عكس السير: بسام الترك-
في الحياة السياسية، كما في أي عمل جماعي، من الطبيعي أن يختار بعض الأفراد المغادرة، لا سيما عندما يختلفون مع الخط العام، أو يعترضون على الخيارات، أو يشعرون بأنهم لم يعودوا جزءًا من المشروع.
في بعض الأحزاب، ولا سيما الميليشياوية سابقًا، الخارجون عنها إجمالًا يصمتون ويختفون عن الأضواء، خوفًا من ردة فعل زعيم يعرفونه جيداً.
وفي بعض الأحزاب الأخرى، نرى الحزب لا يفارقهم كالظلّ؛ كأنهم خرجوا منه ولم يغادروه. لا حديث لهم إلا عنه، ولا همّ لديهم إلا مهاجمته، ولا حيثية لهم سوى عبره، ليس من باب النقد السياسي أو الاختلاف الفكري، بل من باب الشخصنة والانفعالات وتصفية الحسابات.
المفارقة أنّ هؤلاء، مهما كان دورهم أو مركزهم، لا يقدّمون بعد خروجهم أي قيمة فكرية إضافية الى النقاش السياسي، أو أي رؤية بديلة أو موقف سياسي بنّاء. فلا نسمع نقدًا لخيارات الحزب في المواضيع الأساسية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية، ولا نقدًا للأداء أو الاستراتيجيات، ولا تبنّيًا لخطاب معارض لخطاب حزبهم. إطلالاتهم الإعلامية أضحت استعراضات سياسية (political exhibitionism) اقتصرت على الامور الشخصية، تتابعها فئة من الناس من باب الفضول والترفيه تمامًا كبرامج تلفزيون الواقع، والخصوم السياسيون المتلهفون لـ”فضيحة” ما يتكئون عليها.
غياب الموقف السياسي يكشف أن المشكلة ليست في الخيارات ولا الاصطفافات، ولو كان الخلاف فكريًا، لكان الرد فكريًا. لكن ما نراه في معظم الأحوال هو خصومة شخصية متنكرة بلباس السياسة، أو تقديم أوراق اعتماد لقوى فاعلة، ويصبح الهدف إعادة صياغة الماضي بطريقة تخدم حاجة انتقامية، أو تبرير خروج لم يملك صاحبه شجاعة شرحه، لأنه في الصميم شخصي.
كل هذا يدلّ على أنّ الهدف الأساسي من الانتماء للحزب لم يكن يومًا لنشر المبادئ أو تنفيذ مشروع سياسي، بل طموح شخصي رفض صاحبه قبول سقفه الطبيعي والمنطقي.
من يغادر حزبًا سياسيًا أمامه ثلاثة خيارات بديهية:
١/ طرح مشروع مختلف و/أو خلق حزب جديد
٢/ تبني مشروع قوى سياسية معارضة لمشروع حزبه
٣/ أو الاعتراف بأن الخلاف شخصي دون التخلي عن دعم خطاب حزبه السياسي.
من يسلك أي من هذه الخيارات يكسب المصداقية والإحترام والثقة بمعزل عن النتائج.
ومن لا يتبنّى أيًا من هذه الخيارات، فإنه بالإضافة الى فقدانه المصداقية والإحترام والثقة، يفرّغ نفسه من أي قيمة سياسية أو فكرية فردية إضافية، وينتهي به الأمر يتيمًا سياسيًا جاهزًا للتبني حسب التقلبات أو المصلحة الشخصية.
الحزب في السياسة هو الرافعة والركن الحاضن، وصانع السياسيين والسياسات والرأي العام. الخروج عنه والتألّق يتطلّب شخصية وفكرًا وكاريزما استثنائيين، أما بغياب هذه الصفات، فيخسر المرء نفسه والناس، ويصبح مجرّد لاحق، قراره ملك غيره، وأداة هجاء وترفيه للرأي العام في الإعلام.
فكروا فيا
