بعد نحو شهرين على آخر جلسة تشريعية دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، يبدو أنّ المزاج النيابي لم يعد على حاله. فمع دعوة بري إلى عقد جلسة عامة يوم غد الخميس، تبدّلت الحسابات، وأعيدت معايرة المواقف، رغم أنّ جدول الأعمال هو نفسه الذي كان مطروحاً في جلسة29 أيلول. تلك الجلسة، التي تلتها محاولات متتالية في 30 أيلول و21 تشرين الأول، لم تُعقد بسبب فقدان النصاب، على خلفية اعتراض عدد من النواب على عدم إدراج اقتراح القانون المعجّل المكرّر المتعلق باقتراع المغتربين في أماكن إقامتهم لـ 128 نائباً. إلا أنّ التطورات السياسية والتشريعية خلال الأشهر الماضية، ولا سيما مشروع القانون الذي أحالته الحكومة إلى المجلس والقاضي بشطب الدائرة 16 من القانون النافذ (اقتراع المغتربين لستة نواب)، ساهمت في تبدّل المناخ العام.
ووفق مصادر نيابية لـِ "المدن"، فإنّ الجلسة هذه المرة يرجّح أن تُعقد حتى في حال عدم إدراج قانون الانتخابات على جدول الأعمال وسيحضرها نواب من الموقّعين على العريضة.
من سيحضر الجلسة؟
رغم استمرار التراشق السياسي بين كتلتي التنمية والتحرير والجمهورية القوية حول مسؤولية التعطيل، ورغم "الودّ غير المعلن" القائم على خط عين التينة – معراب، أعلنت القوات اللبنانية مقاطعة جلسة الخميس.
لكنّ موقف رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع كان عالي النبرة، إذ اعتبر أنّ دعوة الرئيس بري إلى جلسة تشريعية لاستكمال جدول أعمال جلسة 29 أيلول، التي قاطعها أكثر من نصف النواب، تُعدّ “تخطياً واستخفافاً برأي 65 نائباً”، لافتاً إلى أنّ الحكومة كانت قد أرسلت مشروع قانون معجّلاً في الموضوع نفسه، إلا أنّه لم يُحوَّل إلى الهيئة العامة. معتبراً أنّ هذه الممارسات تُظهر عدم احترام للدستور وللنظام الداخلي ولمجلس النواب، وللناخبين اللبنانيين، وتؤدي إلى تعطيل العمل البرلماني والديمقراطي.
بدورها، أكدت كتلة الكتائب عبر النائب الياس حنكش عدم مشاركتها في الجلسة.
أما تحالف التغيير، فلم يحسم موقفه بعد، إلا أنّ النائب وضّاح الصادق أوضح في حديث صحافي أنّ الاتجاه قد يكون نحو المشاركة، انطلاقاً من اعتبارهم شركاء في الحكومة وحرصهم على عدم تعطيل عملها، لا سيما أنّ جدول الأعمال يتضمن مشاريع قوانين حكومية، محذّراً من أنّ عدم إقرار بعضها قد يؤدي إلى خسارة لبنان منحاً من البنك الدولي.
في المقابل، أشار النائب إبراهيم منيمنة إلى أنّ التوجه العام لديه ولعدد من زملائه هو عدم الحضور، من دون أن يكون القرار نهائياً. وأكد النائب فيصل الصايغ أنّ كتلة اللقاء الديمقراطي ستحضر الجلسة، انطلاقاً من رفضها مبدأ التعطيل مهما كانت الأسباب.
مشروع قانون الانتخاب عالق في اللجان
لم يكن إقرار مشروع قانون متعلّق بالانتخابات النيابية داخل مجلس الوزراء بنداً مفضّلاً لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري. فبحسب معلومات "المدن"، كان ثمّة تفاهم غير معلن بين رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس المجلس نبيه بري يقضي بعدم إقرار أي قانون انتخابي في الحكومة، على أن تُعالج المسألة في الإطار النيابي. وقد أبلغ عون هذا الموقف إلى رئيس الحكومة نواف سلام، الذي وافق عليه ضمن مهلة زمنية محدّدة. وبالفعل، جرى في إحدى جلسات مجلس الوزراء تأجيل البند المتعلّق بالانتخابات التزاماً بهذا التفاهم. غير أنّ تعطيل الجلسات النيابية واستمرار الجمود من دون أي تقدّم في ملف قانون الانتخاب دفع الحكومة، وفق مصادرها، إلى التدخّل، فقرّرت إقرار مشروع القانون وإحالته إلى مجلس النواب، رافضةً أن تبقى الكرة في ملعبها وحدها.
هذه الخطوة لم تُرضِ رئيس المجلس، إلا أنّ مصادر نيابية تشير إلى أنّ عدم إدراج مشروع القانون على جدول أعمال الهيئة العامة وعدم تلاوته خلال مهلة الأربعين يوماً من تاريخ إحالته قد يؤدي إلى سقوط صفة العجلة عنه. وتلفت المصادر إلى أنّ هذا السيناريو لا يزال مطروحاً، في ظل بقاء المشروع قيد الدرس في اللجان النيابية، بدءاً من لجنة الخارجية والمغتربين، مروراً بلجنة الدفاع، وصولاً إلى اللجان النيابية المشتركة المختصّة بقوانين الانتخابات. وفي هذه الحال، سيكون مصير مشروع القانون مشابهاً لمصير سائر اقتراحات القوانين المقدّمة من النواب، ما يعيده عملياً إلى المسار التشريعي التقليدي، بعيداً من أي استعجال سياسي.
جدول الأعمال: قوانين معلّقة ونقاشات مفتوحة
يتضمن جدول الأعمال تسعة مشاريع قوانين كانت قد أُقرت في جلسة 29 أيلول، لكنها لم تصبح على اعتبار أنّ محضر الجلسة لا يزال مفتوحاً، وأنّ بعض القوانين، تحتاج إلى استكمال البحث لتصبح نافذة.
ومن أبرز المشاريع التي اقرت:
• اتفاقية مع المنظمة العربية للتنمية الزراعية.
• اتفاقية مع صندوق لبنان للتنمية والابتكار.
• تعديلات على قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي.
• قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP).
في المقابل، لا يزال ثمانية قوانين عالقة لم تُناقش ولم تُقرّ، أبرزها اقتراح القانون الرامي إلى تعديل المادتين /5/ و/8/ من القانون رقم 22 الصادر في 7/11/2025، والمتعلق بمنح المتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان إعفاءات ضريبية ورسوم، وتعليق المهل المرتبطة بالحقوق والواجبات الضريبية، ومعالجة أوضاع الوحدات العقارية المهدّمة.
ويُذكر أنّ خروج عدد من النواب من القاعة العامة في الجلسة السابقة، قبل إقرار هذه البنود، دفع نواباً من بينهم النائب علي حسن خليل إلى اعتبار أنّ الانسحاب جاء لتفادي إقرار أي تشريع مرتبط بتعويضات المتضررين من الحرب الإسرائيلية.
لا قانون على الطاولة… والانتخابات في دائرة الشك
بين الحرص على عدم تعطيل عمل الحكومة والتمسّك بالمواقف السياسية، يقف عدد من النواب في منطقة رمادية حيال المشاركة في الجلسة من عدمها. فالمشهد لا يزال ضبابياً، خصوصاً في ظل إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري على موقفه الرافض لإدراج أي بند متعلّق بالانتخابات النيابية على جدول الأعمال، انطلاقاً من اعتباره أنّ القانون الحالي نافذ ويُطبَّق كما هو. وتقول مصادر نيابية أنّ تفسير اللجنة الوزارية المؤلّفة من اختصاصيين، والتي أُوكل إليها عام 2021 شرح آلية تطبيق القانون حدّدت بدقّة كيفية تنفيذه، ما يسقط الحاجة إلى أي تعديل تشريعي في هذه المرحلة. لكن السؤال الأساسي لم يعد محصوراً بمن سيحضر الجلسة ومن سيقاطعها، بل بات يتقدّم عليه سؤال أكثر حساسية: ما هو مصير الانتخابات النيابية؟
مصادر نيابية تؤكد لـ"المدن" أنّ المشهد لا يزال مفتوحاً على كل الاحتمالات، واحتمال تأجيل الانتخابات ازداد إلى ما يقارب الـ 50 في المئة.
وتضيف المصادر أنّه في حال تقرر إجراء الانتخابات، فقد يُصار إلى تأجيلها تقنياً لفترة قصيرة، قد تمتد إلى شهرين، لتجري في تموز، على أن يتوجّه المغتربون إلى لبنان للمشاركة في الاقتراع، بما يسمح لهم بالتصويت لـ128 نائباً.
ووفق هذه القراءة، قد يشكّل هذا السيناريو تسوية وسطية بين القوى المطالبة بإلغاء الدائرة 16 وبين الثنائي الشيعي، بانتظار تبلور صورة أوضح للمشهد الانتخابي في المرحلة المقبلة.
