<
12 July 2019
العقوبات الاميركية على طهران: من المتضرّر الاكبر؟! (د. علا بطرس)

د. علا بطرس -

 

 يسدد الرئيس الاميركي دونالد ترامب من خلال العقوبات على طهران جملة اهداف استراتيجية تخصّ مصلحة الولايات المتحدة واسرائيل معاً. فهناك اهداف مرتبطة بشكل مباشر بنفوذ القوى على الساحة الدولية، وأخرى مرتبطة بنفوذ القوى الاقليمي في الشرق الاوسط.


تسعى الولايات المتحدة الى وقف صادرات النفط الايرانية بالكامل بشكل يعيد مشهد حصار العراق وتداعياته على قوة الدولة ما بعد العام ١٩٩٠. ولم يأتِ احتجاز ناقلة النفط الايرانية "غرايس ١" من قبل "شرطة جبل طارق" عرضاً انما في سياق التطويق لعبور ناقلات النفط الايرانية نحو وجهتها الاخيرة بشيء يشبه "العزل" لطهران من الملاحة الدولية عبر اتهامها بإعاقتها لحرية العبور وهذا كان ليحصل لو تطوّر الامر الى اشتباك بين السفن الايرانية المعترضة على ناقلة النفط البريطانية في مضيق هرمز.


لا شك، ان الدول المستوردة للنفط الايراني هي الاكثر تأثراً جراء القرار الاميركي، وهي الصين، الهند، اليابان، كوريا الجنوبية وتركيا بشكل يعيد الى الاذهان ازمة النفط عام ١٩٧٣ حيث لم تكن الولايات المتحدة الحليفة لاسرائيل هي المتضررة بالعمق من القرار العربي (السعودي) في حينه بل كانت دول الاتحاد الاوروبي واليابان بشكل ابطأ نموها الاقتصادي خاصة وان الولايات المتحدة كانت تحوي على احتياط من النفط فكيف بالواقع الحالي بعدما اصبحت دولة منتجة له؟!


ان العقوبات الاميركية موجهة سياسياً واقتصادياً ليس فقط ضد الجمهورية الاسلامية في ايران وحلفاء لها في الصراع مع اسرائيل (حزب الله) انما ضد قوى دولية باتت على قاب قوسين من تبوء مركز عالمي قادر أن يشكل تهديداً محتملاً لزعامة الولايات المتحدة وأحاديتها، بشكل يعيد التذكير بمقولة نابوليون بونابرت الشهيرة "عندما تستيقظ الصين سيعرف العالم زلزالاً". فهل المستهدف الاكبر من العقوبات الاميركية هي الصين عبر طهران؟ ماذا عن حزب الله؟!


تشكل ايران صلة الوصل بين آسيا والشرق الاوسط كجزء من خطة الصين الاستراتيجية المعروفة تاريخياً ب"طريق الحرير" او حديثاً ب"مبادرة الحزام والطريق". فالصين هي المستهلك الاكبر للنفط الايراني والتي خفضت واردتها الى النصف تماشياً مع العقوبات الاميركية التي فرضت في تشرين الثاني من العام ٢٠١٨ وكان دورها تشاركياً مع الولايات المتحدة الاميركية بخصوص برنامج ايران النووي. فالصين لعبت مع الشركاء الدوليين والى جانب ادارة باراك اوباما وفق خطة العمل المشتركة دوراً بناء لمكافحة انتشار الاسلحة النووية بتحقيق انتصار دبلوماسي بعد ١١ عاماً من المفاوضات فيما عرف ب"الاتفاق النووي" بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي والمانيا (٥+١) كما صوتت لصالح ٦ قرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة ضد ايران. فهل يحصل مع الصين اليوم ما حصل مع روسيا في لبيبا بعد العام ٢٠١١؟!


في الواقع، يعتمد الرئيس الاميركي دونالد ترامب تغييراً جذرياً في مقاربته المسائل الشائكة. من كان ليتوقع التقارب الاميركي مع كوريا الشمالية؟! الم يكن هذا الامر احتواءً وتطويقاً للصين؟! من كان يتوقع ضرب قرارات الشرعية الدولية بإعلان القدس عاصمة لاسرائيل والموافقة على ضم الجولان لاسرائيل أيضاً؟


ان تطويق ايران له اهداف مزدوجة. قطع الممرات الصينية نحو زعامتها وضرب اي نفوذ يهدد ما يُعرف ب"صفقة القرن". وبما ان الصراع ذات بُعد دولي فعلى لبنان تحييد نفسه في هذا الشرق الذي يعاني من صراعات معقدة خاصة وان العقوبات قد طالت مسؤولين من "حزب الله" والمفارقة في ذكرى "حرب تموز".