أيّة مسؤوليّة.
 
أرجو منك أن تعذرني لأني سردت ما أنا معاينه وسامعه منك، وهذا لم أسمعه قطّ عند أيّ مسؤول. وأسوق هذا بالإذن من فخامتك، ليعرف مبغضوك وخصومك من أنت. ولو عرفوا من أنت، لكانوا خجلوا من أنفسهم وعادوا إلى رشدهم، وتعاطوا معك بشغف وعدل وحقّ، وجعلوا العقل إلى العقل والقلب إلى القلب. هذا لمسه واحد كان إلى جانبك، وحين ابتلعه جحيم الأسر، تحركت تحرّك الأب نحو ابنه، واسرعت الخطى لتحريره، فمكنّك ربّك على ذلك مع جبران الحبيب، حتّى ذاق الحريّة فاستقبلته بدموع الفرح والتهليل. وبعد ذلك زرتك وقلت لك بأنني أحسست نفسي مهانًا مع إهانته، فأجبتني إنني احبه كابن لي، وهو حرم باكرًا من أبيه بوحشيّة مطلقة، وأنا تبنيته، وهو رجل طيّب ومهذّب للغاية. ما أبهاك، سيدي، وأنت تسمو فوق السياسات الضيّقة بإنسانيّة طهور، ترى بها مأساة الآخرين فتحتضنها بحبّ وكرم، فتحولها إلى واحة رجاء.
 
كنت أتأمّل من المتظاهرين في الساحات أن يفهموا حقيقتك، وهي ليست الظاهرة في النصّ بل في القلب. ذلك أنّ مطالبهم مطالبنا نحن، ونحن من أطلقها قبل حراكهم بكثير.دعوتهم لزيارتك، ليفهموا هواجسك. إنتظرتهم كأبناء لك يفيئون إلى أبوّتك، فانكروا ومكروا، ختمت كلمتك إليهم: "أنا ناطركم"، فصمّوا آذانهم لأنّ لهم مآرب أخرى. صبرت، وكنت ألامس صبرك صبر الجبال الشامخة، ولم تقل شيئًا، لأنّك فهمت أنهم أبرياء مضلّلون، والحاجة أن يفيقوا من هذا السبات. ثمّ عدت إلى الناس في ذكرى انتخابك رئيسًا وإطلالتك على النصف الثاني من ولايتك، وسكبت فهمًا وفكرًا جديدًا بنصّ مسبوك كالذهب الصافي، اعتبره كثيرون أنه خريطة طريق، فيما هو وثيقة تكوين للبنان جديد، للبنان متحرّر من الطائفيّة، ومتطلّع إلى دولة المواطنة ولم يفهم بعضهم، لأنهم لم يدركوا ان في كل كلمة نبض محبّة ومساحة صدق. ما يرميني في الشكّ سيدي الرئيس، أنّ رئيس الحكومة حينما استقال، اقفلوا الباب على معنى "كلّن يعني كلّن"، فخلت الساحات منهم، فيما راحوا يطالبون بعودته لرئاسة الحكومة، أليست تلك مفارقة؟!
 
المفارقة الثانية، أنّ أبناءك الحقيقيين، المولودين من كلماتك، ما إن قرّروا زيارتك والاحتشاد امام "قصر الشعب"، حتّى قرّر آخرون النزول إلى ساحة الشهداء، ونحن نعلم بانهم سيطالبون بعودة من وقفت إلى جانبه واستقال بطريقة غير لائقة، وكأنهم لم يسمعوا ما دعوت إليه بان لا تكون عندنا ثقافة الساحات المرّة، وقد تشبه إلى حدّ كبير ما بنى عليه الإعلام الغربيّ أطروحته خلال الحرب، الحيّ المسيحيّ مقابل الحيّ الإسلاميّ، هكذا قسّموا لبنان ليظهروه في فراغ الهزال والحروب المتنقلة. وقد كان الأجدر بهم أن ينضمّوا بحبّ إلى من سيزورونك ويؤكّدوا تضامنهم مع اطروحتك، لينفتح البلد على آفاق النور والرجاء.
 
هذا يدنيك أكثر فاكثر إلى الصبر والإيمان ينشئ الصبر، ولسان حالك يقول "من مثل الله". من مثل الله يا سيدي الرئيس هو معنى اسمك في العبريّة، وقوّة الله يحملها جبران في ذاته وهذا هو معنى اسمه أيضًا، والله القدوس ساكن فيكما وفي العائلة كلّها. سنخوض إلى جانبك المسيرة إلى آخر لحظة، لن ينكسر قلمي لحظة واحدة، وهذا وعدي لك، وقد سمعته منّي، واليوم أدونه في موقع هو موقعي وموقع الشرفاء. لن ينكسر قلمي على الرغم من أنّ بعض السفهاء السخفاء لا يعلمون أنني لا أسجد سوى للرب القدوس وحده، ولا أخشى شيئًا لأن الرب معي، وعصاه وعكازه كما يقول داود النبيّ يعزيانني. لن ينكسر قلمي، لأنك يا سيد جبل صامد بوجه الرياح، ومهما عتت وقست، فأنت الأقوى، لأنّ كثافة المحبّة فيك تمنحك القوّة.
 
سيدي الرئيس،
لن أدهب إلى أيّ مكان ومجد لبنان وبهاء المشرق عندك، وأنت الجبل الشامخ والأشمّ. ولك مني المحبّة والاحترام والسلام. ألا كان الله معك، ومن مثله معك؟