<
03 September 2019
#لبنان_الكبير وسط العواصف متى يستقر! (د. علا بطرس)
وُلد لبنان الكبير بإرادة لبنانية -فرنسية جسدها البطريرك الراحل الياس الحويك بنشوء دولة من رحم المتصرفية تمتد لتضم الاقضية الاربعة في السهل والداخل تأميناً للأمن الغذائي للبنانيين بعد تجربة الحصار العثماني ١٩١٤-١٩١٨ التي اودت مجاعة وموتاً بثلث الشعب وهجرت الثلث الآخر وشنقت مدافعين عن الحرية في ساحة الشهداء. وحاولت الحركة الصهيونية في ذلك الحين اي في عام ١٩١٩ عقب مؤتمرات فرساي بالعمل الحثيث من خلال الانكليز على تغيير خط الحدود بين لبنان وفلسطين المعروف ب"خط بوليه-نيوكومب" باقتطاع جنوب نهر الليطاني ليكون جزءاً من دولة اسرائيل المزمع ولادتها تنفيذاً لوعد بلفور. وما زالت هذه الرغبة الدفينة موجودة لدى قادة دولة اسرائيل على الرغم من اندحار الاحتلال عام ٢٠٠٠ لأن الدولة العبرية تطمح بحدود تاريخية، من النيل الى الفرات، وهي في الواقع حدود مائية تؤمن لها الامن المستدام وتقيها من الجفاف على المدى الطويل لذلك ضمت الجولان السوري من خلال ما تؤمنه بحيرة طبرية من سد لاحتياجاتها المائية او بطمعها بالثروة المائية الموجودة في الجنوب اللبناني. وعليه، لم يستقر لبنان منذ نشوء دولة اسرائيل فكيف بالحال اليوم مع وجود النفط والغاز؟! ناهيك عن معضلة اساسية تمثلت بتهجير الفلسطنيين وهم يعيشون في مخيمات تفتقر الى مقومات الكرامة الانسانية وهم يتعرضون ويعرضون امن الدولة القومي للخطر بفعل تغلغل الخلايا الارهابية بين اللاجئين (ظاهرة شاكر العبسي في مخيم نهر البارد وظاهرة احمد الاسير في محيط مخيم عين الحلوة).
 
يمكن القول انه خلال المئوية الاولى، لم يستقر لبنان بفعل مشاريع الوحدة العربية على الرغم من التزام الجميع المبدئي في ميثاق جامعة الدول العربية بسيادة الدول واحترام انظمة الحكم فيها، ومشاريع أخرى ارتبطت بالتقسيم وما زال البعض يرى ان الدول الناشئة بفعل سايكس-بيكو ليست نهائية. وما زالت الشعوب القاطنة في هذه الدول وبخاصة في المشرق العربي غير آمنة وتنظر الى مستقبلها بعين القلق. فالربيع العربي الذي سمي بخلاف الواقع المدمّر الذي أفرزه منذ العام ٢٠١١ خلّف الفوضى والحروب وموجات النزوح الداخلي واللجوء الكثيف ومنها للشعبين العراقي وبالاخص السوري وهنا التخوف مجددا على الاستقرار وديمومة الدولة في لبنان والمنطقة ايضاً. واذا مرّ "القطوع" في المئوية الاولى فإن السؤال الذي يطرح ماذا ينتظر لبنان في مئويته الثانية؟
 
لا شك ان الاحداث المأساوية التي عانى منها اللبنانيون ونعني بها الحرب الاهلية (١٩٧٥ -١٩٩٠) جعلتهم مدركين بنهائية الكيان وذلك بمباركة اقليمية وبالاخص المملكة العربية السعودية ودولية، لكن ذلك لا يكفي دون ولادة الدولة القوية وعامودها الفقري الديمقراطية والحوكمة التي تعزز الاستقرار والازدهار لمصلحة المواطنين دون تمييز وليس معايير الطائفية والقبلية التي ستقضي على دولة لبنان الكبير بحكم الفساد وانعدام المساءلة كونها تتقدم غرائزياً بطبيعة الحال على معايير النزاهة والشفافية.
 
ولبنان الكبير في مئويته الثانية الذي يحتاج الى بناء الهيكل، يحتاج ايضاً الى اعتذار من محيط امعن في طمس حقيقته. فالدول العظيمة تعتذر عن ارتكابات مارستها بحق شعوب احتلتها او ابادتها وآخرها اعتذار المانيا من بولندا بعد ٨٠ عاماً على ممارسات ظالمة فكيف بحال تركيا وريثة الامبراطورية العثمانية وحكمها الحالي المجدد للعثمنة؟
 
ان الشعب اللبناني يحتاج الى تنقية الذاكرة بكتاب تاريخ موحد ويحتاج الى قناعة ان لبنان نموذج فريد للانسانية ولد ليبقى لكنه يحتاج الى دولة قوية تؤمن له الامان والسلام ويعترف لها الآخرين (من المحيط) ايضاً ... باعتذار.