الثبات: حسان الحسن-
أعلن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، في حديثٍ صحافيٍ إلى "تلفزيون سوريا"، أجراه في الساعات الفائتة، أنه "سيزور دمشق بعد اتفاق البلدين على ترسيم الحدود المشتركة بينهما"، فهل سيشمل هذا "الاتفاق الموعود" مزارع شبعا أيضًا؟
ففي غياب الترسيم الرسمي بين البلدين، جعل هذه "المزارع" ورقةً مفتوحةً أمام جميع الأطراف المعنيين، فـ"إسرائيل" ترفض الانسحاب بحجة أنها سوريَّة، وسورية بدورها لا تؤكد لبنانيتها، لتحتفظ بورقة الضغط، ولبنان يعلن تمسكه بها كجزء من أراضيه.
وكان في طليعة المسؤولين اللبنانيين الذين حسموا مسألة لبنانية "المزارع"، الرئيس الأسبق للجمهورية العماد إميل لحود، فقد أشار إلى أن "دمشق زوّدت لبنان بوثائق تاريخيةٍ مهمةٍ تثبت أن مزارع شبعا تابعة للبنان، وهي جزء من الأدلة التي تؤكد لبنانيتها، خصوصاً مع وجود وثائق عقارية لبنانية وسورية قديمة تؤكد هذا الانتماء، وأن المزارع لم تكن ضمن الجولان عند تحديد الحدود (1920)، وأن سورية عينها اعترفت بذلك رسمياً في فتراتٍ سابقة".
ومن أبرز النقاط حول الوثائق والأدلة:
- وثائق تاريخية وعقارية: يوجد سجلات عقارية لبنانية وأخرى عثمانية وفرنسية، تُظهر أن مزارع شبعا تقع ضمن الحدود اللبنانية.
- إقرارات سورية: فقد صرح مسؤولون سوريون، بمن فيهم الرئيس بشار الأسد، بأن "المزارع لبنانية"، حتى أن هناك اتفاقاً لترسيم الحدود عام 1946 بين البلدين.
- وفي شأن الإقرار السوري بلبنانية المزارع أيضًا، لا بد من العودة إلى ما رواه النائب السابق للرئيس السوري فاروق الشرع في مذكراته "الرواية المفقودة"، الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في العام 2015، بحيث تحدّث الشرع عن لبنانية مزارع شبعا قائلاً: "كنت يوم 25 أيار عام 2000 في لشبونة عاصمة البرتغال، للمشاركة في مؤتمر وزراء خارجية الدول الأوروبية المتوسطية... كانت مداخلتي في المؤتمر ضرورية... قلت إنّ ايهود باراك ما كان لينسحب من جنوب لبنان لولا الخسائر الفادحة التي منيت بها قوّاته على الأرض اللبنانية لسنوات طويلة، وإننا في سورية نرحّب بهذا الانسحاب، وسنعتبره انتصارًا سياسيًا لسورية، إذا كان من دون قيدٍ أو شرط... اتصل بي بعدها الرئيس سليم الحص مستفسرًا عن تبعية مزارع شبعا، لأنّ هناك لغطًا كبيًرا في شأن هذا الموضوع، أخبرت الحص أنّني أبلغت تيري رود لارسن (ناظر القرار 425 الذي يطلب من "إسرائيل" الانسحاب من الأراضي اللبنانية) بوضوح أنّ مزارع شبعا لبنانية". ويضيف الشرع في كتابه: "كان لارسن حريصًا جدًا على أن تكون مزارع شبعا سورية وليست لبنانية، أي أنّها تتبع لقوات الأمم المتحدة لفض الاشتباك (إندوف) وليس لقوات اليونيفيل، وذلك بهدف إلغاء دور المقاومة في جنوب لبنان، شكرته على هذا الموقف الكريم وأبلغته أنّ مزارع شبعا لبنانية... صمت وانصرف غير مرتاح لهذا الجواب، لأنّ هدفه إنهاء المقاومة في لبنان عند رسم الحدود، وليس سخاءه تجاه سورية".
وفي السياق عينه، فقد كشف وزير الخارجية السورية الأسبق الراحل وليد المعلم، في حديث لـ قناة "otv" اللبنانية، أجري في تموز 2008، أن "دمشق قدمت وثائق الى الأمم المتحدة تثبت لبنانية مزارع شبعا المحتلة"، مؤكداً أنه اقترح "على رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة في العام 2006، نشر قوات اليونيفيل في المزارع بشكل مؤقتٍ الى حين استرداد الجولان المحتل". وأشار إلى أن "المندوب السوري في الامم المتحدة قدم وثيقة ملكية زراعية تثبت لبنانية المزارع".
وفي هذا السياق أيضًا، أكدّ المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان مايكل وليامز في حديث صحافي، في العام2009، أنّه "عندما التقى في دمشق، وزير الخارجية السورية وليد المعلم قال له: بوضوح ودون أيّ التباس أنّ المزارع لبنانية". وأضاف وليامس: "فقلت له إنّ عليّ إعداد تقرير لمجلس الأمن، فهل أستطيع أن أذكر هذا الأمر"؟ فأجاب المعلم بنعم.
وفي السياق أيضًا وأيضًا، يلفت مرجع سوري إلى أن "فاروق الشرع قدم الوثائق المطلوبة التي تؤكد لبنانية مزارع شبعا إلى الأمم المتحدة، ولكن حتّى الساعة لم ترسّم الحدود المشتركة على امتدادها بين البلدين، وكما هو معلوم هناك تداخل جغرافي معقّد بينهما، وديموغرافي أيضًا"، على حدّ قوله، ويشير إلى أن "إسرائيل احتلت مزارع شبعا، في العام 1967، من الجيش السوري، لذا يدّعي الكيان الصهيوني أن هذه "المزارع أرض سورية"، لسحب سبب وجود المقاومة في لبنان".
هكذا تعاطى الحكم السوري السابق مع قضية "المزارع". أما راهنًا، وبعد وصول "هيئة تحرير الشام الوهابية " إلى "السلطة " في دمشق، وخروج الأخيرة من محور المقاومة، وانضواء هذه "السلطة" في المحور الأميركي - الغربي، فهل تقر بلبنانية "المزارع"؟ وإذا لم تقر، كيف ستتعاطى السلطات اللبنانية مع هذا الرفض؟ وهل ستخرج مجددًا الأصوات عينها التي كانت تتهم السلطة السورية السابقة بـ"بعدم الاعتراف بلبنانية مزارع شبعا، لربط المسارين السوري واللبناني في أي مفاوضاتٍ مع العدو"، لتعود وتهاجم أي (الأصوات) "السلطة السورية" الجديدة، وتكيل لها الاتهامات التي كانت تلصقها بالسلطة السابقة، أم أن "الجديدة" حليفة لهذه الأصوات، ولا يجوز أن تعلو عليها، ولو كان الثمن هو التخلي الدولة اللبنانية عن سيادتها على جزءٍ من أراضيها؟
