الأخبار: حسين إبراهيم-
رغم التحدّيات الكبرى التي تواجهها السلطة الانتقالية في سوريا، ولا سيما في ما يتعلّق بالأقليات، والتوسّع الإسرائيلي في الجنوب، إلّا أن الهجومين اللذين وقعا في الأيام الماضية، وأسفر أحدهما عن مقتل 3 جنود أميركيين في تدمر، والثاني عن مقتل 4 عناصر من قوات الأمن السورية في إدلب، هما الأخطر بالنسبة إليها على الإطلاق، باعتبار أنهما من تنفيذ مجموعات تنتمي إلى بيئة الحكم نفسها، ولا يمكن عزلها، كما يحصل مع الأقليات، أو التفاوض حولها، كما يحصل مع العدو الإسرائيلي.
مكمن الخطر الحقيقي على الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، أن الهجومَين يعكسان هشاشة حكمه، لا سيما أن الأوّل نفّذه عنصر فاعل في قوات الأمن، ما يُظهر مدى عدم سيطرة الشرع على القوى الأمنية والمجموعات المشكّلة لها، والذي سبق أن ظهر في تفلّت تلك المجموعات خلال أحداث الساحل في آذار الماضي، وكذلك خلال أحداث السويداء التي اندلعت في تموز الفائت، وما بينهما وبعدهما من أعمال قتل على أساس طائفي ما تزال مستمرة حتى الآن.
ويعيد ذلك الاختراق الكبير لقوى الأمن، طرْح تساؤلات حول إمكانية ترجمة الدعم الدولي، وخصوصاً الأميركي، الذي يتلقّاه الشرع، إلى بناء سلطة راسخة ذات شرعية في سوريا.
فأيّ سلطة من هذا النوع في بلد خارج من عقد ونصف عقد من الحروب التي مزّقت نسيجه، تحتاج إلى قوى أمنية يمكن الاعتماد عليها، إلى جانب سياسة واقعية تجاه كلّ فئات المجتمع السوري تخفّف الاحتقان، وتتيح لتلك القوى تنفيذ مهماتها.
إلّا أن القدرة التي أظهرها تنظيم «داعش» على تجديد نشاطه، سيكون من شأنها هزّ ثقة الداخل والخارج بالسلطة الجديدة، وإضعاف إمكانية تنفيذ الاستثمارات التي يجري الحديث عنها، وخصوصاً منها العقود الأميركية التي يٌتوقّع أن تفتح القطاع النفطي أمام عملية تطوير تحتكرها الشركات الأميركية، وتتيح لحكومة الشرع في المقابل الاستفادة من عائدات بيع النفط في الحقول المعروفة التي ستخضع للتطوير أو أخرى يجري اكتشافها، أو على المدى الأبعد من واردات الغاز الموجود على الساحل السوري في المتوسط.
يبدو أن الشرع سيجد نفسه تحت ضغط أشدّ، حتى يسير في أحد اتّجاهَين
يحتاج هذا النوع من الاستثمار إلى وضع أمني مستقر إلى حدّ كبير، وهو ما لا يمكن أن يتمّ إلّا من خلال ترتيب الوضع بين السلطة الجديدة والأقليات، من ناحية، وبينها وبين إسرائيل من ناحية أخرى، وذلك بالضبط ما يعمل عليه الموفد الرئاسي الأميركي، توماس براك. لكن ما لا يمكن لا للأميركيين ولا لغيرهم ترتيبه، هو منع هجمات من صنف ما شهده يوما السبت والأحد.
قد يمكن لتركيا، من جهتها، أن تتحرّك في المجال المشار إليه، إلا أنها أيضاً تواجه عقبات، منها ما يخصّ التنافر الواضح بينها وبين إسرائيل في سوريا، ومنها ما يتعلّق بصعوبة إحكام سيطرتها على الأرض، في ظلّ تعدّد مراكز القوة، ومشاعر العداء لأنقرة السائدة في بيئات الأقليات، وأيضاً في مناطق الأكراد.
ولذا، فإن كلّ المعنيين بالوضع في سوريا ممّن يدعمون الشرع، وقد يضخّون استثمارات حقيقية في البلد، يتّخذون وضعية الترقّب، لرؤية ما إذا كان الرئيس الانتقالي سيتمكّن من ترجمة الدعم الدولي والشعبية التي يتمتع بها بين فئات واسعة من السوريين، إلى سلطة راسخة قادرة على تحقيق ظروف الاستثمار.
ويبدو أن هذا السبب هو الذي يجعل رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، يحجم عن التوصّل إلى اتفاق أمني مع دمشق، وهو نفسه الذي دفَعه إلى القول في مجلس شيخ عقل دروز إسرائيل، موفق طريف، في معرض تبريره الاعتداءات الواسعة على سوريا رغم عروض السلام التي قدّمتها السلطات الجديدة: «لستُ ساذجاً. وأعرف مع من نتعامل هناك». في المقابل، يبدو أن الشرع سيجد نفسه تحت ضغط أشدّ، حتى يسير في أحد اتّجاهَين: فإمّا أن يساير الشارع بالتشدّد في المفاوضات مع إسرائيل، وفي تسليم البلد للأميركيين، وإمّا أن يختار تصعيد الحرب على «داعش» ويخاطر بتصدّعات أكبر داخل البيئة التي تسند حكمه. ما يبدو واضحاً، إلى الآن، هو أن الرئيس الانتقالي ذهب بعيداً في العلاقة مع الأميركيين، ولم يعُد يمكنه الرجوع فيها، بل إنه يتحالف فعلياً مع واشنطن، ربمّا منذ ما قبل وصوله إلى السلطة بسنوات. هذا على الأقلّ ما يوحي به تصريح ترامب بعد الهجوم على الأميركيين الذي قال فيه إن «الشرع يقاتل معنا»، محاولاً التوضيح للأخير، في المقام الأول، أن أميركا ستقف خلفه. ورغم ما تقدّم، ليس محسوماً أبداً أن الولايات المتحدة ستظلّ مهتمّة بدعم سلطة ضعيفة في دمشق، لا يمكنها أن تحقّق لها ما تريده. ولذا، يعمل الأميركيون بصورة إجمالية على توفير بيئة إقليمية تمكّنهم من إحكام السيطرة على منطقة كاملة يترابط بين دولها الأمن والاقتصاد، وهو ما لا يعدّ مضمون النجاح أيضاً.
