A
+A
-الواقع لا يحتاج إلى كثير من التفسير. التيار الكهربائي شبه معدوم، مؤسسة كهرباء لبنان مشلولة، الخطط الموعودة لم تُنفّذ، والوزير الذي قُدّم على أنه “المنقذ” أثبت عجزه عن إدارة أبسط عناصر الملف، فضلًا عن تنفيذ إصلاح حقيقي. فبدل أن نشهد قفزة نوعية في الإنتاج والتوزيع، عدنا خطوات إضافية إلى الوراء، وكأن الهدف لم يكن الحل، بل الاستهلاك السياسي للوزارة.
الأخطر من الفشل نفسه، هو محاولة تبريره الدائمة. فالقوات اللبنانية، التي طالما قدّمت نفسها كحزب “نظيف” و”إصلاحي”، لم تجد حرجًا في اعتماد الأسلوب نفسه الذي انتقدته لسنوات: رمي المسؤوليات على الآخرين. مرةً العرقلة من الداخل، ومرةً “المنظومة”، ومرةً الشركاء في الحكومة، وكأن الوزارة كانت تعمل في كوكب آخر، بلا صلاحيات ولا أدوات. الحقيقة البسيطة أن من يتسلّم المسؤولية يتحمّل نتائجها، لا يتهرّب منها.
أما الحديث عن الإصلاح، فيصطدم بواقع أكثر فجاجة: مافيا المولدات الخاصة. هذه المافيا التي استنزفت جيوب اللبنانيين لعقود، لم تتضرر يومًا من فشل الدولة، بل ازدهرت على أنقاضها. والأسئلة هنا مشروعة وملحّة: كيف يُعقل أن يعجز وزير طاقة عن تأمين الكهرباء، فيما شبكات المولدات تعمل بكفاءة مذهلة؟ ولماذا لم تُكسر هذه الحلقة السوداء؟ ولماذا تتردّد معلومات واسعة عن استفادة أطراف حزبية، بينها القوات اللبنانية، بشكل مباشر أو غير مباشر من هذا القطاع الموازي؟
بدل مواجهة مافيات المولدات، جرى التعايش معها. وبدل بناء دولة، جرى تثبيت اقتصاد العتمة. المواطن يدفع فاتورتين، الدولة غائبة، والطبقة السياسية—ومن ضمنها القوات—تتقاسم الأرباح والخطابات.
لقد سقط القناع. فلا إصلاح تحقق، ولا كهرباء 24/24 أتت، ولا محاسبة حصلت. ما حصل فقط هو نسخة جديدة من الفشل اللبناني التقليدي، لكن هذه المرة مرفقة بخطاب أخلاقي مرتفع النبرة، سرعان ما تهاوى أمام أول اختبار فعلي في الحكم.
الكهرباء ليست ملفًا تقنيًا فقط، بل معيار صدقية. ومن فشل فيه، وفشل في تحمّل مسؤوليته، لا يحق له الاستمرار في ادّعاء التفوق الأخلاقي أو الإصلاحي. فالعتمة التي يعيشها اللبنانيون اليوم ليست قضاءً وقدرًا، بل نتيجة خيارات سياسية، ووعود كاذبة، وهروب دائم إلى الأمام.
