عمدت السلطة الجديدة في سوريا إلى تغييرات في المناهج التربوية، طالت رمزية شهداء ٦ آيار ضد السيطرة العثمانية، الذين تم وصفهم ب"العملاء"، وكذلك الشريف حسين بن علي، ما أثار اعتراضاً كبيراً لدى نخب وناشطين سوريين، مع يمثله ذلك من تحول في التفكير السوري ضد فكرة العروبة والاستقلال العربي.
وفي هذا الإطار كتبت الناشطة السورية رلى الركبي التي سبق وعارضت نظام الأسد تحت عنوان "تزوير تاريخ سوريا":
لم أصدّق للوهلة الأولى الأنباء التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي وتحدّثت عن تعديل منهاج التاريخ في الكتب المدرسية السورية يما يخدم الأجندات السياسية والأيديولوجية للسلطة الحالية، وصولاً إلى وصف كتاب التاريخ للصف الثامن الإعدادي، لشهداء أيار الذين شنقهم جمال باشا السفاح بـ«المتآمرين» على الدولة العثمانية وبـ«العملاء لإنكلترا وفرنسا».
وأكدت: خلال تاريخ سوريا الحديث، ورغم كل الانقلابات وتغيير أنظمة الحكم التي طرأت على البلد، لم تتجرأ أي سلطة سورية على المساس برمزية عيد الشهداء بوصفه عيداً وطنياً يخصّ كل السوريين..
لا بل إن استعادة ذكرى شهداء أيار، كانت حاضرة دائماً في النصوص التأسيسية للكيان السوري بدءاً من إعلان الاستقلال في 8 آذار 1920 الذي أفسح المجال واسعاً في نصه للتذكير بشهداء السادس من أيار
وأضافت الركبي::
لم يكن غريباً أن يستعيد الرئيس شكري القوتلي، من جديد ذكرى شهداء أيار بعد 26 عاماً من رحليهم، في خطاب الاستقلال الذي ألقاه في الاحتفال الأول بعيد الجلاء من على شرفة السرايا في 17 نيسان 1946
لم يكتفِ القوتلي في خطاب الاستقلال بتوجيه التحية لأرواح شهداء أيار، بل وجه التحية إلى سلطان باشا الأطرش بوصفه قائداً للثورة السورية الكبرى، وذكر بالاسم إبراهيم هنانو في جبل الزاوية والشيخ صالح العلي في جبال العلويين، هؤلاء القادة الذين يجري تغييبهم اليوم من سرديات بعض أبواق السلطة الحالية بسبب انتمائهم الطائفي والعرقي.
وأوضحت الركبي: لقد قرّرت السلطة الحالية، بعيداً عن أي استشارة شعبية أو برلمانية، إلغاء عيد الشهداء من أجندة الأعياد الوطنية، رغم أن تاريخ سوريا الحديث مليء باللحظات التاريخية التي تبيّن مركزية هذه المناسبة ودورها في بناء الهوية الوطنية. فالرئيس القوتلي، وكما كان الحال في خطابه يوم الاستقلال، عاد في يوم إعلان الوحدة مع مصر في 5 شباط من العام 1958 ليستعيد ذكرى شهداء أيار.
وتابعت::نقرأ في ربورتاج صحيفة الأهرام كيف ارتجف صوت القوتلي فجأةً من على منبر المجلس النيابي وخانته دموعُه وهو يستذكر رفاقه من شهداء أيار. خلفه كان جالساً على منصة رئاسة المجلس أكرم الحوراني الذي لم يعد قادرًا على حبس دموعه، وعلى صفحة الأهرام الأخيرة، نرى صورة رئيس الوزراء صبري العسلي وهو يرفع عن عينيه نظارتيه السميكتين ويمسح دموعه. وينقل مراسل الأهرام كيف بكى العديدُ من النواب، وكيف بكت زوجة القوتلي وابنته.
وختمت الركبي: يحقّ للمرء أن يسأل قادة سوريا الجدد وكَتَبة تاريخها الذين لا ينفكّون يفصّلونه ويحوّرونه على مقاس جيرانهم الأقوياء وحماتهم الإقليميين، ألا يخجلون من أرواح شهداء أيار ودماء شهداء ميسلون، ألا يخجلون من تضحيات عبد الرحمن الشهبندر ونضالات الأمير فيصل لكي تنال سوريا استقلالها؟ ألا يخجلون من دموع القوتلي وعذابات الكثيرين غيره من السياسيين والمناضلين والمناضلات السوريات الذين بذلوا الغالي والرخيص لكي تبقى سوريا حرة مستقلة لكل أبنائها؟ ألا يخجلون من دماء شهداء الثورة السورية العظيمة، ثورة الربيع العربي، ثورة الحرية والكرامة، الذين قدموا مئات الألوف من الشهداء لكي تصبح سوريا وطناً حرّاً نعيش فيه متساوين بكرامة، ولا نموت فيه مسحوقين بمذلّة؟
