<
10 October 2019
الحل مزدوج سياسي إقتصادي (حبيب البستاني)

حبيب البستاني*


تتخذ الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها لبنان أبعاداً داخلية وخارجية في آن معاً، والذي يحدث في الخارج ينعكس حكماً على البلد والذي يحدث في الداخل يستغل ويستعمل من الخارج لخدمة هذا المشروع أو ذاك.
تشكل الأزمة الاقتصادية الوجه الأبرز للمعضلة وتجلياتها وانعكاساتها على البلاد وعلى العباد، ولقد اعتاد اللبناني على نظرية المؤامرة ففي داخل كل فريق سياسي هاجس المؤامرة والمؤامرة لا تستهدف فريقاً دون الآخر بل تستهدف الجميع فيشعر كل فريق أنه مستهدف وإن بطريقة مختلفة عن الآخر. فبالنسبة للبعض إن الامتداد الإيراني يصادر قرار السلم والحرب والمد الفارسي للدولة الإسلامية يبدأ في طهران مروراً بالعراق وسوريا وهو لا يتوقف عند حدود لبنان بل يتخطاها إلى اليمن السعيد وصولاً إلى آسيا وقد يصل إلى أميركا اللاتينية.
أما بالنسبة للبعض الآخر فالمؤامرة تبدأ من واشنطن ولا تنتهي في تل أبيب بل تتعداها إلى الخليج والدول الدائرة في الفلك الأميركي.

لبنان المستهدف الأول
في خضم الصراعات هذه التي تعصف بالمنطقة العربية والشرق أوسطية يشكل لبنان الساحة الأمثل لتصفية الحسابات ولإرسال الرسائل المشفرة في هذا الاتجاه أوذاك، وهذا ما كان يحدث طيلة سنوات الحرب التي عصفت بلبنان، والساحة اللبنانية لم تكن حينها تستعمل بالروح الرياضية والصراعات التقليدية إنما كانت هذه الصراعات تتخذ أشكالاً دراماتيكية ولا سبما دموية في معظم الأحيان، فمن المعارك العسكرية وإشعال المحاور إلى السيارات المفخخة والاغتيالات السياسية منها والأمنية التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار وبث الفوضى العبثية بين مختلف أبناء الوطن، فلم يكن لبنان ساحة بل إن كل اللبنانيين كانوا وقوداً لهذه الحرب.

فماذا حدث لتتحول المواجهات من دموية إلى أشكال أخرى ولعل أبرزها الاقتصاد؟
باكراً وبفطنته المعهودة ورؤيويته الثاقبة، استوعب فخامة الرئيس اللعبة وهو المخضرم الذي عايش كل الحروب والمواجهات التي عصفت بالوطن، وكان قد وضع أمام خيارين أحلاهما مر، فإما اصطفاف داخلي وتجنب الضغوط الخارجية وإما الحفاظ على الوحدة الوطنية ورفض الدخول في مواجهات داخلية، وبرغم الضغوط التي كانت تمارس من الداخل والخارج في آن معاً وذلك تارة بحجة استعادة القرار من أيدي مصادريه لا سيما قرار " السلم والحرب " بين مزدوجين وطوراً بحجة الناي بالنفس وما يعنيه ذلك من ابتعاد عن المواقف الوطنية.
طبعاً اختار الرئيس الوحدة الداخلية على ما عداها وهو على قناعة أن لبنان يستطيع مواجهة العالم وهو موحداً وهو لا يستطيع العيش إذا كان منقسماً. ومن أعلى منبر في العالم من منبر الأمم المتحدة راح ليدافع عن حقوق لبنان في مياهه وأرضه وسمائه، مطالباً المجتمع الدولي بإيجاد الحلول الناجعة لعودة النازحين، الذين أصبحوا يشكلون العبء الأكبر على بلد الأرز الذي يستوعب أكثر من طاقته ذاهباً إلى حد التلويح بعمل كل شيء في سبيل تأمين هذه العودة. هذا الخيار الجريء لفخامة الرئيس استجلب للعهد وللبنان الويل والثبور وعظائم الأمور، وبدأت تتبلور أشكال الضغوط التي تحولت إلى ضغوط إقتصادية ونقدية تطاول اللبنانيين في لقمة عيشهم وفي مستلزمات العيش الأساسية من طاقة وخبز ودواء، وبدأ اللعب على أعصاب الناس وتصوير الأمور وكأن وجود العهد هو الذي استجلب غضب القوى الدولية ودول ما يسمى بالمعسكر الغربي الذي يمسك بسلطة المال والغذاء.

دور الداخل
كما في كل مواجهة يعتقد بعض ضعاف النفوس من الداخل أنه إذا سقط البلد فهم من سيتولى قيادته، وتحت شعار حرية التعبير والحريات الصحفية بدأت الحملات الإعلامية الممولة وبدأ الهجوم المركز على العهد ورئيس العهد، في ظل بث لأجواء مسمومة وإشاعات مغرضة استهدفت سمعة القطاع المالي والاستقرار النقدي في البلد وهم نسوا أوتناسوا أن موازين القوى الداخلية لا يمكن أن تتحكم بها مشكلة من هنا أوأزمة من هناك، وأن المركب إذا غرق فهو سيغرق بكل من فيه، إلا إذا كان أولئك يمارسون مقولة " علي وعلى أعدائي " .

فما هو الحل؟ وهل تستطيع المعالجات والاصلاحات البنيوية الصرفة أن تأتي بالحل للأزمة الاقتصادية وتعيد الثقة بلبنان وباقتصاده وبالليرة اللبنانية؟
طبعاً المعالجات الاقتصادية أكثر من ضرورية وأكثر من ملحة وهي مطلوبة من الداخل والخارج في آن معاً ورب قائل أنه من الجيد أن تكون الأزمة قد حصلت لنلتفت إلى معالجة إقتصادنا الغير سليم، وأنه خير أن تأتي الأزمة اليوم واحتياطنا المالي من العملات الصعبة مقبول والتغطية الذهبية لليرة موجودة من أن تأتي غداً.

ولكن ماذا عن السياسة؟
في كل الدول الديمقراطية وبعد الأزمات الكبرى ونحن نعيش واحدة منها يصار إلى اعتماد حلول إقتصادية لتصحيح الخلل الاقتصادي وحلول سياسية تقوم على إحداث صدمة إيجابية، إذ إن نتائج المعالجات الاقتصادية وأياً يكن شكلها وحجمها تطلب في معظم الأحيان سنوات لكي تتحقق الأهداف المرجوة منها، وعلى سبيل المثال لا الحصر تطلب حل الأزمة اليونانية أكثر من ثلاث سنوات والأزمة القبرصية لم تحل بعد بالكامل بالرغم من الحوافز الاقتصادية الكبيرة وهدايا الإقامة الدائمة وربما الجنسية في ما بعد للمستثمرين الأجانب.

التعديل الحكومي أي حكومة جديدة
أما الحل السياسي فيقوم على إجراء ما يسمى بما يعرف بالفرنسية ب Remaniement ministériel أي التعديل الوزاري وهذا غير متوفر في الدستور اللبناني ولإجراء أي تعديل يصار إلى تغيير الحكومة، وهذا الإجراء ليس بالضرورة موجهاً ضد رئيس الحكومة أو ضد العهد بل على العكس تماماً، فيعطى رئيس مجلس الوزراء مجلساً أكثر تجانساً وأقل قرقعة وذلك لتسهيل اتخاذ القرارات
" الغير شعبية " والصعبة والموجعة التي تطلب أدوات جديدة وكاريسما جديدة، وليس المطلوب المس بالتوازنات فتبقى الأسماء الكبيرة التي تعطي التغطية السياسية الضرورية للاستقرار السياسي ويستبدل بعض الرؤوس الحامية من هذا الفريق أوذاك لمصلحة آخرين من نفس الفريق السياسي وذلك بغية التقليل من ألمناكفات أو المشاحنات التي تتخذ في معظم الأحيان الطابع العبثي.
كل ذلك ممكن طبعاً ولكن دونه معوقات كثيرة ينبغي التنبه لها وأهمها :
ضرورة الاتفاق المسبق على الحكومة العتيدة قبل التفكير باي شيء آخر
عدم الذهاب إلى ما يسمى بالتقنوقراط لأن البلد مسيس حتى العضم
أن يحدث التغيير المنشود بالتفاهم بين فخامة الرئيس ودولتي رئيس المجلس والحكومة، فالوحدة الوطنية هي وحدها الكفيلة بتأمين الاستقرار السياسي والمالي ومواجهة المؤامرات الخارجية.
كاتب سياسي*