في تحوّل جديد للأزمة السودانية المستمرة منذ منتصف إبريل 2023، أفاد تقرير فرنسي، بأن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وافق على اعتبار مثلث حلايب جزءاً من الأراضي المصرية.
الخطوة جاءت بدون استفتاء شعبي، أو بالعودة إلى البرلمان السوداني، وخاطب البرهان، لجنة المفوضية القومية للحدود التابعة لمجلس السيادة في 11 مايو 2025، وطالب باعتماد خريطة تُدرج المثلث ضمن الحدود المصرية، وذلك في سياق التحضيرات لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع الجانب السعودي، وفقا لذات المصدر.
الخطاب الذي وجّهته القيادة السودانية تضمّن بحسب التقرير، إشارة واضحة إلى أن هذا الترتيب تم بالتفاهم المباشر بين رئيس مجلس السيادة والرئيس المصري، بهدف إنهاء النزاع الحدودي بين البلدين والذي امتد لعقود طويلة.
أزمة قديمة
وتخضع المنطقة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي للسيطرة العسكرية والإدارية الكاملة من قبل الحكومة المصرية، وذلك عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، وهي الحادثة التي وُجه فيها الاتهام إلى عناصر يُعتقد أنها مرتبطة بالخرطوم.
ودأبت مصر على رفض المطالب السودانية المتكررة بإحالة النزاع إلى التحكيم الدولي، مستندة إلى قاعدة قانونية تنص على ضرورة موافقة الطرفين للجوء إلى هذا المسار.
ويعود أصل النزاع إلى تباين تفسير اتفاقية الحدود لعام 1899 التي وضعت خط عرض 22 شمالاً كفاصل سياسي لصالح مصر، والترتيبات الإدارية لعام 1902 التي منحت السودان إدارة المثلث مراعاة للقبائل المقيمة هناك.
ويمثل المثلث، أهمية استراتيجية للبلدين، سواء من حيث الموارد الطبيعية أو الموقع الجغرافي المطل على البحر الأحمر، ويحتوي على موارد طبيعية مثل خامات المنغنيز والفوسفات، وتتمتع بموقع حيوي على طرق الشحن في البحر الأحمر.
وتزداد أهمية هذه المنطقة في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين السودان والسعودية، حيث أن أي تغيير في نقاط الانطلاق أو توزيع الجرف القاري يحمل تداعيات مباشرة على الأمن البحري لدول المنطقة ومصالحها الاقتصادية،.
وتكمن أهمية الاستراتيجية للمثلث، بفضل موقعه الجغرافي المحوري على طرق الشحن في البحر الأحمر. ونظرًا للتطورات الإقليمية المتسارعة المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين السودان والسعودي.
تفريط في السيادة الوطنية
التنازل الذي قدمه البرهان يمكن وصفه بـ”التفريط في السيادة الوطنية”، عندما أعطى مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد لدولة مصر، كان ولا يزال أحد أهم المطالب المصرية من أي سلطة في الخرطوم، وفقا للباحث في الشأن السياسي عمار صديق سعيد.
وقال في مقال نشره 13 أغسطس 2025، إن " ما رفضه الفريق عبدالرحيم دقلو سرا ويحقق مصالح المصريين، هو بالضبط ما وقّع عليه الفريق عبدالفتاح البرهان علنا، وبذلك منح القاهرة ما كانت تطمح إليه منذ عقود: ضمان تبعية السودان لمصر، وعدم خروجه عن طوعها في أي ظرف من الظروف. "
وتابع: "ونؤكد هنا أن عبدالرحيم دقلو قد رفض سابقا، وفق ما تسرّب من معلومات، توقيع أي اتفاق يُفرّط في السيادة السودانية أو يمنح مصر يدًا طولى على ملفات استراتيجية مثل، إدارة الحدود وخاصة ملف حلايب وشلاتين، و التعاون الأمني والاستخباراتي الذي يسمح بتواجد مصري أعمق في الداخل السوداني."
وأضاف أن "التحكم في مسارات السياسة الخارجية السودانية، خصوصًا تجاه دول الجوار وملف سد النهضة؛ في المقابل، مضى البرهان في الطريق المعاكس، فوقع على ما يُرضي القاهرة، الأمر الذي رسّخ موقف مصر الداعم له سياسيًا ودبلوماسيًا، والمناهض لقوات الدعم السريع في كل المحافل الدولية. وهنا نتسائل لماذا تتمسك مصر بالبرهان؟."
ليست المرة الأولى
التنازل عن مثلث حلايب، أعاد إلى الأذهان بيع مليون فدان من نهر النيل لمصر، بتوجيه من عبد البرهان، لصالح “شركة جمهورية مصر العربية للاستثمار الزراعي”، وذلك بعقد امتياز يمتد لما يقارب مئة عام.
وأثارت الخطوة آنذاك، جدلا واسعا داخل الأوساط السودانية، حول مفهوم السيادة، وعدالة توزيع الموارد، وأولوية المواطن المحلي في التنمية.
وتم الاتفاق بحسب تقارير سودانية، بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويمنح الجانب المصري امتيازاً زراعياً طويل الأجل داخل حدود الولاية.
وعبّرت قيادات أهلية تنتمي إلى قبيلة الجعليين آنذاك، عن رفضها التام لأي شكل من أشكال التنازل عن الأراضي الزراعية لصالح جهات أجنبية، وحذرت "من أن إدخال أطراف خارجية إلى أراضي الولاية يُعد تجاوزاً للخطوط الحمراء."
واعتبرت في بيان، "هذه الخطوة استغلالاً لحالة السيولة السياسية والعسكرية التي تمر بها البلاد، حيث يحاول البرهان مقايضة السيادة الوطنية بالدعم السياسي والعسكري في معركته المفتوحة للسيطرة على السلطة ."
وأشارت إلى أن "ولاية نهر النيل ذات طابع مجتمعي محافظ وتاريخ ضارب في الجذور، ولا يمكن التعامل مع أراضيها بوصفها سلعة تخضع لاعتبارات الصفقة"، وحذرت "من عواقب أمنية ومجتمعية لأي محاولة فرض هذا الاتفاق على السكان دون رضاهم."