<
12 October 2019
باريس تتلمّس سباقا ضد الوقت .. ورهان على "سيدر" والغاز البحري لبنان أولوية فرنسية: تفادي الإنهيار الوحشي للإقتصاد يمنع سيطرة حزب الله

انطوان الاسمر
تنحسر، تدريجا، فسحات الامل بالخروج من الأزمة المركّبة التي تعصف بلبنان، وتنحسر معها، بإطّراد، الرغبة الدولية في تقديم يد المساعد. ذلك أن مآل النقاش في الإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة بإلحاح محليا ودوليا، يتخذ منحى مستغربا على المستوى السياسي – الحزبي. وقد تكون العرقلة المستجدة للخطة الإصلاحية في قطاع خطة الكهرباء (التي سبق أن نالت قبل أسابيع قليلة إجماعا في مجلس الوزراء قبل أن يعود أحد الاحزاب السياسية المتضررة للإنقضاض عليها) مثالا صارخا عن تقدّم كارتيل الإحتكار الإمتيازات - في النفط تحديدا- على المصلحة العامة.
هذه العرقلة الكهربائية كانت حاضرة هذا الأسبوع في الكثير من النقاشات الديبلوماسية. صحيح أن ثمة إصرارا فرنسيا - أوروبيا على أن يكون تعييين مجلس إدارة شركة الكهرباء والهيئة المنظمة جزءا لازما من الخطة (الى جانب إصراره على إنجاز التعيينات في الهيئتين المنظمتين للاتصالات والطيران المدني)، لكن من غير المفهوم لدى عدد من البعثات سبب الإنقضاض المفاجئ على الاصلاحات في هذا القطاع، سوى أنه جزء من الكباش المصلحي في محاولة للحفاظ على إمتيازات النفط المليونية. كما انه من غير المفهوم إصرار بعض الجهات السياسية على عدم إقران مشروع موازنة 2020 بالحد الأدنى من الإصلاحات الهيكلية القادرة وحدها على منح البلد بعضا قليلا من الأوكسيجين.
يأتي هذا الإستغراب الديبلوماسي في سياق ما سبق للسفير بيار دوكان أن أبداه في زيارته الأخيرة لبيروت من شكوك متزايدة من المانحين حيال إلتزام الحكومة تحقيق الإصلاحات "بأسرع ما يمكن حتى تنجح الخطة الاستثمارية" (سيدر).
لا تزال مقاربة الرئاسة الفرنسية للمسألة اللبنانية قائمة من منطلق براغماتي يتفهّم التعقيدات المحلية وتشعُّب المشاكل وتشابك السياسي بالطائفي (نموذجٌ فاقعٌ ما يحصل راهنا في قطاع الاتصالات حيث الفيتو المذهبي يطغى، لا بل يجهض أي إصلاح مأمول).
تنحو الإدارة الفرنسية الى مزيد من الليونة والمرونة في مقاربة تلك التعقيدات، إنطلاقا من إدراكها أهمية الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار، وهو أمر لن يتوفّر في حال إشتد الحصار الأميركي على حزب الله. كما تبدي خشية من أي انهيار وحشي للإقتصاد من شأنه أن يخلّف فوضى سياسية واسعة النطاق يستفيد منها حصرا حزب الله. لذلك تعتقد باريس أن سيدر هو آخر خطوط الدفاع عن النظام القائم، وآخر معاقل حماية الحكومة ومصالح حلفائها وشركائها الإقليميين في لبنان. إذ قد يكون مغريًا لحزب الله انهيار النظام الاقتصادي، بدءاً من القطاع المصرفي الذي تقوده بشكل أساس النخب المسيحية والسنية، الى جانب مروحة من المزايا التي يحتكرها مجتمع الأعمال داخل النخب إياها. فالحزب الذي تستهدفه العقوبات الاميركية وتتعرض قواعده لعواقب العقوبات ضد راعيه الإيراني، لن يألو جهدا لتفادي نتائجها الوخيمة من خلال إيجاد مصادر تمويل بديلة، أو حتى تسريع الانهيار ليصل الى ما يبتغيه من فوضى يستفيد منها حصرا.
لذلك تراهن باريس على سيدر، وتعمل على تكييف ما هو مطلوب لبنانيا بما يتناسب مع الخصوصية اللبنانية، وفقًا لمروحة من المعايير ليست كلها اقتصادية ومالية، بما يبقي "سيدر" في أجندة الاهتمام الدولي بما يبدد أي شكوك في شأن نسفه او تراجع الاهتمام به، مع الحفاظ على الحد الأدنى من الإصلاحات المقبولة.
ويُنتظر في هذا السياق إطلاق سراح اللجنة التوجيهية Comité de pilotageالمأمول إنشاؤها في الأسابيع القليلة المقبلة، وهو سيشكل الدليل الرئيس على الالتزام الفرنسي – الدولي، وعلى الجدية اللبنانية. إذ ان من المهام الرئيسة لتلك اللجنة، مراقبة الآليات المعتمدة واختيار المشاريع قبل أن ينظر فيها مجلس النواب. ولا يخفى الرئيس سعد الحريري سعى الى لجنة مصغرة مؤلفة من عدد محدود من مساعديه وممثل لكل من مجلس الانماء والاعمار والهيئة العليا للإغاثة بصفتهما هيئتين تقعان تحت وصايته، فيما ترغب باريس في لجنة موسعة تضم، بالإضافة إلى فرنسا، كلا من المملكة المتحدة وكندا والأردن وبنك الاستثمار الأوروبي وصندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية، والأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة ومجلس الإنماء والإعمار والتفتيش المركزي.
وتتلمّس الدوائر الفرنسية سباقا لبنانيا ضد عامل الوقت، مع رهان على عاملين قد يشكلان فرصة انقاذية: سيدر ومكامن الغاز البحري.