HI,{{username}}
Manage account
Change password
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES

حين التقت دعوة السماء بمطالب الأرض: أبعاد خطاب البابا في لبنان – جان بو شعيا

3
DECEMBER
2025
  • {{article.caption}}
  • {{article.caption}}
A
+
A
-
Print
Email
Email
A
+
A
-
 جاءت زيارة البابا إلى لبنان في لحظة بالغة الدقّة، فحملت معها شحنة عالية من الرموز الروحية والرسائل السياسية المضمرة والمباشرة في آن واحد. بدت الزيارة، منذ لحظتها الأولى، محاولة لالتقاط الأنفاس في بلد يختنق تحت وطأة الانقسام والانهيار، وكأنّ البابا جاء ليذكّر اللبنانيين بأنّ هوّيتهم العميقة ليست في صراعات السياسة بل في قدرتهم التاريخية على تحويل التنوّع إلى مصدر غنى وروحانية. في لقاءاته المتعدّدة مع المرجعيات الدينية والزعماء السياسيين والشباب، بدا ثابتاً في طرحه: لبنان ليس مجرّد مساحة جغرافية أو معادلة سياسية، بل رسالة عيش مشترك لا بدّ من إنقاذها قبل أن تتحوّل إلى ذكرى.

في خطابه أمام القيادات الدينية، ركّز على ضرورة حماية التوازن الروحي والأخلاقي الذي يشكّل الأساس غير المرئي للدولة اللبنانية. شدّد على أنّ المجتمعات التي تفقد بوصلتها القيمية تتفتّت مهما بلغت قوّتها العسكرية والسياسية، موجّهاً دعوة صريحة إلى رجال الدين كي يكونوا وسطاء سلام لا وقوداً في النزاعات. أمّا لقاؤه مع الشباب فكان فرصة لإرسال رسالة أمل مفادها أنّ مستقبل لبنان لا يُصنع في صالونات السياسة بل في طاقة الجيل الجديد على الابتكار وتجاوز الحدود الطائفية. بدا واضحاً أنّه أراد كسر مفهوم اليأس السائد، مؤكّداً أنّ الهجرة ليست قدَراً وأنّ إعادة بناء الوطن تبدأ بإيمان الناس به.

سياسياً، حملت التصريحات نبرة لافتة في توقيتها، إذ شدّد على ضرورة قيام دولة قوية وعادلة، قادرة على فرض القانون وحماية استقلاليتها من التدخلات الخارجية. دعا إلى إصلاحات بنيوية تطال الإدارة والقضاء والاقتصاد، معتبراً أنّ الفساد بات خطيئة جماعية ينبغي التوبة عنها بقرارات جريئة لا بخطَب رنانة. وفي هذا السياق، وجد كثيرون أنّ مواقفه تلاقت إلى حدّ بعيد مع مضمون مذكرة «التيار الوطني الحر» التي ركّزت على ضرورة إصلاح النظام السياسي، تعزيز اللامركزية، مكافحة الفساد، وبناء دولة مدنية حقيقية تحفظ حقوق جميع المكوّنات. فالتشديد على الشفافية واستعادة القرار الوطني بدا متناغماً مع الدعوات التي تضمّنتها المذكرّة، وإن اختلفت اللغة بين البعد الروحي الذي ركّز عليه البابا والبعد السياسي- البرامجي الذي طرحه التيار.
في القداس الأخير الذي اختُتمت به الزيارة، ارتفعت النبرة الروحية لتلامس عمق الأزمة اللبنانية. تحدّث البابا عن ضرورة شفاء الذاكرة الجماعية من جراح الحرب والانقسام، وعن أهمّية المسامحة كخطوة أولى نحو المصالحة الوطنية. وجّه نداءً مؤثّراً إلى المسؤولين اللبنانيين طالباً منهم أن ينزعوا عنهم مصالحهم الصغيرة لصالح مستقبل الأجيال الآتية، مؤكّداً أنّ السلطة مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون امتيازاً سياسياً. وبدت كلماته كأنّها محاولة لإزالة الحجج أمام مَن يؤخّرون الإصلاح أو يحمّلون الآخرين مسؤولية الانهيار.
بهذه الرسائل، اختتم البابا زيارته تاركاً أثراً يتجاوز إطار البروتوكول. فقد نجح في إعادة تسليط الضوء على معنى لبنان كفكرة ورسالة، وفي الوقت نفسه وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، من السياسيين إلى رجال الدين، ومن الشباب إلى القوى الدولية. زيارة حملت الأمل لكّنها حملت أيضاً الحقيقة المرّة: أن ّالإنقاذ يحتاج إرادة لبنانية أوّلاً، وإلا بقيت البركات معلّقة فوق بلد متعطّش للخلاص.
MORE ABOUT
ADVERTISE HERE
JUST IN
TRENDING
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES
TRENDING