الأخبار: آمال خليل-
خلال أيام، يطلق مجلس الجنوب ورشة ترميم مدرسة مروحين الرسمية الواقعة في مزرعة أمّ التوت المجاورة، بعد انتهاء أعمال الترميم في مبنى المدرسة الرسمية في بلدة البستان. ولأنه لا يتوافر عدد كافٍ من الطلاب للالتحاق بالمدرستين الواقعتين على بُعد أمتار من موقع للاحتلال في بركة ريشا، سيتحوّل المبنيان إلى مركزَيْ إيواء لاستقبال عدد من العائلات النازحة من المنطقة.
بعد عام كامل على وقف إطلاق النار، لا تزال مروحين والبستان وسائر ما تُعرف بـ«قرى الشعب» (الضهيرة، يارين، الزلوطية وأمّ التوت) خالية من سكانها. البلدات الحدودية الصغيرة، من علما الشعب إلى جبل بلاط المحتل، لم يطرأ عليها أيّ تغيّر منذ الانسحاب الإسرائيلي منها نهاية العام الماضي: أكوام من الركام نجا منها عدد قليل جداً من الأبنية التي استخدمها جنود العدو مراكز عسكرية.
ومع ذلك، لا يبدو أن الأهالي سيقبلون بتمديد نزوحهم الذي شتّتهم بين المنصوري وبئر حسن وصولاً إلى البقاع وطرابلس. وتشهد كل من هذه البلدات محاولات فردية لإعادة الحياة إليها، استباقاً لتهديدات إسرائيل بتحويل الشريط الحدودي إلى منطقة عازلة.
أنهت أديبة فنش عامين في مدرسة صور الرسمية التي لجأت إليها بعد اشتداد العدوان على الضهيرة. المدرسة، إلى جانب ثانوية البنات والمعهد الفني والمدرسة الألمانية، تحوّلت إلى مراكز إيواء تُشرِف عليها لجنة الكوارث في اتحاد بلديات قضاء صور. بعد وقف إطلاق النار، بقيت فيها 67 عائلة، معظمها من الضهيرة ويارين، وعائلة واحدة من البستان. وبرغم محاولات وزارة التربية والاتحاد إخراجها لاستكمال العام الدراسي، رفضت العائلات لعدم توافر أي بديل.
في جولة على الضهيرة وجاراتها، أشارت أديبة إلى الطريق المُغلق بالركام المؤدّي إلى منزلها، بعدما نسفت قوات الاحتلال منازل الحي عقب وقف إطلاق النار. تقول: «حاولنا إزالة الركام لفتح الطريق على نفقتنا الخاصة، لعلّنا نتمكّن من تشييد غرفتين فوق أنقاض منزلنا. سائق الجرافة الوحيد الذي قبل بالمخاطرة والعمل تحت تهديد المحلّقات والقنص، طلب مبلغاً كبيراً لا نملكه».
في حي ضيّقه ركام المنازل، وحيث رُفعت فوق ركام المنازل أعلام لبنانية ورايات بيضاء، شيّدت نظمية الياسين غرفتين بجوار منزلها المُدمّر، بعدما أعطت علماً لـ«اليونيفل» والجيش اللبناني حرصاً على سلامة العمال. بعد إنجاز البناء، تشعر بالوحشة في البلدة المهجورة، حيث حاول آخرون تشييد غرف أو تركيب أخرى جاهزة، لكنها تعرّضت للاستهداف.
محاولات فردية لإعادة الحياة استباقاً لتهديدات إسرائيل بتحويل الشريط الحدودي إلى منطقة عازلة
في يارين المجاورة، ليس هناك منزل واحد قائم. على المثلث المؤدّي إلى الجبين والزلوطية، أعاد بلال القاسم ترميم دكانه ضمن الـ«سنتر» المتضرّر، واقتطع منه زاوية للمنامة. لكنه، قبل حلول المساء، يقفل دكانه ويعود للمبيت مع عائلته في صور، ليعود في اليوم التالي. يقول: «بحلول المساء، تزداد الوحشة في المنطقة ولا تبقى حركة إلا للحيوانات البرية».
أمّا في البستان، فتتبدّد مشاهد الركام تدريجياً، مع توالي ورش البناء منذ نيسان الماضي فوق أنقاض المنازل. حتى الآن، عادت خمس عائلات، من عائلة شما المصطفى لإعادة زراعة كروم الزيتون التي اقتلعتها قوات الاحتلال، كما عادت نهاد الكاظم مع مواشيها. وتتطلّع لافتتاح المدرسة كمركز إيواء لعودة خمسين عائلة كانت تقيم بشكل دائم في البلدة قبل العدوان.
في أمّ التوت المقابِلة، وحدها عائلة أبو هدلا شيّدت غرفاً بجانب الخيم الزراعية التي تملكها في محيط المدرسة. بين أمّ التوت ومروحين، أكثر من ثلاثين منزلاً بحاجة إلى الترميم، إلا أن الأهالي يخشون العودة بسبب احتلال العدو للأطراف الجنوبية والشرقية للمثلث الممتدّ من زرعيت إلى جبل بلاط.
وفي جولتها على العائدين، تمنّت أديبة فنش لو تبقى هناك ولو في خيمة، وألّا تعود إلى غرفة الصف في مدرسة صور، مردّدة: «من ترك داره قلّ مقداره».
لا ثقة بالدولة
أنجز مجلس الجنوب، بالتعاون مع بلدية البستان، ترميم المدرسة الرسمية في البلدة، إلّا أن تجهيزها كمركز إيواء لا يزال ينتظر موافقة وزارة التربية، التي ترفض تكرار تجربة مدارس صور ورفض النازحين مغادرتها، وهو ما يدفع فاعليات محلية إلى التلويح بتحويل المدرسة إلى مركز إيواء بالقوة في حال لم يجد النازحون بديلاً مناسباً.
رئيس بلدية مروحين محمد غنام قال لـ«الأخبار»، إن فريقاً من مجلس الجنوب سيحضر نهاية الأسبوع الجاري لاستكمال الكشف على مبنى المدرسة الذي خُصِّص له مبلغ للترميم، لاستخدامه إمّا كمدرسة أو كمركز إيواء في حال طال انتظار صرف التعويضات وإعادة الإعمار. وأضاف أن المجلس سيسلّم غرفة جاهزة لاستخدامها كمقر مؤقّت للبلدية.
من جهته، حوّل رئيس بلدية يارين عدنان أبو دلة مستوصف البلدة إلى مقر للبلدية كخطوة أولى لتثبيت العودة، مشيراً إلى أن المنطقة حالياً «خالية من البشر وليس فقط من السلاح، لكن لن نرضخ لهذا المصير». وفي ما يتعلق بأزمة النازحين من عائلات البلدة في مرافق الإيواء (21 عائلة)، أشار إلى عرض وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد بتقديم 300 دولار لكل عائلة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد لتسعة أشهر، مقابل موافقتها على إخلاء مدارس صور، إلا أنّ العائلات رفضت العرض «لعدم ثقتها بالدولة التي قد تدفع شهراً وتتوقّف عن الدفع».
