تشتد المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إقليم كردفان، لا سيما في مدينة بابنوسة التي تحولت إلى محور استراتيجي بالغ الحساسية على خارطة الصراع.
فالمدينة نقطة وصل رئيسية وخط إمداد حيوي ومركز يربط معظم مدن ومناطق كردفان، إضافة إلى موقعها الجغرافي المحاط بحقول النفط الكبرى ومحطات القطار المهمة.
وفي ظل هذا التصعيد العسكري، أكد الكاتب والباحث السياسي السوداني شوقي عبد العظيم خلال حديثه إلى برنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، أن "طرفي الصراع لا يسعيان إلى تهدئة الحرب ولا إلى تفاهمات تؤدي إلى وقفها عبر هدنة إنسانية، رغم الجهود الدولية المتواصلة".
وأوضح أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، حاول الدفع باتجاه هدنة كان من المفترض تنفيذها في هذا الشهر قبل الانتقال إلى مناقشة بقية بنود مقترح "الرباعية"، التي تضم مصر والإمارات والسعودية، إلى جانب الولايات المتحدة.
لكن حقيقة الموقف الميداني تشير، بحسب عبد العظيم، إلى أن وتيرة المعارك تشتد أكثر مما كانت عليه في السابق.
قلب الصراع
يرى عبد العظيم أن منطقة كردفان بجنوبها وشمالها تحولت إلى خط تماس حاسم بين الطرفين، حيث يعتمد الجيش على ولايات الوسط والشرق والخرطوم، بينما يستند الدعم السريع إلى الولايات الغربية والحدود الجنوبية بعد سيطرته على مدينة الفاشر.
ويؤكد أن السيطرة على كردفان ستمثل عاملا مرجحا في الحرب، لأنها منطقة فاصلة تمثل بوابة الإمدادات العسكرية ومحور الحركة بين غرب ووسط السودان.
ويشير إلى أن الجيش لم يتمكن سابقا من عبور كردفان لفك حصار الفاشر، بسبب تحصن قوات الدعم السريع في مناطق شمال الإقليم، مما منع تقدمه، لكن بعد السيطرة على الفاشر بدأ الدعم السريع يتحرك في اتجاه كردفان بشكل هجومي وليس دفاعيا فقط، في محاولة لتوسيع نطاق السيطرة إلى مناطق مثل بابنوسة وأمدام حاج أحمد والرهد وسيالة، التي تشهد معارك ضارية الآن.
استنزاف بلا أفق
يتوقع الباحث السوداني أن تشهد الأسابيع المقبلة تصعيدا عسكريا واسعا، لا سيما في جنوب كردفان حول كادوقلي والدلنج، وفي شمال كردفان باتجاه مدينة الأبيض، التي تعد مركزا تجاريا رئيسيا ونقطة التقاء مهمة ومحطة لضخ النفط.
ويرى أن السيطرة على الأبيض وبابنوسة ستمنح أي طرف قوة استراتيجية مؤثرة في مسار الحرب، مضيفا أن الجيش تحرك مؤخرا نحو أمدام حاج أحمد، بينما يتمركز الدعم السريع في منطقة مسيالة، وتتحرك أرتال عسكرية إلى بابنوسة مع تحسن الظروف الميدانية عقب انتهاء موسم الأمطار.
وبحسب وصفه، فإن هذه الحرب "واحدة من حروب الجيل الخامس وربما السادس، حيث تلعب المسيّرات وأجهزة التشويش والاستخبارات والأقمار الاصطناعية دورا محوريا يفوق أهمية الخبرات التقليدية للجنرالات".
ويقول عبد العظيم إن الحرب في السودان "حرب اضطراب تهدف إلى منع الطرف المقابل من الاستقرار، وليس إلى تحقيق نصر حاسم"، مشيرا إلى أن "أي سيطرة عسكرية على الأرض لن تضمن إنهاء الصراع، لأن الطرف الآخر سيظل قادرا على ضرب مواقع حساسة بالمسيّرات من مسافات طويلة".
ويضيف أن الأهمية الاقتصادية لكردفان تزيد من شراسة الصراع، إذ تشكل مع دارفور نحو 35 بالمئة من الموارد الاقتصادية للسودان، إضافة إلى الثروة الحيوانية والأراضي الزراعية والمعادن.
ومع الطبيعة القبلية المتداخلة للإقليم، فإن العديد من المناطق تعتبر صديقة للدعم السريع، الأمر الذي يسهل تحركاته، في حين أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يتمتع بخبرة طويلة في القتال داخل هذه المناطق منذ سنوات، بل وكان من الضباط الذين أشرفوا على تأسيس قوات الدعم السريع عام 2015.
احتمالات مفتوحة
يؤكد عبد العظيم أن السيطرة على شمال وجنوب كردفان ستمنح الجيش القدرة على مهاجمة دارفور بسهولة أكبر، بينما تمكن السيطرة عليها من قبل الدعم السريع من التقدم باتجاه وسط السودان والمناطق التي انسحب منها سابقا.
ويحذر من أن المرحلة المقبلة قد تشهد تأثيرات كبيرة وحاسمة، خاصة إذا انتقلت المعارك من بابنوسة إلى الأبيض، حيث ستكون النتائج حاسمة للطرف الذي ينجح في فرض سيطرته.
ويختتم بقوله إن كردفان ستظل منطقة ذات تأثير حاسم في الحرب السودانية، وأن فقدان السيطرة عليها سيكون ضربة استراتيجية قاسية لأي طرف.
