A
+A
-يشكل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه إدراج تنظيم الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب محطة مفصلية في مسيرة التنظيم داخل المنطقة والعالم.
القرار الذي وصفه ترامب بأنه في مراحله الأخيرة وأن التصنيف سيتم "بأشد العبارات"، يمثل تطورا نوعيا غير مسبوق في التعامل مع الجماعة، ويضعها أمام مرحلة جديدة عنوانها تضييق الخناق على شبكاتها المالية والدعوية واللوجستية، وإضعاف الحاضنة السياسية الداعمة لها.
ويأتي القرار في توقيت دولي بالغ الدقة، حيث أصبحت الساحة السودانية في السنوات الأخيرة الملاذ الأخير لنفوذ التنظيم بعد خساراته المتلاحقة في معظم دول المنطقة. ما فتح باب التساؤلات حول ما إذا كانت الخطوة الأميركية ستشكل نقطة تحول في مسار الحرب السودانية، التي يرى كثيرون أن تنظيم الإخوان لعب دورا رئيسيا في إطالة أمدها واستثمار الفوضى لإعادة تموضعه السياسي والعسكري.
بوابة لإنهاء الحرب
لاقى الإعلان الأميركي ترحيبا داخل السودان، حيث اعتبر تحالف تأسيس أن التصنيف يمثل "المدخل الحقيقي والصحيح لوقف الحرب"، مؤكدا أن التنظيم خدع الجميع تحت شعار توسيع المشاركة، ورفض الاتفاق الإطاري المدعوم دولياً، وظل يستثمر الصراع لتعزيز نفوذه.
وشدد بيان التحالف على ضرورة تكامل الجهود العسكرية والأمنية والسياسية والدبلوماسية للتخلص من سيطرة الإخوان، داعيا في الوقت نفسه إلى تصنيف الجماعات المتشددة الأخرى تنظيمات إرهابية.
قرار مبني على مشاورات عربية
أكد العضو السابق في الفريق الاستشاري للرئيس ترامب غبريال صوما خلال حديثه الى غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية" أن القرار جاء نتيجة مشاورات واسعة مع الدول العربية المعنية بمحاربة الإرهاب، مثل مصر والسعودية والإمارات والبحرين وسوريا، ومحذراً من الاعتقاد بأن الرئيس ترامب يتخذ قرارا منفردا.
وقال صوما إن الولايات المتحدة تحترم آراء حلفائها وتشاركهم تقييم المخاطر، مضيفا أن شخصيات مثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تلعب دورا محوريا في بلورة هذه الرؤى، خصوصا في القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي.
ويرى صوما أن الولايات المتحدة تنظر إلى الشرق الأوسط باعتباره منطقة ذات مصالح اقتصادية حيوية ومواقع استراتيجية لشركات أميركية ضخمة، خصوصا في الخليج العربي، وأن واشنطن لن تسمح لمنظمات مصنفة إرهابية بلعب أدوار سياسية تهدد هذه المصالح.
البعد الاقتصادي والاستخباراتي
أشار صوما إلى أن واشنطن تعتمد بشكل متزايد على أدوات الضغط المالي لتعقب تمويل التنظيمات، مشيرا إلى قدرة الولايات المتحدة على تجميد الأموال ومراقبة حركة التحويلات والتضييق المصرفي بالتعاون مع الأجهزة الاستخباراتية مثل CIA وFBI.
وأوضح أن الولايات المتحدة تراقب بدقة شبكات المال واللوبيات التي يمكن أن تخلق الفوضى في الشرق الأوسط، في وقت يعاني فيه العرب من غياب لوبي فعال داخل الولايات المتحدة مقارنة باللوبي الإسرائيلي الذي يمتلك قوة تأثير واسعة في الكونغرس.
لو تغيرت الإدارة الأميركية
فيما يتعلق بمستقبل القرار، رأى صوما أن استمرارية سياسة ترامب مرتبطة بوصول نائب الرئيس إلى البيت الأبيض، معتبرا أن ذلك قد يضمن ثماني سنوات إضافية من استمرار النهج نفسه. لكنه حذر من وصول الديمقراطيين، خصوصاً شخصية شبيهة بجو بايدن، ما اعتبره تهديدا لفاعلية هذا المسار.
من جهته، اعتبر علي بكر، الخبير في الجماعات المتشددة بمركز تريندز، أن القرار المرتقب حاسم وليس شكليا، مؤكدا أن الغرب بدأ يدرك مخاطر الإخوان، خصوصا بعد تمددهم داخل المجتمعات الغربية واستثمارهم قوانين الحرية لبناء تكتلات ضغط ولوبيات قوية عبر المساجد والمدارس والمنظمات المدنية.
وأوضح بكر أن الإخوان يوفرون بيئة خصبة لنمو التنظيمات الإرهابية، مشيرا إلى أن صعود الجماعة كان دائما متوازيا مع صعود جماعات مثل داعش والقاعدة وجند الخلافة وغيرها، بينما أدى تراجعها إلى تراجع الإرهاب كما حدث في مصر وتونس.
التحدي الأكبر.. الأذرع المتعددة
طرح بكر تساؤلات حول قدرة القرار الأميركي على ملاحقة التنظيم رغم تعدد وجوهه ومسمياته، مثل:
متسائلا عن قدرة الولايات المتحدة على اختراق هذه البنى وتفكيك شبكاتها السائلة.
خبرة إقليمية مطلوبة
شدد بكر على ضرورة أن تتعاون الولايات المتحدة مع دول تمتلك خبرة فكرية وأمنية واسعة في مواجهة الجماعة، خصوصا مصر التي نجحت في تأهيل أكثر من 13 ألف عنصر من الجماعات المتطرفة للاندماج السلمي داخل المجتمع.
يربط عبد الله الجنيد بين تغريدة حاكم تكساس الداعية لتصنيف الإخوان تنظيما إرهابيا، وبين الخطوة التالية المتمثلة في حظر نشاط "كير" داخل الولاية، باعتبارها أحد أكبر الأذرع الإخوانية. ويرى أن هذا التطور يعكس اتجاها سياسيا أميركيا يفتقر إلى استراتيجية متماسكة، كما يظهر في التذبذب بين إدارات متعاقبة في ملفات مشابهة، مثل تصنيف الحوثيين.
أسئلة جوهرية حول اتساق القرار الأميركي
يطرح الجنيد تساؤلات حول خلفيات هذا التوجّه:
هل هو مرتبط بأحداث 7 أكتوبر 2023؟
أم ناتج عن إدراك متأخر لطبيعة ثقافة "تنتج الكراهية وتمويل الإرهاب"؟
ويستحضر شهادة مدير الـFBI السابق روبرت مولر، الذي أكد أمام الكونغرس أن الإخوان كانوا شريكا في تمويل الإرهاب، معتبرا تجاهل واشنطن لذلك خللا بنيويا.
جذور العلاقة: تعاون تاريخي مع الأحزاب الدينية
يشير الجنيد إلى أن الولايات المتحدة بنت منذ الأربعينات، وقبل الحرب الباردة، تفاهمات مع أحزاب دينية في الشرق الأوسط وأوروبا لاعتبارها رصيدا استراتيجيا ضد حلف وارسو.
ويؤكد أن وثائق الاستخبارات الأميركية تدعم هذا المسار، بما فيها المتعلقة بالحالة المصرية.
التجارب العربية
يقارن الجنيد بين التجارب العربية في إدارة الظاهرة الإخوانية:
مصر: انتقال ناجح نحو دولة وطنية بدعم سعودي–إماراتي.
الإمارات: برنامج لم يحقق أهدافه قبل وبعد 2011.
السعودية: تحول اجتماعي بنيوي قائم على ترسيخ هوية وطنية جامعة.
ويرى أن الحل يكمن في تعزيز ثقافة الهوية الوطنية بديلاً عن الأيديولوجيا الدينية.
الإسلاموفوبيا: بين فشل الربيع العربي وردود فعل الإرهاب
يدعو الجنيد إلى الفصل بين موجتين:
• موجة ناتجة عن فشل مشروع الربيع العربي.
• وأخرى أوروبية جاءت نتيجة جرائم إرهابية بين 2007 و2015.
ويؤكد ضرورة تجنّب التعميم في قراءة الظاهرة.
ليبيا.. نموذج لأجندات تقودها قوى دولية
يوضح الجنيد أن أزمة الهجرة عبر غرب ليبيا مرتبطة بدعم دولي للتنظيمات المسيطرة، مشيرا إلى الولايات المتحدة وتركيا وإيطاليا كقوى تدعم أطرافا تعيد إنتاج الفوضى. ويعتبر أن الأجندات ليست إقليمية بحتة بل تدار من دول كبرى.
ويرى الجنيد أن الصراع السوداني هو حرب بين "أمراء حرب بلا مشروع وطني"، وأن تصنيف الإخوان لن يغيّر شيئا دون إرادة إقليمية فاعلة. ويقترح تشكيل مجلس انتقالي لأربع إلى ست سنوات لإعادة بناء الدولة السودانية.
ويشدد الجنيد على أن الولايات المتحدة تتحرك وفق أولوية أمن مواطنيها ثم مصالحها الكبرى. ويتساءل عن جدوى النموذج الأميركي في العراق، ويتوقف عند التحول السياسي في الكويت الذي أنهى دورها كأحد أبرز مصادر تمويل الإخوان.
ويؤكد الجنيد أن حماية الأمن الإقليمي مسؤولية عربية أولا، وأن المبادرة الإقليمية هي ما يستجلب الدعم الدولي، لا العكس.
