يترافق النزاع بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في السودان مع حرب صور على مواقع التواصل الاجتماعي، تُغذّيها معلومات مضلّلة تُسهم في استقطاب بلد منقسم، وفق الخبراء.
وخلال 6 أشهر، نشر موقع «Beam report» السوداني للتحقّق من المعلومات الرقمية، «نحو 40 تقريراً تحقّق فيها من الحقائق التي تبيّن أنّ أكثر من نصفها يتعلّق بمعلومات مضلّلة بشأن الحرب»، والتي تزامنت بدورها مع «سرديات سامّة تهدف على ما يبدو إلى تأجيج التوترات»، وفقاً لأحد خبراء الموقع نهال عبد اللطيف.
ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول عمار صلاح عمر (34 عاماً) وهو لاجئ سياسي سوداني يعيش في باريس: «كل يوم أشاهد ما يجري على وسائل التواصل الاجتماعي... نبحث عن الحقيقة، ولكن هذا صعب للغاية، كلّهم يكذبون، ونحصل على القليل من المعلومات».
وفي بداية أكتوبر (تشرين الأول)، عرض مندوب الجزائر لدى «الأمم المتحدة» صورة انتشرت على نطاق واسع تظهر مشهد إعدام، وذلك للتنديد بانتهاكات «قوات الدعم السريع» أمام مجلس الأمن.
ولكن هذه الصورة التي كانت قد نُشرت في أبريل (نيسان) 2025 للتنديد بأعمال عنف في تشاد، لم يكن لها أي صلة بالسودان، وفقاً لـ«Beam report».
وجرى التلاعب فيها أيضاً لإظهار جنود في الجيش السوداني ينهبون المنازل، ونشرتها حسابات مؤيدة لـ«قوات الدعم السريع».
يأتي كل ذلك فيما أوقفت الصحافة التقليدية نشاطاتها بشكل شبه كامل بسبب الحرب. ووفق نهال عبد اللطيف، فقد استغل المعسكران هذا الأمر «لنشر الدعاية والتقارير العسكرية الكاذبة وخطاب الكراهية والتضليل الإعلامي، بهدف تشويه سمعة العدو».
ولكن في الميدان، كما هو الأمر في الفضاء الرقمي، شكّل سقوط مدينة الفاشر في إقليم دارفور في قبضة «قوات الدعم السريع» في 26 أكتوبر، نقطة تحوّل.
وبموازاة انتشار المجاعة واحتدام القتال، تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صور أطفال يعانون سوء تغذية أو سوء معاملة التُقطت في دول أفريقية أخرى. وإلى جانب التصريحات العدوانية وصور الانتصارات المصحوبة بموسيقى الفوز، تتدفق مقاطع فيديو تظهر القتال والفظائع المرتكبة.
وندّدت «قوات الدعم السريع» بـ«روايات... لا تمت إلى الحقيقة بصلة»، في مواجهة اتهامها بقتل 460 مريضاً ومقدم رعاية صحية في مستشفى في الفاشر، استندت خصوصاً إلى صور نشرها عناصرها.
وجاء ذلك قبل أن تنشر على قناتها على تطبيق «تلغرام» مقاطع فيديو تظهر أطباء يُعالجون مرضى أو مقاتلين يوزعون مساعدات لجرحى بينما كانوا يغنّون.
«وحدة الجهاد الإلكتروني»
ولكن التضليل ليس ظاهرة جديدة، ففي أوائل العقد الثاني من القرن الحالي، قامت أجهزة الاستخبارات التابعة للرئيس السابق عمر البشير (الذي تولّى السلطة من عام 1989 إلى 2019) بتطوير «وحدة الجهاد الإلكتروني» لمواجهة التعبئة المدنية التي نشأت خلال «الربيع العربي».
اليوم، يستخدم الجيش الوسائل ذاتها «لتشويه سمعة» «قوات الدعم السريع»، وفقاً لكليمان ديشاييس، وهو عالم اجتماع متخصص في شؤون السودان في المعهد الفرنسي للأبحاث من أجل التنمية.
ووفق البنك الدولي، فإن نحو ثلثي الشعب السوداني لم يكن بإمكانه الاتصال بالإنترنت قبل الحرب، ومنذ ذلك الحين تفاقمت هذه المشكلة جرّاء أعطال شبكة الاتصالات.
وتؤكد هند عباس حلمي الأستاذة بجامعة الخرطوم، أنّ المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي «تنتقل شفهياً، وهو أمر غاية في الخطورة».
انتشار خطاب الكراهية
تسهّل وفرة المعلومات الكاذبة في السودان «فوز الكاذب». ووفقاً لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة «كونراد أديناور ستيفتونغ» الألمانية، فإنّ التنديد بها أو إنكارها يسمح «بتحويل الانتباه أو التهرّب من المسؤولية أو بتشويه سمعة العدو».
وتقول هند عباس حلمي إنّ «خطابات الكراهية تنتشر بسرعة كبيرة جداً منذ أن تمددت الحرب في جميع أنحاء البلاد».
ويوضح كليمان ديشاييس أنّ «الخطاب عبر الإنترنت انتشر على نطاق واسع مترافقاً مع دعوات إلى القتل وإلى انفصال... دارفور»، مشيراً إلى «دينامية تشجّعها الأطراف المتحاربة» وإلى «تسارع الأخبار الكاذبة» و«خطابات أكثر استقطاباً وأكثر وحشية وأكثر عنفاً».
